2024 عام الإبل في المملكة العربية السعودية :|: اصداروثيقة “ميزانية المواطن” من طرف وزارة المالية :|: مشاركة وفد برلماني في اجتماع البرلمان العربي حول فلسطين :|: تعيين سفيرجديد لموريتانيا في قطر :|: تعليق وزيرالمالية على وضعية الاقتصاد الوطني :|: توقعات بارتفاع درجات الحرارة في بعض المناطق :|: خطاب وزيرالداخلية خلال اطلاق تطبيق "هويتي" :|: البرلمان يصادق على مشروع ميزانية 2024 :|: La nouvelle tribune : موريتانيا على وشك ثورة اقتصادية بفضل الغاز :|: تدشن المقر الجديد لمجلس اللسان العربي :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

تصل براحة الرئيس/ بقلم محمد فال ولد سيدي ميله
الاعلان عن علاوات لمختلف الأسلاك العسكرية
رجل يكتشف "مفاجأة" داخل جمجمته !!
لا أحدَ يمكنه الرد على إساءات الصحافة المغربية../ عبد الله ولد اتفاغ المختار
من ذكريات دراستي زمن الطفولة والمراهقة (ح14)
مقابلة مديرعام المحروقات حول الاستغلال المرتقب للغاز
الاعلان عن تنظيم مسابقة لاكتتاب 15 موظفا
شركة أمريكية تسرح ربع موظفيها بعد حادث سيارة !!
غريب : حاول قتل صرصور ففجر منزله !
معلومات عن زواج القاصرات في موريتانيا...
 
 
 
 

الحد الفاصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي

د/ محمد عبد الله محمد محمود

dimanche 13 mai 2012


لقد كانت السلطة مذ القدم تميل إلى منع تكوين الجمعيات والنقابات والأحزاب... وبعد أن اعترفت بهذه التجمعات في دساتيرها وقوانينها باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية للمواطنين، فإنها ظلت تعمل على ممارسة الرقابة عليها وتقييدها وحتى احتوائها... مما يظهر قلق السلطة من هذه التجمعات المتنوعة، وهذا القلق مبرراته متعددة ومعروفة، ذلك أن هذه التجمعات تسعى لأن تكون وسيطا بين السلطة والمجتمع، مما يعني أنها قد تجد نفسها في مواجهة مع السلطة لتعديل بعض سياساتها بما يتلاءم مع متطلبات تلك الجمعيات أو حتى تبنى سياسات جديدة لصالحها، بيد أن الحقيقة التى لا مفر من الاعتراف بها والعمل على تكريسها هي الانطلاق من أن هذه التجمعات المختلفة دورها يتكامل مع الدور الذي تقوم به مؤسسات السلطة وليس بديلا عنها ولا منافسا لها كما قد يتوهمه بعض رجال السلطة الذين يميلون إلى الاستبداد والقهر... وكأنهم مازالوا يعيشون في القرون الوسطى غير مبالين بالتطورات التي فرضتها الثورة العلمية، حيث أصبح العالم بجميع قاراته مدينة صغيرة يتفاعل في فضاء معرفي لا حدود له، وبما أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، نحاول أن نقدم نبذة مختصرة عن الحد الفاصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، من أجل أن نزيل الوهم الذي قد يعتري بعض رجال السلطة من أن المجتمع المدني لا دخل له بتدبير الشأن العام، بل إن "روجيه سو" يرى أن ثمة بوادر ظهور نظام سياسي غير مسبوق يلعب فيه المجتمع المدني الدور الأول، ويعد ذلك بمثابة عودة لأسس الديموقراطية نفسها.
ويقرر ذلك بقوله وفي مواجهة تآكل شرعية الأنظمة السياسية لعجزها عن القيام بدورها المؤسساتي تلجأ الطبقة السياسية إلى الاحتماء خلف الانتخابات والاقتراع العام كي تبرر شرعيتها، ولا يعني هذا حسب الكاتب التهوين من مبدأ الانتخاب أو وضعه في موضع المساءلة إذ أنه شرط ضروري بدون شك للديموقراطية ولكنه غير كاف، فأمام قصور السياسة المعبر عنه بانحطاط الديموقراطية التمثيلية لابد من إصلاح يحمل تصوراً آخر للسياسة يأخذ في الاعتبار التحول في المجتمع وتوزيعا جديدا للأدوار يلبي آمال المجتمع المدني، ولا يمكن للطبقة السياسية نفسها –في رأي الكاتب- التصدي لهذا الإصلاح. فالجواب يأتي من الجسم الاجتماعي ومن النضج الذي بلغه المجتمع المدني.
ومهما يكن من أمر فإن جل الباحثين إن لم يكن كلهم يرون أن هناك صلة قوية بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، حيث أن مؤسسات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها تعد من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ويرجع ذلك إلى أن المجتمع المدني الذي نتحدث عنه اليوم لم يعد مجرد مفهوم يشير إلى مستوى من مستويات النشاط الجماعي المتصف بالتعددية والتناقض وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، بل أصبح يشير لمجموعة كبيرة من المنظمات النشطة والتي تسعى كل واحدة منها إلى لعب دور بارز في حياة المجتمع ككل، بموازاة الدولة وأحيانا في مواجهتها، أو بمعنى آخر فإن المجتمع المدني لم يعد يجسد المصالح الخاصة الجزئية في مقابل الدولة التي تجسد المصالح العامة والكلية، بل إن النظرة إلى المجتمع المدني أصبحت تتجسد في أنه أضحى يمثل أهدافا ومنافع عامة للمجتمع كله، وذلك باعتباره يمثل أطياف المجتمع المختلفة ويعمل في جميع حقول الحياة المتنوعة، وخصوصا بعد أن تخلت الدولة عن الكثير من المهام التي كانت تقوم بها تاركة المجال للمجتمع المدني للقيام بها، ولا شك أنه في كثير من الحالات يتقاطع مع المجتمع السياسي، إلا أن ما يميز المجتمع المدني هو أنه لا يسعى من خلال نشاطه إلى الإمساك بزمام السلطة، وإن كان يسعى للتأثير على القرارات الصادرة عن السلطات السياسية، فهذا هو الحد الفاصل دائما بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.
إن توضيح هذه الإشكالية تتطلب منا أولا التعرف على المجتمع المدني ووظائفه (محور أول) وثانيا التعرف على المجتمع السياسي ووظائفه (محور ثانى) وفي الخاتمة نلامس الحد الفاصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.

