الأغلبية : شروط منح التزكية للمترشحين للانتخابات الرئاسية :|: "فترة عصيبة".. البنك الدولي يحذّر من تفاقم التضخم العالمي :|: الرئيس يبحث "استغلال مناخ الاستثمار" في موريتانيا مع وفد أوربي :|: إجازة خطة حكومية لعصرة الادارة :|: "دومين" : تسجيل العقود عن طريق منصة رقمية :|: متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !! :|: اتفاقية لافتتاح وكالة تابعة لـل"تشغيل" بالجامعة :|: اطلاق المرحلة الثالثة من برنامج تطوير التعليم :|: جدول رحلات الموريتانية للطيران لمسم الحج الحالي :|: تسليم 12 رخصة لممارسة الإشهارمن قبل الأفراد :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
 
 
 
 

كثير على لعيون .../ بقلم : سيد أحمد ولد صالح

mardi 26 avril 2011


تابعت باهتمام بالغ في الأسابيع القليلة الماضية ملف تحويل المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية إلى مدينة لعيون وما استتبعه من جدل مفتعل في رأيي وآراء الكثير من المواطنين.

والواقع أنني ترددت مرارا في المشاركة في السجال الذي دار ويدور بهذا الشأن ترفعا مني عن جلباب الجهوية الذي اكتساه، شأني شأن جميع من تربوا في مدينة لعيون التي لم يألف سكانها مثل هذا المنطق السقيم، بل أدركوا مبكرا أنه يفرق أكثر مما يجمع مواطنيهم الذين يعتزون بهم كافة بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم ويضعضع جهود تنمية وطنهم الذي آلوا على أنفسهم ألا يخونوه يوما وأن لا يتقاعسوا عن أداء واجباتهم تجاهه حتى لو اقتضى الأمر دفع ضريبة الدم ذودا عن حياضه، أحرى أن يكظموا غيظهم في سبيل المحافظة على وحدته وتماسك أبنائه.

ولئن كان كثيرا على لعيون أن يعافها مواطنون موريتانيون أيا كانوا، فإن تنكر وإنكار البعض لدورها الثقافي- ماضيا وحاضرا- كبير وكبير جدا. إلا أن الأشد وقعا والأكثر إيلاما وما دفعني لمراجعة موقفي والمشاركة في هذا السجال هو أن يأتي هذا الإنكار من حيث لا أتوقعه، ممن يفترض بهم- وهم في الواقع كذلك- صفوة الصفوة من الفقهاء ونخبة النخبة من المثقفين وسدنة الفكر الإسلامي وأكابر مربي الدعاة، أعني بحديثي أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.

لقد ساءنا، بالفعل، وحز في أنفسنا وقوف جمع من أبنائنا عائقا في وجه إقامة هذا الصرح في مدينتنا، لكن الأدهى والأمر أن يوردوا في إطار محاججتهم للدفاع مطالبتهم بعدم تحويل المعهد مبررات ن قبيل : " هناك أسباب تاريخية وحضارية تمنع من تحويل المعهد إلى لعيون" وهي لعمري حجة، إضافة لكونها غير مقبولة من أمثالهم، فإني أفضل أن أقول إنها لا تستقيم، بحال من الأحوال، وتستبطن الكثير من التجني وعدم الإنصاف، كي لا أتطاول- وأنا من أنا- على مقامات أعلى مني شأنا لأقول إنها واهية ومتهافتة.

لا أريد البتة ارتقاء هذا المرتقى الصعب ولا أدعي لنفسي امتلاك مؤهلاته، إلا أنني، في الآن ذاته، أود تذكير السادة الأساتذة الأجلاء بالحقائق التالية التي لا شك أنهم يعرفونها أكثر مني وأكاد أجزم أن ليس بمقدور أحد إنكارها، اللهم إلا إذا كان مكابرا أو صاحب أغراض خاصة وهما صفتان أربأ بأساتذتنا الكرام عن الاتصاف بهما :

1- إن مدينة لعيون هي واسطة العقد بين حاضرتي المنطقة الشرقية الكبريين؛

2- إن سكان هذه المنطقة يشكلون ثلث سكان البلاد على أقل تقدير. وطلاب وأساتذة هذا المعهد، كأي عينة من الوطن، يعكسون، على الأرجح، هذا التناسب البشري؛

