يبدو أن مصطلح "الشعب" غير محدد المعالم في ذهن الرئيس وأطقمه المنهمكة في إعداد لقائه بالشعب... فإذا كان الشعب هو النساء والأطفال والشيوخ والمعوقون والعجزة من كل الأعمار ومن كل الفئات ومن كل المناطق فهو كل الناس وكل الآراء وكل الأطروحات، وما يجري حاليا هو رفع شعار "لقاء الشعب" واختزال الشعب في حشود مؤلفة قلوبهم بالهبات والوعود يدفع لهم مقابل ساعات حضورهم وتصفيقهم الإيقاعي على أنغام ما يتفوه به الرئيس وما ينبس به حتى لم يسمعوه...
وبالإضافة إلى انتهاك مفهوم الشعب واختزاله هنالك ايضا التفاف على "مباشرة الحوار"، فالمقاطع التقديمية مسجلة منذ أسابيع ومعظم الأسئلة مسجلة و"ممنتجة" ومغربلة... والحضور في الصحافة أيضا لم يكن عفويا، فتم إقصاء بعض الصحفيين وتم استقدام آخرين في محاولة ساذجة لإقصاء الرأي الآخر...
فمن يتوسم فيهم تمثيل الرأي الآخر لم يدعوا أصلا، وإدارة الحوار أسندت لإعلاميين من الحزب الحاكم وحتى الجمهور المستهدف يبدو أن الاستهداف في مفهومه التعددي الحدي سيقتصر على عبارات نابية في حق المعارضة، فالرئيس لن يحاول الدعوة إلى برنامجه الوهمي الغامض بالحكمة والموعظة الحسنة بل سيقول إنه كل شيء والآخرون لا شيء، وهذا منطق لا يقنع أحدا لأن من أراد أن يكون كل شيء يصبح لا شيء...
لقد فشل لقاء الشعب قبل أن يبث أفشله تزلف دوائر إعلام الرئيس وجدب قرائحهم المهنية وضحالة رؤاهم الإقناعية الدعائية، فهؤلاء لم يتعبوا أنفسهم في إيجاد مقاربات إقناعية موصلة لما يقوله الرئيس إن كان لديه ما يقوله بدقر ما أتعبوها في التزلف والمحاباة وتقديم قرابين الولاء الكاذب، وتلك سقطتهم القاتلة ومساهمتهم الحقيقية والجوهرية في إفشال البرنامج وإضعاف النظام فتراكم سقطات هؤلاء أقصر طريق لإسقاط النظام...
فلو كنت مكانهم لفعلت المستحيل لكي يحضر من يتوسم فيه الرأي العام تمثيل الرأي الآخر... ولو كنت مكان عزيز لمنعتهم من مواصلة شطحاتهم التزلفية التي أفسدت وتفسد كل شيء.
لقد ضخموا الموضوع قبل أن تتضح ماهيته وأعطوه زخما ديماغوجيا يجعل أي شيء يقوله الرئيس أصغر من الحدث وأقل من المنتظر... فجبل لقاء الشعب الكرنفالي بعد كل هذه التورمات والانتفاخات والصخب وأعراض الحمل الكاذب قد لا يلد حتى مجرد فأر ولا ضب ولا سنجاب... بل قد لا يلد أي شيء على الإطلاق.
نقلا عن موقع الراي المستنير