المحور الأول : المجتمع المدني ووظائفه
أثار مصطلح المجتمع المدني ـ ولا يزال يثيرـ العديد من الإشكاليات والقضايا، ففي وطننا العربي والإسلامي بشكل عام اختلف الناس على اختلاف مشاربهم حول فكرته فهم ما بين متحمس له ومستريب، كما أنه كثر الكلام حول ما إذا كان يوجد مجتمع مدني في وطننا العربي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون جمعيات شخصية لتحقيق مئارب في نفس يعقوب، وبعيدا عن كل هذه الإشكاليات رغم وجاهتها في نظرنا فإنا نضرب صفحا عنها وذلك لأن هذه الورقة المتواضعة لا تتسع للخوض في تلك الإشكاليات، وإنما نقتصر فقط على تعريف مبسط لمفهوم المجتمع المدني في مطلب أول على أن نتناول في مطلب ثان وظائفه.

المطلب الأول مفهوم المجتمع المدني
دخلت عبارة (المجتمع المدني) قاموس العبارات الإيجابية كالديمقراطية والحرية والتعددية منذ التسعينيات من القرن المنصرم، وأضحى لها حيز واسع النطاق من رعاية الاجتماعيين والسياسيين ورجال القانون.
ورُغم ذلك فان لفظة المجتمع المدني مازالت -كغيرها من الألفاظ المحببة إلى النفوس- لفظة غامضة لا يفهمها حتى أولئك الذين كرسوا حياتهم لنصرة مؤسسات المجتمع المدني !.
عبارات شائعة كثيرة مثل(أنصار المجتمع المدني) و( نحن مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني) و(وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني) و(أن المجتمع المدني بات طرفا مهما في مجال التنمية في جميع أنحاء العالم).... الخ.
فماذا يقصدون من عبارة (المجتمع المدني)؟
يرى المحامي جميل عودة أن ليس في المسألة وفاق، فهناك من يعتقد أن مفهوم المجتمع المدني، ينطبق على المجتمع الذي يعامل أفراده بعضهم البعض باللطف والاحترام، ويتجنبون سوء المعاملة، ويمثله نظام من المؤسسات الجيدة التي لا يمكن لأحد أن يقف ضدها مثل المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الدينية كالكنائس والجوامع والحسينيات، ومثل النقابات والإتحادات والجمعيات.... ومفهومه أن المجتمع الذي يعامل أفراده بعضهم مع بعض بالكراهية والبغض وسوء الخُلق .... هو ليس مجتمعا مدنيا والمؤسسات والمنظمات التي تغذي الفرقة العنصرية والقومية والدينية والمذهبية هي ليست مؤسسات مجتمع مدني.
بينما يعبر آخرون عن مفهوم المجتمع المدني بأنه هو المجتمع الذي تنتشر فيه الجماعات المتطوعة التي تجوب البلاد لتقدم خدماتها مجانا دون مقابل مثل وجود مؤسسات رعاية الأيتام، أو مؤسسات التزويج، أو مؤسسات تخفيف أعداد الفقراء ...الخ. ومفهومه أن المجتمع الذي يخلو من الجماعات المتطوعة هو ليس بمجتمع مدني. فكثرة المؤسسات التي تقدم الخدمات والمساعدات في مجتمع ما مقابل ثمن تأخذه من المنتفعين لا يحول ذلك المجتمع إلى مجتمع مدني.