3- إن هذه المنطقة كانت موطنا لمملكتي أوداغست وكومبي صالح، مع ما تحمله هاتان المملكتان من دلالة ورمزية في حضارة هذه البلاد؛
4- إن المبرر الذي سيق للاستدلال على عدم أحقية المنطقة باحتضان جامعة العلوم الإسلامية والذي ينطلق من تفكير ما انفك أصحابه يحاولون اختزال كل التاريخ الموريتاني في حركة المرابطين، رغم أهميتها، هو مبرر يفتقر للوجاهة والموضوعية.

فهب أننا سلمنا جدلا بأن نقاط تاريخ البلاد المضيئة كلها منحصرة في دولة المرابطين، لأننا لسنا الآن بصدد مناقشة هذه الجزئية ولا في وارد تصديقها أو نفيها، وأن أول رباط أسسه المرابطون كان بمكان قريب من مدينة نواكشوط؛ إلا أننا نعلم أن الباحثين والمؤرخين يجمعون إجماعا لا ينخرم بفرد على أنهم لم يلبثوا أن رحلوا منه.

والثابت أن المجموعات البشرية المنحدرة من الذين أسسوا وآووا ونصروا حركة المرابطين موجودة حاليا، في الغالب الأعم، في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد أو مهاجرة منها. كما أن بقايا آثار المرابطين التاريخية وأضرحة أعلامهم، إن وجدت، ما زالت شاخصة في منطقة آدرار في الشمال ناطقة بما وصلت إليه من ازدهار و تشكل مفخرة لنا جميعا. ولا رسم يدل ولا وريث يشهد على ارتباطها بنواكشوط ولا حتى بالمناطق القريبة منها.

إن السبيل لوراثة هذا المجد لا تتأتى إلا بأحد احتمالين : إما عن طريق متابعة أهداف أصحابه والسير على هديهم وسلوك سبيل نشر الإسلام والعلم أو عن طريق النسب وهي طريقة ينبغي أن يتعالى عنها من هم في مقاماتكم السامقة.

إن كان ذلك كذلك، فمن يحق له أو من بإمكانه أن ينافح الشيخ المحفوظ ولد بيه مثلا في أحقية انتمائه للمرابطين بالنظر للعاملين السابقين؟ وأين ولد ونشأ ودرس وأعطى وتوفي هذا العلامة؟ أليس في المنطقة الشرقية؟ !؛

5- بلى، كان هذا الرجل من أهل شرق البلاد، لكنه لم يكن حالة فريدة في محيطه ولا كان مستواه المعرفي شاذا في تلك المنطقة التي أنجبت كبار العلماء العاملين الذين غطى إشعاعهم كافة مناكب أرض الوطن بل امتد خارج ربوعه. وكان لهم دور بارز، إن لم أقل الدور الأبرز، في نشر الإسلام وعلومه في بلدان إفريقية مجاورة. نذكر منهم على سبيل المثال : محمد الأمين ولد أحمد زيدان وآب ولد اخطور وعبد الله ولد الحاج حماه الله والشيخ سيد المختار الكنتي ومحمد يحي الولاتي وصالح ولد عبد الوهاب وغيرهم كثير يصعب حصره.

وأي مدينة موريتانية خرجت من العلماء وحفظة القرآن أكثر مما خرجت مدينة ولاته؟؛

6- إن الذراع الأخرى، بعد ذراع العلم والعلماء، التي لم تبخل يوما في رعاية الإسلام في موريتاتيا ونشره في جوارها بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن هي الطرق الصوفية.

