فكرت في الأمر ومن يمكنه مساعدتي وفجأة خطرت لي فكرة وهي أن أذهب لزميلي الذي كنا نلقبه وقتها ب"الرادسي" نسبة للضاحية الجنوبية لتونس"رادس" حيث كان كثير السكن فيها،ووقتها كان يسكن في الحي الجامعي ب"بن عروس".طلبته هاتفيا فجاءني ونسقنا الموضوع.
كانت ثمة عدة عقبات وهي كيف ادخل دون أن يتفطن لي حراس الحي الجامعي "لا يقبلون بسكن أي فرد لا يقيم في الحي بصورة رسمية حتى ولو كان ضيفا لأيام معدودة".ثم كانت هنالك مشاكل تتعلق بالانتفاع من الخدمات في الحي الجامعي كالمأكل والحمام وغيرها فكل طالب مسجل ومعروف،وهنالك مشكلة انعدام الفراش حيث لا يوجد في الغرفة إلا سرير واحد وأخيرا مشكلتنا نحن المتعلقة بالزاد نظرا لتأخر المنحة كالعادة.
رغم كل تلك الصعاب فقد أكملت معه مدة المراجعة وهي أسبوعان تقريبا لأعود مجددا لجحيم المنزل بغية الصبر على أداء الامتحان وبتوفيق من الله كان الهدوء قد ضرب أطنابه وخيم رعب الامتحانات على ساكنة المنزل.أكملت الامتحانات التي دامت نصف شهر "شملت 12 مادة"لأتنفس الصعداء لانتهاء عام دراسي طويل ومتعب ولأنال حريتي من السكن في ذلك المنزل الذي مثل جحيما بالنسبة لي.
سكنت في المرحلة الفاصلة بين خروج النتائج وسفري لدى بعض زملائي في أحياء أخرى من العاصمة تونس وحاولت قدر الامكان ان أخلد للراحة وتغيير الرتابة التي عرفتها خلال هذه الفترة حيث كلفتني المراجعة الليلية وحدها ما يزيد على 630 ساعة خلال هذه السنة دون احتساب المراجعة في النهار وحضور الدروس.
بعد 15 يوما خرجت نتائج الدورة الأولى وقد كان الانتظار مملا حيث لا تتوفر لي أي أجواء مريحة في السكن أو الغذاء.
كالعادة كان يوم النتائج مشهودا حيث حضر جميع الطلبة منذ ساعات الصباح الأولى وكانوا جميعا بين الرجاء والخوف.. الدراسة في تونس من مميزاتها صعوبات النجاح وترقب النتائج ..في الحادية عشرة صباحا هطع الجميع منصتين لرؤساء اللجان وهم يقرؤون أسماء الناجحين في الدورتين الرئيسية والثانوية..وكنت في وضعية لا احسد عليها فأنا غريب ومتعب ولا فكاك لي من مصير تعس يؤدي بي لنفق مظلم إلا أن يرد اسمي بين الناجحين وهي لعمري غاية شريفة لا يتوصل إليها إلا بشق النفس وتعب الكد والتحصيل العلمي طيلة سنة كاملة .
لم يطل انتظاري حيث قرأ رئيس اللجنة اسمي وكنت في المرتبة الثانية عشرة من أصل حدود 40 ناجحا في الدورة الأولى .. طرت فرحا ولم أصدق ماسمعت إلا بعد أن قرأت اسمي على اللائحة بعد تعليقها.وكم كنت أتمنى ان ينجح زملائي في المسكن طبعا وهما في السنة الأولى ولكن "الصيف ضيعت اللبن " كما يقول المثل.
كان نجاحي يعني ميلادي كم جديد حيث أنه فتح آمامي آفاقا جديدة لمواصلة مشوار طويل من الدراسة تفسح الأيام والليالي طريقه وتصنع صعوباته في كل سنة دراسية.. ورغم ذلك أصبر وأقول المسافة ستنتهي يوما.
كانت المرحلة الموالية هي إتمام إجراءات السفر لقضاء العطلة الصيفية مع العائلة والأصدقاء في الوطن ومشاركتهم فرحة النجاح والفوز في معركة لم يكن أكثر المتفائلين منهم يظنني سوف انجح فيها ويساندهم في هذا الموقف حشد من الحساد ومن لا يعلمون أن "الارادة تصنع المعجزات.
في أحد أيام شهر يوليو القائظة الصيف طنت على موعد مع..
بقلم : محمد ولد محمد الأمين (نافع))
للتعليق والملاحظة :
oulnafaa.mohamed@gmail.com
هذه المذكرات نشرت جامعة " جورج تاون" الأمريكية مقتطفات منها في بعض كتبها المدرسية المترجمة باللغة الانجليزية التي تدرس بغالبية جامعات العالم(راجع الحلقات السابقة بالموقع زاوية رأي