وهناك من يشبع المنظمات غير الحكومية بحثا واستدلالا باعتبارها هي المجتمع المدني ذاته، وبالتالي فإن المجتمع الذي تكثر فيه المنظمات غير الحكومية هو مجتمع مدني، والمجتمع الذي تقل أو تنعدم به المنظمات غير الحكومية هو ليس مجتمعا مدنيا.
وقد يوضع المجتمع المدني في مقابل المجتمع السياسي وهو المجتمع الذي يدور حول السلطة أو يعارضها، أو المجتمع الأهلي وهو مجتمع العائلة والعشيرة والقبيلة ...
على الصعيد المفاهيمي يعتبر غرامشي المجتمع المدني أحد مكونات البنية الفوقية. ففي أحد النصوص الهامة في دفاتر السجن كتب غرامشي قائلا : " ما نستطيع أن نفعله حتى هذه اللحظة، هو تثبيت مستويين فوقيين أساسيين، الاول يمكن أن يدعى المجتمع المدني، الذي هو مجموع التنظيمات التي تسمى (خاصة) والثاني هو المجتمع السياسي أو الدولة.
هذان المستويان ينطويان من جهة أولى على وظيفة الهيمنة حيث إن الطبقة المسيطرة تمارس سيطرتها على المجتمع، ومن جهة ثانية تمارس الهيمنة المباشرة أو دور الحكم من خلال الدولة أو الحكومة الشرعية ".
ويضيف في مكان أخر قائلا : " ينبغي الانتباه إلى أن في مفهوم الدولة العام عناصر ينبغي ردها الى المجتمع المدني، إذ تعني الدولة : المجتمع السياسي + المجتمع المدني، أي الهيمنة المدرعة بالعنف " . ويضيف " لا ينبغي أن يفهم بكلمة دولة جهاز الحكم فحسب، بل جهاز الهيمنة الخاص أو المجتمع المدني " . الدولة، حسب رأي غرامشي، هي المجتمع السياسي (سلطة الدولة) زائدا المجتمع المدني (الحقل الايديولوجي أو الاجهزة الاعلامية والتربوية للدولة البرجوازية الحديثة).
إن قراءة اطروحات غرامشي بشأن المجتمع المدني ومقارنتها بأطروحات كل من هيغل وماركس تتيح القول بوجود اختلاف في مستويات النظر بالنسبة لماركس وهيغل من جهة وغرامشي من جهة ثانية.

حيث ينصب تفكير هيغل وماركس حول " المجتمع المدني " على مفهوم المجتمع المدني بعلاقته بالبنية التحتية، أي الحقل الاقتصادي.
أما غرامشي فقدم مفهوم " المجتمع المدني " ضمن اشكالية سياسية وفكرية هامة هي " الهيمنة"، وحلل مفهوم المجتمع المدني في علاقته بالبنية الفوقية، وهذا هو عنصر الاختلاف، الذي نراه جوهريا وهاما.
إن فكرة غرامشي عن المجتمع المدني إنما لها معنى محدد في اطار فكره ذاته، أي أنه مجتمع مدني كمجال لتحقيق مشروع تاريخي معين. وبالتالي فإن هذا يعتبر أمرا يتعدى الاشكال المحددة لمفاهيم طبيعة السلطة، عسفها، مقاومة عسف السلطة أو ما شابه.