والتاريخ يقول إن جل مشايخ هذه الطرق إما جاءوا من هذه المنطقة أو تتلمذوا وصدروا عن مشايخ منها. نذكر منهم مثلا : الشيخ سيد المختار الكنتي الذي تتلمذ على يديه أعلام من حجم الشيخ سيديا الكبير والشيخ محمد فاضل الذي أرسل أبناءه إلى مختلف الجهات الموريتانية وحتى المجاورة وما زالت زواياهم وأحفادهم شواهد حية على ما قدموه ويقدمونه والشيخ حماه الله الذي ينتشر مريدوه، علاوة على موريتانيا، في مختلف أصقاع إفريقيا الغربية وغيرهم من المشايخ؛

7- لقد كانت هذه المدينة وتلك المنطقة على العموم، منذ نشأة دولتنا الفتية، إحدى أهم قلاع الدفاع عن اللغة العربية، لغة القرآن ووعاء العلوم الإسلامية وأهم آلة لتحصيلها وفهم أول أصلين من أصولها المتفق عليها. ولا شك أنكم أعلم مني بأهمية اللغة العربية في العلوم الشرعية التي ستؤسس هذه الجامعة لتعليمها.

وقد وقفت هذه المدينة تهز العصا في وجه مشاريع التغريب التي استهدفت وما زالت تستهدف البلاد حتى تكسرت معظم نصالها على صخورها الصلبة المشهورة بجمالها في العمران؛

8- إنني لا أحتاج أن أذكركم بأن أول مؤتمر تقرر فيه ترسيم اللغة العربية في التعليم والإدارة قد انعقد في لعيون سنة 1966 برئاسة رئيس البلاد آنذاك المرحوم المختار ولد داداه، مجسدا تطلعات الأمة الموريتانية التي عبر عنها شاعرها محمدي ولد محمد فال الجكني بقصيدته التي نورد منها :

لسان الضاد يرمق بالعيون إليك اليوم مؤتمر العيون

ففكر في ديون الضاد حلت أمؤتمر العيون ف بالديون

فرسمها وإن غضبت أوربا وخل النوم ينعم بالعيون

إن علية القوم، بمن فيهم رئيس الجمهورية، وصفوة مثقفيهم الذين أصروا إصرارا على أن يعقدوا مؤتمرهم في لعيون وتنادوا جميعا لحضوره رغم بعد الشقة وعناء السفر في أيام لم يكن الوطن مرتبطا بشبكة طرق معبدة ولا وسائل نقل مناسبة؛ كانوا يدركون جيدا معنى ما يفعلون ويفهمون ضرورات ثوابت التوازن في تنمية الجهات الموريتانية ومرتكزات الوحدة الوطنية التي لا فكاك لنا من التمسك بها. وأكثر ما أخشاه أن يكون قد خلف هؤلاء قوم أضاعوا هذه الثوابت وتلك المرتكزات وركنوا إلى النزعات القبلية والجهوية؛

9- إن هذه المنطقة الطاهرة النقية بإمكانياتها العمرانية وبناها التحتية هي الأنسب لاحتضان مثل هذه الجامعة. وقد وعد رئيس الجمهورية بأن السنة الأولى هي التي ستنقل إلى لعيون ثم يتوالى الاكتتاب سنويا على أن يكتمل بناء المنشآت اللازمة لاستقبال الجامعة في غضون أربع سنوات؛

10- إن التنمية الغير متوازنة هي تنمية عرجاء وسبب أساسي لهجرة السكان عن مناطقهم الأصلية ومنبت خصب للنعرات الجهوية وعدم الاستقرار. وما مثال الثورات العربية الأخيرة ببعيد عن ناظر من أراد أن يعتبر؛

11- إن النعرات الجهوية لا تنتج إلا التشرذم والفتنة التي لعن الله من أيقظها. والمتأمل للبلدان التي عصفت بها يدرك، دون عناء يذكر، خطورتها وما انجر عنها في بلدان أصلب عودا وأكثر انسجاما عرقيا وأعمق تجربة من بلادنا. لذا يجب أن نبتعد عنها وعما يثيرها كي نتجنب ما قد نندم عليه، لا قدر الله، حين لا ينفع الندم؛

12- إن الاحتجاج بأن مصالح شخصية تربط الأساتذة بمدينة نواكشوط مردود، ليس لأن مصالحهم غير مقدرة لدينا ولها ما لها من أهمية، إلا أنها يجب أن لا تطغى على المصلحة العامة للبلاد والعباد.

