يتوقع للإضراب الذي أطلقته بعض الأوساط النقابية في سنيم أن يطول أمده بسبب أهدافه غير المعلنة. فلا يمكن تصديق، من وجهة نظر نقابية واقتصادية بحتة، أن يطلب من شركة، أيا كانت، الشروع في زيادة أعبائها في فترة هبوط أسعار منتجات هذه الشركة التي تحصل منها على دخلها.
هذا المبدأ، معبر عنه بهذه البساطة كان ينبغي أن يمنع زعماء النقابات المضربة من إدخال سنيم في طريق مسدود اقتصاديا لأن خام الحديد يباع، في السوق الدولية، بثمن بخس لا يتجاوز خمسين دولارا للطن، والطلب الصيني الذي يمثل القاطرة الرئيسة للإقتصاد الدولي، يتهاوى في الحضيض. إن تجاهل هذه الوقائع، التي لا يمكن تجاوزها، وإدخال شركة سنيم في نزاع داخلي في الوقت الذي تحتاج فيه إلى تعبئة جميع مواردها لتبقى، وتتحاشى أن يستولي منافس أكثر مرونة على حصتها في السوق، يعد في أحسن الأحوال قلة وعي، وفي أسوءها خيانة.
إن الإضراب، زيادة على كونه حقا مشروعا، يمثل أداة تكتيكية تمكن مجموعات اجتماعية مهنية من الاستفادة من وضع اقتصادي ملائم، لكن توقيته يمثل شرطا أساسيا لنجاحه. من وجهة نظر نقابية بحته فإن توقيت الإضراب في سنيم يمثل في ذاته "سقوطا مفاجئا". فليس لأحد في ازويرات، أو في أي مكان آخر من موريتانيا اليوم، مصلحة في أن تذوي زهرة اقتصادنا الوطني، وتظل اليد العاملة الأقل تأهيلا الحلقة الأضعف في هذه الحالة. إن الابتهاج سريع الزوال، بالتضامن العاطفي حول أهداف غير عقلانية، يتلاشى سريعا حين يحزم مشعلو الحرائق حقائبهم ويختفون... تقدم ليبيا وسوريا واليمن أمثلة قريبة لمأساة مستمرة.
من المضحك أن يطلق إضراب هستيري في سنيم لتعزيز الوضع السياسي لحزب اتحاد قوى التقدم تحسبا لحوار سياسي مفترض. كما لا ينبغي استغفال العمال من أجل جذب أضواء وسائل الإعلام. ولا ينبغي إطلاق إضراب في سنيم للضغط من أجل إطلاق سجناء الحق العام. ولا ينبغي المخاطرة بالمصالح الحيوية للعمال لإغاظة مسؤول في مؤسسة، أو وجيه. كل هذه الأهداف، مهما كانت وجيهة، أو غير وجيهة، يمكن طلب تحقيقها بالطرق التي حددها القانون؛ ولا يمثل التحريض على الإضراب، في فترة الاكراهات الاقتصادية القوية، أيا من تلك الطرق. إن مناخ الحرية الذي ينعم به بلدنا، لا يمكن أن يستمر، على المدى المتوسط، إلا إذا تحلى كل الفاعلين الوطنيين بالحصافة فتحاشوا اللجوء إلى طرائق خلط الأوراق التي ورثناها عن فترة الأحكام الاستثنائية البغيضة.
هذا هو الثمن الذي لا بد من دفعه لرفع التحديات الاجتماعية لمصلحة الغالبية العظمى للموريتانيين.
سيدي ولد أحمد