أسال قرار إبعاد الصحفي المغربي عبد الحفيظ البقالي من نواكشوط كثيرا من المداد، وتجنبت سلطات البلدين إبداء أية مواقف علنية من هذا الحادث حتي الآن، واقتصرت ردود الأفعال علي بعض الروابط والنقابات الصحفية في البلدين بالإضافة إلي بيان مقتضب للوكالة المغربية للأنباء.
وما يشي به هذا المداد المنسكب، هو أن علاقات البلدين في توتر ، وأن الحريات الصحفية منتهكة، وأن المهنية باتت علي المحك؟ ومن الجلي أ نني أتحدث في هذا الصخب الاعلامي كصاحب رأي وكمهتم بالفصل بين العدوتين : علاقات البلدين وأخطاء فردية للبقالي أو أحد الكاتبين؟
ما وراء هذه الأكمة؟
لو نظرنا إلي هذا المنكب البرزخي وتاريخه الحافل بالعواصف الرملية والشتوية، لوجدنا أنه لاشيء يمكنه أن يؤثر علي علاقات هذه الكتلة من أديم هذه الأرض الممتدة من القيروان الي تينبوكتو، ومن كدية ولدعبدوكه الي جبال الأوراس بالجزائر، ومن مئذنة شنقيط، الي مقام ابراهيم بمكناس بالمغرب.
خمسة قرون درس المرابطون الأخوة، وسبعة قرون درس أبناء حسان لغة التعايش، و أصبح النهر أنهارا، والذكر أذكارا، والشعب شعابا، ولم يعد يكدر علاقات شعوب المغرب العربي الكبير، أي دلاء ولايمكن أن يلعب بها رجلأعمال، ولا ممتهن سياسة، ولا محرر كلام.
قرون امتزجت في هذه الصحراء المترامية،أفكار المجاهد الشيخ محمد المامي (1791-1865م الموافق1206-1282 هـ))،والإمام المجاهد عبد القادالفوتي 1224م 1140 هـ، والطالب أحمد ولد اطوير الجنة الحاجي (ت 1370 هـ)، ومحنض بابه بن اعبيد الديماني (ت 1277هـ)،و الشيخ محمد فاضل القلقمي (ت 1286هـ ) الشيخ سيدي المختار الكنتي الصغير (ت1263 هـ )، وتاج العلماء العلامة المختتر ولد بونه الجكني صاحب الاحمرار،وأمثالهم، وأسلافهم من العلماء والمجاهدين، منذ لبي علي راحلته التلبية أبوبكر بن عامر، وامتشق السيف علي صهوة جواده يوسف بن تاشفين..بل منذ دخل موسي بن نصير المحيط الأطلسي ، وخاض فيه برجليه آخذا بعنان فرسه ... يا جبال أوبي.
ومنذ جاء الفتيان إلي دفة الحكم، هذا العزيز(محمد بن عبد العزيز) وذاك الأحمد( محمد السادس)، رعوا هذه العلاقات التاريخية، حق رعايتها، حتي أشاع السياسيون من قوم ماركس، ونضحت بيانات أحزاب لنين بأن بين الرجلين دماء عربية قحة، تتجاوز كل الحدود؟
الكل يتذكر وكيليكس، وتفنن الحبر السري الأحمر، في مغربية العزيز، وعترته، ومنهم من نسب حرسه الي أزواد، وهاهو اليوم بجرة قلم يصبح هذا العزيز جزائري الهوية والمستقر، كأن الأوطان وهوياتها ألعاب غمار، أو تجارة جواسيس سفارات ويكيليكس.
يقولون : ان السياسة لعبة مصالح، فأية مصالح يجنيها، موريتاني يفاوض بين الارهابيين وذوي المخطوفين الآبرياء، في توتير العلاقات بين دول الميدان ودول المغرب العربي؟
وأية مصالح يريد أن يجنيها مواطن صحراوي بخطف سواحا هم ضيوف علي أديم تلك الأرض التي كافح من أجلها مليون شهيد؟
وماهي مصلحة مواطن مغربي اليوم في الاساءة الي علاقات سياسية تم توطيدها وأضحت مثلا لسياسة حسن الجوار؟
أية حرية تشاع؟
لايمكن لإخوتنا في دول المغرب العربي، المزايدة علي موريتانيا ، في مجال الحريات الصحفية، فموريتانيا اليوم بشهادة القاصي والداني، وجميع المنظمات الصحفية في العالم ، تحتل المرتبة الأولي في مجال حرية الصحافة بالعالم العربي، وعندما تم إغلاق مكاتب الجزيرة، وطردت من كل الدول المغاربية، كانت موريتانيا الملاذ الآمن لمكاتبها، والملجأ لحرياتها.، وموريتانيا اليوم لا بمكن أن تقاس في مجالي الممارسة المهنية والقوانين ، مع دول الجوار التي تسجن الصحفي، وتضع حدودا لكتاباته، وتغلق مقراته، وتمارس عليه العديد من أنواع الرقابة، والكل يدرك أن القوانين الجديدة المتعلقة بتحرير الفضاءين السمعي والبصري، ونتائج الحوار السيااسي جعل بلدنا جزيرة حريات واستقرار في منطقة عاد اليها دفئ علاقات الأخوة والتعاون، بفعل السياسة المتوازنة التي رأت النور منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعلي نفس المسافة من كل الأطراف.
وأية مهنية تذاع؟
ان المواطن والصحفي المغربي عبد الحفيظ البقالي، لايملك أي تصريح صحفي موريتاني لممارسة نشاطاته، ولم يتم تسليمه أي اعتماد صحفي لمزاولة المهنة، بل خلال أكثر من سنتين لم يحضر مؤتمرا صحفيا واحدا، ولم يغط أية نشاطات كما يفعل سائر زملائه في درب المهنة.
وهذا المواطن الذي نحترم هويته وانتماءه، للأسف الشديد ليس من مصلحته الشخصية، ولا الوطنية أن يعمل علي توتير علاقات انتهي زمن المقايضات فيها، والمد والجزر الذين عرفتهما عبر الستينات والثمانينات.
واذا لم يحترم هو بالمقابل السيادة الوطنية فعليه أن يتحمل مسؤولياته كاملة ولوحده عن تلك الأخطاء التي ارتكبها باسمه أو باسم الجهاز الذي تستر تحت اسمه، والتي فكرفيها من تلقاء نفسه، أو أتت بها علاقاته.
فهل من مهام المراسل الصحفي الهجوم غير المبرر علي سياسات الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وهل من الأخلاق الصحفية التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين الشقيقين؟
ومن نصب مراسلا ليكون مدير علاقات عامة، ومحرضا سياسيا بامتياز علي رموز السيادة الوطنية لكل من موريتانيا والمغرب؟
وهل نقدر جيدا الضرر الناجم عن ترك الحبل علي الغارب للآراء الشخصية التي تستهزئ بالسيادة وما ينجر عن ذلك من ضرر علي مصالح رعايا البلدين الشقيقين؟
وهل من مهمة المراسل الصحفي أن يهاجم زيارة ملك أو رئيس جمهورية لهذا البلد الشقيق أوذاك؟ و هل سمعتم صحفيا أو دبلوماسيا أو رجل أمن يحل ضيفا مكرما علي بلد في جميع أصقاع المعمورة ثم يتعمد مرارا خرق الأعراف الدبلوماسية، ويكون قرار إبعاده جرما كيف ماكان؟
لكل تلك الأسباب نري بأن العلاقات الوطيدة بين الأشقاء لا يؤثر فيها نشاطات المخالفين للأعراف الدبلوماسية بل ان وقف هؤلاء عند حدودهم، من قبل المصالح المختصة، سبب في حفظ رئة العلاقات من جميع الملوثات. ومن اللازم أن أذكر كل الزملاء أن السيادة لاتتجزأ ينص الدستور وأن موريتانيا وقوانينها فوق الجميع.
كلمة في حد المفصل؟
لو سألت العراقي مايدميك ؟ ولوسألت التونسي ماذا كان يبكيك؟ ، ولوأذنت في أذن اليمني ماذا دهاكم أهل الحكمة والإيمان ؟
ولو أطرقت تسأل المصري بعد حرب1973م لماذا بكت مآذن المعز وبيع العزيز؟ ولو أنك سألت الأتراك لماذا أسقطتم الخلافة وذهبتم إلي التيه؟
ولو أنكم قرأتم في مؤلفات ابريمر وبول مارتي وولد كيجه، لوجدتم أن الخطر علي الأوطان يأتي دائما من الأميلزة، وماسميته مرارا وجهارا :(جواسيس السفارات الأجنبية)؟
كأس وكأسان وثلاثة كؤوس، تتحول إلي فأس، وفأسان، تقطع الأواصر، وتكتب مذكرات مخمرة بويكيليكس، لاتفتح إلا بعد ذهاب الشهود، والشاهد، والمشهود؟
((إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)) صدق الله العظيم.