لم يتظاهر الموريتانيون ضد شيء قدر ما تظاهروا ضد السفارة الإسرائيلية والعلاقات مع دولة العدو ، وها هم بعد سنوات طويلة من الرفض ينجحون في فرض ما يريدون ، إذ أعلنت الحكومة الموريتانية قطع العلاقات التي كانت سائر الحكومات السابقة منذ ولد الطايع تعتبرها خطا أحمر لا يجوز المساس به بأي حال.
هذا البعد في وعي الشعب الموريتاني الأبي أدركه الجنرال محمد ولد عبدالعزيز ، فكانت أولى خطواته التي داعب من خلالها الجماهير هي الوعد بقطع العلاقات مع دولة العدو ، وهو الوعد الذي نفذه بالفعل بعد استقرار الوضع لصالحه بالتفاهم مع بعض قوى المعارضة ، ومن ضمنهم الإسلاميون.
خلال مظاهراتهم نصرة لفلسطين ورفضا للعلاقة مع العدو ، دفع الموريتانيون خلال السنوات الماضية عددا من الشهداء برصاص قوات الأمن ، لكنهم كانوا يصرون على مطلبهم ، ولا يتوانون عن ملاحقته حتى كان لهم ما أرادوا ، لا سيما أن أحدا لم يقتنع يوما أن تلك العلاقة يمكن أن تدر لبنا وعسلا على موريتانيا وشعبها ، حتى لو وضعتها بعض القوى الكبرى سببا لتقديم الدعم.
لم يقل أحد للموريتانيين أنهم بمظاهراتهم تلك قد تجاهلوا الهم الوطني ، فهذا شيء وهذا شيء ، وفلسطين لم تكن يوما عائقا دون النهضة والتنمية والإصلاح ، بل هي جزء لا يتجزأ من معركة الأمة على هذا الصعيد ، إذ أية نهضة وأية تنمية في دولة تجزئة بائسة ليس أمامها غير الارتهان لإرادة العدو. مع ذلك لا تناقض البتة بين النضال من أجل قضايا الأمة الكبرى في التحرر والنهوض وبين الاهتمام بالقضايا الداخلية والنضال من أجلها بشتى الوسائل المشروعة.
خلال الأيام الماضية انتفضت جماهير الأمة من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا نصرة للقدس والمقدسات ، وقد كانت بذلك تعبر عن نفسها وضميرها وليس عن أجندات خارجية ولا صراعات خفية ، فقد كانت فلسطين وستبقى هي ضمير الأمة وقضيتها المركزية ، وقد دلت على ذلك الاستطلاعات ، فضلا عن التحركات الشعبية بشتى أنواعها خلال المناسبات المهمة.
هذا هو ضمير الأمة وجماهيرها ، والقوى السياسية في طول العالم الإسلامي وعرضه لا تتفاعل مع فلسطين على هذا النحو إلا لأنها تدرك أن ضمير أنصارها وشارعها الشعبي يريد ذلك ، بدليل أن التفاعل مع نشاطات من هذا النوع غالبا ما يأتي عفويا لا يتطلب الكثير من الحشد.
مرة أخرى نقول ، إن هذا التفاعل لا يجب ولا ينبغي أن يبرر التقاعس في نصرة قضايا الظلم والفقر ومواجهة الفساد في الداخل ، ومن فعل ذلك فهو مدان لأن الأصل أن معركة الانتصار للحق تبقى واحدة ، سواء كانت القضية داخلية أم خارجية.
عودة إلى الشعب الموريتاني الرائع الذي أثبت أنه من جزء أصيل من هذه الأمة ، لا يزال يتفاعل مع قضاياها رغم فقره وبؤسه ، وقد كانت مشاهد التبرع التي أدارها فقراء هذا البلد الطيب في أكثر من مناسبة لصالح قضايا أمتهم مثيرة لمشاعر الحزن والفخر والعزة في آن.
يستحق الموريتانيون التهنئة بانتصارهم الكبير ، ويستحق من أخذوا القرار الكثير من الشكر ، على أن يكون القرار تعبيرا عن الانحياز إلى توجهات الجماهير في سائر القضايا الداخلية والخارجية ، وليس في هذه القضية فحسب.
أما فلسطين وشعبها فسيبقون على عهد التصدي لهذا المشروع الصهيوني البغيض الذي لم يكن يستهدفهم وحدهم ، بل كان يستهدف الأمة ووحدتها وطموحها في الوحدة والتحرر والنهوض ، وليتأكد الجميع أن توجهات بعض أبناء هذا الشعب الرامية إلى التطبيع مع العدو والقبول بوجوده لا تعبر سوى عن أصحابها ، وهم قلة بفضل الله حتى لو ظهروا غير ذلك بقوة دعم العدو من يتعاونون معه.
التاريخ : 05-04-2010