أما الباحث الأكاديمي العراقي د. صالح ياسر
فيرى أن المقصود بالمجتمع المدني كما يستخدم اليوم تلك الشبكة الواسعة من المنظمات التي طورتها المجتمعات الحديثة في تاريخها الطويل والتي ترفد عمل الدولة.
ويذكرنا الباحث بأن الاستخدام المعاصر لمفهوم المجتمع المدني قد مر بثلاث فترات رئيسية :
الأولى- هي فترة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف ضخ دم جديد في السياسة وإضفاء طابع شعبي عليها بدأت تفقده.
الثانية- هي فترة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير من المهام التي تهم هذه الأخيرة بالتراجع عنها.وهذا المفهوم يتوافق مع إنتشار مفهوم العولمة.
الثالثة- فترة طفرة المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة إجتماعية، على مستوى التنظيم العالمي بشكل خاص، في مواجهة القطب الذي تمثله الدولة- الدول ـ المتاَلفة في إطار سياسات العولمة والنازعة إلى الخضوع بشكل أكبر فأكبر في منطق عملها للحسابات التجارية والإقتصادية.
وعلى ضوء مجموعة من الأطروحات التي تناولها الباحث يعرف المجتمع المدني بأنه عبارة عن مجموعة من المؤسسات، التي تقع خارج شبكة سلطة الدولة، تتيح للقوى الاجتماعية العاملة في مجالات الاقتصاد والحياة الثقافية والآيديولوجيا والسياسة أن تنظم نفسها بشكل حر بحيث تستطيع أن تلعب دورها في التطور الإجتماعي.وهو مفهوم يتجاوز مجرد التغيير السياسي.
وحسب الأستاذ عبد الغفار شكر استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأة المجتمع المدني وتطوره أن المجتمع المدني هو : "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها" فهذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
1ـ الفعل الحر الإرادي والطوعي.
2ـ الوجود في شكل منظمات.
3ـ قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين.
4ـ عدم السعي للوصول إلى للسلطة.
وطبقا لهذه التعريف يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني أي كائن مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة، تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية على عوامل وراثية وروابط الدم والولاءات الأولى مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبلية، بل إن ما نسميه اليوم هيئات المجتمع المدني لم تعد تلك المنظمات الكلاسيكية كالنقابات ... بالرغم من أنها منظمات مجتمعية، وإنما أصبحت منظمات المجتمع المدني الحديث تشير إلى تلك الهيئات التي تجعل من المصالح والأهداف العامة الوطنية بل القومية والإنسانية محور نشاطها، ولا تسعى إلى تحقيق مصالح جزئية خاصة بقدر ما تدافع عن رؤية اجتماعية وعالمية، مما يجعلها تقترب أكثر فأكثر من المنظمات السياسية، دون أن تكون ساعية إلى السلطة وإنما إلى تحقيق المصالح التي تدافع عنها، بمعنى أن خدمة المصالح العامة لم تعد بالضرورة تتم في إطار السياسة وممارسة السلطة العمومية فحسب ـ وبالتالي لم يعد تحقيقها يحتاج إلى تكوين أدوات الصراع على السلطة والنفاذ إليها مثل ما تسعى إليه الأحزاب ـ بل إن المصالح صارت تتم بشكل أفضل من داخل هيئات ومنظمات لا تعمل بالسياسة بالمعنى الكلاسيكي، أي من حيث هي مرتبطة بالسيطرة على جهاز الدولة ولا تجعل السياسة أو النفاذ إلى سلطة الدولة همها، وهذا يعني أن هذه المنظمات المدنية تعبر عن ضرورة عودة السياسة إلى المجتمع وإلغاء الاحتراف السياسي لا إلغاء السياسة.
المطلب الثاني : وظائف المجتمع المدني
كما تتعدد مكونات المجتمع المدني وخصائصه كذلك تتعدد أدواره، مما يجعل الإحاطة بها وحصرها غير ممكن، وعليه فإننا نقتصر على بعضها فقط وذلك في النقاط التالية :
1ـ الوفاء بالحاجيات وحماية الحقوق :
وعلى رأس تلك الحاجيات الحاجة للحماية والدفاع عن حقوق الإنسان بما تتضمنه من عناصر مختلفة أي بالمفهوم الواسع لهذه الحقوق، وهكذا يصبح المجتمع المدني بمثابة محام يدافع عن المواطنين ولكن ضد من؟ يمكن الإجابة أنه ضد كل انتهاك لحقوق الإنسان سواء كان من قبل الأفراد أو الشركات أو الدولة.
2 ـ الوساطة والتوفيق :
تعتبر مؤسسات المجتمع المدني بمثابة وسيط بين الحكام والمحكومين، من خلال توفير قنوات للاتصال، ونقل أهداف ورغبات الحكومة والمواطنين في الاتجاهين بطريقة سلمية، وتسعى جماعات المصالح في هذا الإطار إلى خلق أرضية للوفاق بين الطرفين سعيا للاستقرار فالحكومة مثلا قد تقوم بسن تشريع لا يرضي الجماهير، فتقوم هيئات المصالح بالتدخل لدى الحكومة للتأثير عليها بغية الوصول إلى نقطة توافقية، ومن هذا المنطلق نرى أن المجتمع المدني لا يحقق الحماية للمواطنين ضد الحكومة وإنما يوفر الحماية لأطراف المجتمع كلها، فالحكومة معرضة لخطر الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة مما يعرض المجتمع ككل للخطر.
3 ـ تحقيق النظام والانضباط :
إن الانضمام إلى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني هو أداة لضبط سلوك الأفراد والجماعات، ذلك أن كل منظمة أو جمعية لها نظامها الخاص والذي يتضمن مجموعة من القواعد تحدد الحقوق والواجبات لكل عضو نتيجة لانضمامه إلى عضويتها، ويعتبر التزام الأعضاء بهذه القواعد شرطا لقبولهم واستمراريتهم فيها.
4 ـ تحقيق الديمقراطية :
توفر الهيئات قناة للمشاركة الاختيارية في المجال العام وفي المجال السياسي كما تعتبر أداة للمبادرة الفردية المعبرة عن الإرادة الحرة والمشاركة الإيجابية النابعة من التطوع .
5ـ التنشئة الاجتماعية والسياسية :
وهذه الوظيفة تعكس قدرة المجتمع المدني على الإسهام في عملية بناء المجتمع أو إعادة بنائه من جديد، من خلال غرسه لمجموعة من القيم والمبادئ في نفوس الأفراد المنتمين إليه، وعلى رأسها قيم الولاء والانتماء والتعاون والتضامن والاستعداد لتحمل المسئولية، والمبادرة بالعمل الإيجابي والاهتمام والتحمس للشئون العامة للمجتمع ككل من خلال ممارسته اليومية في جمعيته.
6ـ تحقيق التكافل الاجتماعي .
7ـ التنمية الشاملة .
وفي هذا الإطار يعمل البنك الدولي على تعزيز مشاركته مع المجتمع المدني منذ عام 1981، عندما اعتمد مجلس مديريه التنفيذيين أول مذكرة لسياسات العمليات بشأن العلاقات مع المنظمات غير الحكومية.
وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي قامت منظماتٌ دوليةٌ غيرُ حكوميةٍ بارزةٌ بالاشتراك مع البنك الدولي بإنشاء "لجنة المنظمات غير الحكومية والبنك الدولي"، التي عقدت اجتماعات دورية لمناقشة سياسات البنك الدولي وبرامجه ومشروعاته، ومنذ ذلك الحين اضطلع البنك الدولي بتنفيذ دراسات عديدة، وشجع المشاورات بشأن السياسات بين البنك الدولي والمجتمع المدني، وتبنى سياسات تستهدف تعزيز المزيد من المشاركة، وعيّن أخصائيين في شؤون المجتمع المدني، ورعى العديد من برامج التواصل مع منظمات المجتمع المدني.
وقد بدأ نطاق علاقات البنك الدولي بالمجتمع المدني ونوعيتها في اتخاذ أبعادٍ أكثرَ تركيزاً في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما تم اعتماد خطط عمل لإتاحة المشاركة في عمليات البنك الدولي على مستوى مناطق عمله والتعاقد مع أخصائيين في شؤون المجتمع المدني للعمل في مكاتب البنك في أنحاء العالم، ومنذ ذلك الحين، تحققت زيادةٌ مذهلةٌ في مستوى التفاعل والتعاون بين البنك الدولي ومجموعة واسعة النطاق من منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك فئات المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية والمنظمات الدينية والرابطات المهنية والجامعات.
ومما يعكس هذا التقدير المتزايد لدور المجتمع المدني في التنمية أن مشاركة منظمات المجتمع المدني المتوقعة في المشروعات التي يمولها البنك ازدادت باطراد على مدى العقد الماضي من 21 في المائة من إجمالي عدد المشروعات في السنة المالية 1990 إلى نحو 81 في المائة في السنة المالية 2009. كما زادت منظمات المجتمع المدني مشاركتها في وضع إستراتيجيات المساعدة القطرية وإستراتيجيات تخفيض أعداد الفقراء.
ومع تحول منظمات المجتمع المدني إلى جهاتٍ تتمتع بقدر أكبر من النفوذ في السياسات العامة وجهود التنمية، تزداد دواعي إستراتيجية البنك الدولي الرامية إلى إشراك المجتمع المدني قوةً، حتى باتت جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجية مؤسسية فعالة لتخفيض أعداد الفقراء وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

8ـ التعبير والمشاركة الفردية والجماعية.
9ـ إفراز القيادات الجديدة .
والحقيقة أن وظائف المجتمع المدني كثيرة ومتنوعة بتنوع هيئاته والتي تقوم بوظائف مختلفة في جميع حقول حياة المجتمع، مما يجعل دور هذه الهيئات في غاية الأهمية لتلبية حاجات المواطنين ورغباتهم المتنوعة، والتي لا يمكن لجهة واحدة أن تقوم بتلبيتها حتى ولو كانت الدولة التي تتوفر على وسائل وموارد معتبرة، وهذا ما يجعل الدول تبارك عمل هذه الهيئات في غالب الأمر، وإن كانت تحاول دائما إخضاعها واحتواءها حتى لا تشكل منافسا للسلطة الحكومية في الشأن العام الخاص عادة بهذه السلطات.
يمكننا إذا القول أن المجتمع المدني هو نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى، وهي علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع في إطار التعاون والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات عندما تقصر أو تمس من حقوق الأفراد أو الجماعات، مما يعني أن المجتمع المدني مستقل عن الدولة وذلك من أجل المحافظة على المصلحة العامة .

المحور الثاني :مفهوم المجتمع السياسي ووظائفه :
نشأ المجتمع السياسي بمفهومه الحديث، بعد حدوث تحولات في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية لبعض المجتمعات الأوروبية، في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، حينما انتقل مركز ثقل الفلسفة السياسية من انجلترا إلى فرنسا، وبرز مفكرون سياسيون كبار من أمثال : مونتسكيو، وفولتير، وروسو، وجماعة الانسكلوبيديا الذين طرحوا فكرة الدولة الدستورية المضادة لسلطة الملك المطلقة المرتكزة على فكرة الحق الإلهي.
إن تنظيم شؤون المجتمع وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراده وفئاته لا يتأتى دون تأسيس نظام للدولة، التي يعني مفهومها الدقيق القيادة والإدارة والحكم وفق المعايير القانونية الدستورية، لكن بشرط إحراز الدولة لتقدم كبير في مجال التطبيق الحقيقي لبرامجها السياسية المفضية إلى رفاهية كل مواطنيها دون استثناء، ودون ذلك سيبقى مفهوم الدولة ناقصا، فالدولة هي الضد التاريخي للاستبداد السياسي الذي تمارسه السلطات الاوتوقراطية أو الارستقراطية أو الثيوقراطية، أو ما يمكن أن نطلق عليه نظام (اللادولة). .إن مفهوم الدولة هذا يعني القانون أو الميزان الذي يتم بواسطته تنظيم بعض النشاطات والحاجات والسلوكيات الاجتماعية، التي يتفاعل من خلالها الأفراد فيما بينهم من جهة ومع الدوولة من جهة ثانية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا... فبدون هذا التفاعل تنتفي قيمة الدولة التي تساوي القانون، والتي تتجسد حقيقتها في ثلاثة معان :
المعنى الأول سلطاتها السياسية الباسطة لنفوذها القانوني على جميع رعاياها.
المعنى الثاني تبلور السكان على صورة وحدات سكنية، تربطها علاقات مكانية واجتماعية وثقافية، يمكن للدولة من خلالها التأثير والتحكم بها وفق حدود قانونية مقيدة بالدستور.
المعنى الثالث سيادتها الداخلية والخارجية على إقليمها، فلا يحق لأية جهة داخلية أو خارجية منعها من اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية، التي تفضي إلى تحقيق المصلحة العامة لسكانها.
إن نظام الدولة هو عبارة عن مجموعة من الحلقات المؤسسية التي يرتبط بعضها بالبعض الآخر.
ولمقاربة هذا الموضوع نقسمه إلى مطلبين نتناول في الأول منهما المجتمع السياسي وفي المطلب الثاني نلم بوظائفه السياسية.

المطلب الأول : المجتمع السياسي
الفرع الأول : تحديد مفهوم السياسة
قد يتبادر إلى ذهن القارئ عفويا أن هذا المصطلح لا يحتاج إلى مقاربة لوضوحه وكثرة دورانه على الألسن، وفي نفس الوقت كل منا يعجز عن توضيح المراد بهذا المفهوم وذلك راجع إلى أن هذا المصطلح من أعقد المصطلحات لتداخله مع كثير من المصطلحات التي يتعذر أن نضع بينها حدا فاصلا، وللاستدلال على هذا التداخل يمكننا أن نتحدث عن وظيفة سياسية للأسرة وعن دور سياسي لرجل دين وعن التداخل بين الاقتصادي والسياسي، إلا أن هذه الصعوبات يجب أن لا تصدنا عن محاولة تحديد هذا المصطلح وذلك من خلال مقارنة عدة تعريفات له، فنجد من يصف العمل السياسي بأنه عمل من خلاله يصل المجتمع لغاياته ويحقق أهدافه، ولا تخفى سعة هذا التعريف، ويعرفه آخرون باعتبار السياسة فن إدارة الدولة، وهذا التعريف وإن كان فيه الكثير من الحقيقة إلا أنه غير جامع فكم من نشاط سياسي يجري في نطاق خارج عن الدولة كأنشطة المجتمع الدولي، والحقيقة أن جميع التعريفات لم يخل تعريف منها من الانتقاد لذا نجد أن أحد الباحثين رأى أن أفضل طريقة لتحديد مفهوم السياسة تحديد مجالها فذكر ثلاثة محاور هي :
1ـ السياسة كلما يتعلق بالقوة والصراع.
2ـ السياسة كلما يتعلق بالدولة.
3ـ السياسة هي كل ما يتعلق بالقرار السياسي
وهذه المحاور لكل منها جانب من الصواب إلا أن الثغرة التي توجد في هذا التعريف تتمثل في كونه يترك جانبا كبيرا من السياسة خارج مجاله عندما حصر السياسة في الدولة وبذلك يكون قد همش النشاط السياسي والسلوك والأفعال الموجودة داخل المجتمع .
والخلاصة أن السياسة هي نشاط اجتماعي لكن ما يميزها عن غيرها من الأنشطة هو الموضوع الذي تتمحور حوله وهو السلطة من حيث بلوغها أو ممارستها أو احتكارها.

الفرع الثاني وظائف المجتمع السياسي
إن المجتمع السياسي هو الدولة تلك الشخصية المعنوية والتي لها وظائف تدخل في إطار سعيها إلى المصالح العامة، فباسم المصلحة العامة تمارس الدولة سلطة التحكيم التي هي سلطتها السياسية، ومنذ القدم والدولة تمارس ثلاث وظائف قانونية هي الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، وهي وظائف كلاسيكية كانت الدولة تمارسها خلال القرنين 18 و 19 وتم الاحتفاظ بهذه الوظائف حتى في العصر الحديث، وتناط بالدولة كذلك وظائف ومهام اقتصادية واجتماعية حسب الوضع التاريخي الذي تمر به وطبيعة نظامها الاجتماعي وفلسفتها، ويلاحظ أنه منذ الثمانينات من القرن المنصرم انسحبت الدولة من العديد من المجالات التي كانت تعمل فيها بغية تحقيق مهام وحاجات عامة وخصوصا في المجال الاقتصادي، نتيجة عجزها عن الاستمرار في لعب تلك الأدوار والوظائف التي كانت تقوم بها في السابق ويزداد الأمر كلما ترسخت العولمة المتوغلة والتي تهدد بابتلاع الدولة وبالأخص دول العالم الثالث.

الخاتمة :
انطلاقا مما سبق يمكن أن نقول أن هناك نقاط تلاقى بين العمل المجتمعي والعمل السياسي، دون أن يرقى ذلك إلى هدم الحد الفاصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، إذ أن هذا الحد يتمثل بالأساس في أن المجتمع المدني لا يسعى من خلال نشاطه للوصول إلى السلطة، وإنما إلى التأثير على قراراتها حتى تكون في خدمة المجتمع كله، وهذا هو الأساس الذي جاء من أجله المجتمع المدني، ويرى الكاتب برهان غليون أننا سنشهد شكلا من التنظيم المدني تخضع فيه السياسة من حيث بلورة التصورات والاختيارات التي تمس المصير العام والجزئي لنشاط مجموعة غير محدودة من التجمعات والهيئات والمنظمات وإيجاد القاسم المشترك فيما بينها.
وهذا ما يعني أن دور مؤسسات المجتمع المدني سيشمل فضاءات كانت تعد حكرا على الدولة باعتبارها السلطة الوحيدة التي تمثل المواطنين، ولعل بروز منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أكبر دليل على صدق هذا الإحساس، فقد صارت هذه المنظمات تقض مضاجع الحكام المستبدين ؟؟
لأنها تعري تجاوزاتهم المتكررة والمنظمة لحقوق مواطنيهم، وقد حققت هذه المنظمات الكثير من المساهمات في مجال رعاية حقوق المواطنين خصوصا الحقوق السياسية الأمر الذي جعل الكثير يراهن عليها في معملية الإصلاح السياسي ولا شك أنها مرشحة لذلك، وإن كانت الحكومات تحاول أن تبعد هذه المنظمات عن القيام بدور فاعل تحت تذرعات واتهامات لا تمت إلى الحقيقة من قريب ولا بعيد في بعض الحالات، كاتهامها لهذه المنظمات بالعمالة وبأنها تتدخل في الشأن السياسي الذي هو من اختصاص السلطة العامة.

المصادر :
1 ـ عبد الغفار سكر والدكتور محمد مورو المجتمع الأهلي ودوره في بناء الدمقراطية ، ط1 2003
2 ـ عبد الرحيم العطري صناعة النخبة في المغرب ،ط1 2006
3 ـ توفيق المديني المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي اتحاد الكتاب العرب 1997
4ـ مختارمطيع القانون الدستوري وأنظمة الحكم المعاصرة
5 ـ برهان غليون نشأة مفهوم المجتمع المدني وتطوره محاضرة ألقيت في ندوة المجتمع المدني والديمقراطية بجامعة قطر 2001
6 ـ صالح ياسر بعض إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والدمقراطية ، مقال.
7 ـ يعقوب يوسف الرفاعي الفرق بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني, جريدة الصباح
8 ـ ورشة حول استراتيجيات مساهمات المجتمع المدني في التحول الديمقراطي بالبلدان العربية قطر الدوحة يمي : 4/5 جانفي كانون الثاني 2005
9 ـ اجتماع تحضيري إقليمي عربي للمؤتمر الدولي للديمقراطيات سانتياغوـ الشيلي مارس/ آذار 2005
10 ـ ما هي فكرة المجتمع المدني؟ مقال للمحامى جميل عودة منشور بشبكة النبأ المعلوماتية
11 ـ بعض إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطية" لمؤلفه الباحث الأكاديمي العراقي د. صالح ياسر،من منشورات :" طريق الشعب"، سلسلة " قضايا فكرية"، بغداد، 2005،
12 ـ المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطية د. صالح ياسر مقال منشور بموقع رواق الفلسفة.
13 ـ المجتمع المدني والمجتمع السياسي "روجيه سو" مراجعة عفيف عثمان مقال منشور في موقع التفاهم

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا