قامت مجموعة مسلحة يعتقد أنها تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بغارة اليوم على مدينة عدل بكرو (أقصى الشرق الموريتاني) ، وحسب مصادر اعلامية موريتانية فقد قامت المجموعة باختطاف عنصر من الدرك الموريتاني وباطلاق اعيرة نارية ، وشقت المدينة في سيارتها وهي تردد شعارات مؤيدة للقاعدة في تحد واضح للسلطات الموريتانية
.وتأتي هذه العملية بعد يوم واحد من تصريح نائب رئيس الحزب الحاكم في العاصمة المالية أن الرئيس الموريتاني قام بتأمين الحدود المالية ومحاربة الارهاب !!
كما تأتي بعد أقل من شهر على أكبر عرض عسكري نظمته المؤسسات العسكرية والأمنية في البلد، واستعرضت فيه جميع أنواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة وجميع التشكيلات العسكرية، كما كان أول عرض عسكري يشارك فيه سلاح الجو !!
لكن عملية القاعدة اليوم تفتح أبواب لم تفتح من قبل في طبيعة نوعية عمليات القاعدة ضد النظام الموريتاني. وذلك لأن القاعدة لم تخرج في الماضي عن مساري قتال الجيش الموريتاني وحده دون بقية الأجهزة الأمنية أو اختطاف الرعايا الغربيين لطلب فدية مالية لاحقا مقابل اطلاق سراحهم.
لقد خرجت القاعدة عن المألوف وذلك حين قامت بأسر عنصر من الدرك وهي بهذا الاجراء توسع دائرة الحرب لتصبح أخطر على الجانب الموريتاني أسهل على جانب القاعدة.
غير أن الدرس المستوحى من "غزوة" عدل بكرو يظل درسا سيئا في كفتي ميزان الفريقين : النظام الموريتاني والقاعدة.
فبالنسبة للقاعدة يعتبر تراجعها عن القتال مع العسكر أو الجيش (حصريا) نوعا من ضعف الاداء، وذلك بعد أن كبدها الجيش خسائر جسيمة ، وبعد أن ازدادت جاهزية هذا الجيش من حيث التسليح والأداء حسب السلطات الموريتانية.
كما أن اختطافها لعناصر شبه عسكرية يوسع دائرة ردة الفعل الشعبية ضدها وينشر المزيد من الحقد والكراهية لها (إن كانت تحتاج إلى المزيد بعد عملياتها السالفة ضد الجيش وخاصة تلك التي تكون فيها هي البادئ مثل عملية رمضان 2008).
ثم إن الاختطاف بحد ذاته يجعل الشعب كله وأهالي الضحية بالذات وخاصة الأوساط القبلية تؤلب ما استطاعت ضد القاعدة وتحركاتها وتقدم للجيش ما كانت تنشغل عن تقديمه له من معلومات وتعاون ضد أنشطة القاعدة في تلك المنطقة حيث التماس مع الحدود المالية مرتع أنشطة القاعدة.
وستصبح القاعدة في ورطة بعد عملية الاختطاف هذه لأنها إن أقدمت على قتل رهينتها تكون بذلك أقدمت على أبشع عملية منذ بداية صراعها مع النظام الموريتاني وتعطي للنظام المزيد من النقاط في الرصيد الشعبي وفي التأييد له في عملياته ضدها.
كما أنها إن طلبت فدية ستكون محل سخرية شعبية مهينة لأن نظاما لم يمنح عناصر أمنه من التسليح والرقابة والحذر ما يجعلهم في مأمن عن هذا النوع من العمليات خاصة في منطقة حدودية خطيرة، ولم يجعلهم في ظروف مادية لا من حيث الراتب ولا الرعاية الاجتماعية ما يجعلهم يقومون بمهامهم على الوجه المطلوب لا يرجى منه أن يدفع فدية ذات قيمة خاصة للقاعدة التي اعتادت أن تجني ملايين الدولار مقابل رهائنها من الغربيين.
يبقى الاحتمال الثالث وهو أن تقوم القاعدة بعرض رهينتها (الدركي الموريتاني) وهو يسب النظام الذي قصر في حمايته ويعد بالتخلي في المستقبل عن خدمته مقابل اطلاق سارحه وهو احتمال إن وقع سيكون محرجا للنظام وأقل كارثية على الجانبين.
أما إن اكتفت القاعدة بالعملية ذاتها وأطلقت سراح الرهينة الدركي بوصفه هدفا ثانويا فستكون الرسالة قد وصلت وتكون كرامة النظام قد ديست....
أما النظام الموريتاني فإن سوء درس اليوم يحيط به من عدة أوجه، لعل أهمها أنه طالما تبجح في الفترة الاخيرة بانتصاراته وبتأمين حدوده (لعل في تصريح نائب رئيس الحزب الحاكم أمس في باماكو أكبر دليل) لتتم تفنيد ذلك الادعاء.
إنه من غير المستساغ أن تكون نقطة عسكرية على الحدود المالية ـ الموريتانية ـ حيث ميدان التقاتل بين القاعدة والجيش ـ مهملة بهذه السذاجة حيث لا أفراد في المداومة ولا تسليح يمكن أن يرد أي هجوم مهما كانت بساطته وتهور فاعليه.
بل إنه حتى في مدينة حدودية كبيرة لم تكن توجد أي سيارة ولا طرق اتصالات سريعة تحول دون حدوث أمر كهذا، أو تداركه إن وقع !!
لقد أتت "غزوة عدل بكرو" اليوم لتؤكد أن منظري النظام ومطبليه الذين صفقوا وطبلوا له باعتباره حامي الحمى ومثبت أركان الامن يتجاهلون معطيات الواقع. ولد جاءت عملية اليوم لتذكرهم أن أكبر عملية ضد الجيش الموريتاني عموما قام بها تنظيم القاعدة في ظل النظام الحالي وهي عملية رمضان حيث قتلت القاعدة أكثر من عشرة من عناصر الجيش ومثلت بهم.
كما أتت عملية اليوم لتظهر مدى تركيز النظام على أمنه الخاص وذلك بتمركز الوحدات الأهم في الجيش والأكثر تسليحا (باز أب) في العاصمة لحماية القصر وإهمال الاطراف والمناطق الحدودية بعد أن أهملت في جوانب حياتية أخرى كالتنمية والصحة والتعليم.
لقد كتب على "عدل بكرو" وأخواتها "لمغيطي" و"القلاويه" و"تورين" وبقية المناطق النائية مسافة واهتماما القريبة تأييدا ومساندة أن لا يتذكرها مركز صناعة القرار في العاصمة إلا في نكبة مثل هذه، وهو تذكر لا يتجاوز ورود اسم هذه المناطق في تقارير عن الحادث، وهي رسالة ينبغي أن يدركها ساكنة تلك المناطق إن كان في القتل والاختطاف ما يذكرهم !