فالأستاذ الجامعي، مثله مثل الطبيب والمعلم والعسكري وغيرهم من موظفي الدولة، يتعين أن يكون مستعدا للخدمة في أي منطقة من مناطق البلاد حالما تقتضي الضرورة ذلك؛

13- إن تنقل الطلاب لتلقي العلم لم يكن يوما ولن يكون أبدا عيبا. فقد دأب العلماء على المفاخرة بما قطعوا من فياف وتجشموا من صعاب في سبيل تحصيل العلم. فلا ضير مطلقا في انتقال أبناء الولايات الأخرى لتلقي العلوم في لعيون كما ينتقل أبناء لعيون الآن للالتحاق بمعهد الزراعة في روصو مثلا. فلن يكونوا في لعيون إلا بين أهليهم وظهرانيهم.

والتاريخ يشهد أن ثانوية لعيون كان يدرس بها أبناء ولايات الحوض الشرقي ولعصابه وتكانت حتى عهد قريب وهم الآن صفوة الأطر في مختلف مفاصل الدولة وأجهزتها؛

14- أنني لم أسمع يوما أن أهل لعيون قد امتعضوا من تخصيص أي مشروع تنموي لولاية أو جهة أخرى ولا طالبوا بتحويله إليهم، راضين بما قسم لهم ومؤثرين إخوانهم، في بعض الأحيان، على أنفسهم رغم الخصاصة ورغم أنه قد مسهم وأهلهم الضر جراء افتقارهم إلى مثل هذه المشاريع. ولا أخالني أجانب الصواب إن قلت إن القوم قد تجاوزوا هذه الانتماءات الضيقة إلى فضاءات أرحب وتعودوا دائما أن يهللوا لكل إضافة في أي موقع من موريتانيا وكأنها في ولايتهم، كما أسلفت سابقا.

وفي هذا الإطار، فإنني أود أن أسجل بارتياح أن أهل لعيون والمناطق الشرقية لم يحاولوا خلال السجال الدائر الآن التقليل من قيمة علماء المناطق الموريتانية الأخرى الذين لا يقلون عن أقرانهم في شرق البلاد بل ربما أجل شأنا، مدركين- كما عهدناهم دائما- أن علمهم لكل الموريتانيين وأن رفعتهم من رفعتهم وأن عطاءهم سيطالهم لامحالة؛

15- إننا وإن لم نعترف بأي فضل لهذه المنطقة في الثقافة الموريتانية واعتبرنا، وهو ما يبدو أنه يصادف هوى في نفوس البعض للأسف، أنها خلو من أي شخص قادر على إعراب "به" كما يقول المثل الشعبي؛ أفلا يكون ذلك مدعاة أكثر لافتتاح جامعة إسلامية بها كي تستفيد من إشعاعها في درء أي مفسدة قد تنجر عن تلقي النشـ ء لهذا الدفق الإعلامي القادم من كل حدب وصوب والمتزايد يوما بعد يوم.

في جميع الأحوال لم أفهم لماذا يسقط في أيدي أساتذتنا الأجلاء، إن قررت الدولة تحتضن مدينة لعيون جامعة العلوم الإسلامية !

تلك حقائق أوردتها بقصد التذكير والتشريح والعتاب لا بهدف التوتير والتجريح والسباب. وأرجو أن يعيها ويفهمها من يهمه الأمر ممن لا ينتمون لمن وصفهم أبو الطيب المتنبي بقوله :

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم

وختاما، فإنني وتأسيسا على هذه الحقائق وبناء على إيماني بأن أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية هم نخبتنا الدينية والثقافية وأنهم مزكون عن الاتصاف بما لا ينبغي؛ فإنني أهيب بالسادة الأساتذة الأجلاء الاعتذار لأهلهم وذويهم في لعيون وشرق البلاد على العموم عن الكلام الجارح الذي يأملون أن لا يكون مقصودا. كما أطالبهم بدعم هذا القرار ونصرته، وإلا ينصروه فقد نصره بعد الله من قرروه وكثير من الخيرين في هذا البلد.

وأنا واثق من أن جامعة العلوم الإسلامية ستفتتح بعون الله في مدينة لعيون بافتتاح السنة الجامعية المقبلة.

وما ذلك على الله بعزيز.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا