منصة إنتاج وتخزين الغاز "FPSO" تتوجه إلى حقل "آحميـم " :|: البرلمان يصدق على اتفاقيات قضائية مع السنغال :|: Afrimag : "المعارضة في صفوف متفرقة" بالرئاسيات :|: تهنئة أمريكية لموريتانيا بتقدمها في حرية الصحافة :|: على هامش المعرض الجزائري : مؤسسة أجود للأبواب توقع مذكرة تفاهم مع شركة "سارال آزا" الجزائرية :|: اغلاق "نقطة ساخنة" بعد مواجهات بين الشرطة والباعة المتجولين :|: ورشة لإطلاق مشروع إنشاء معاهد جهوية للتعليم العالي :|: تصادم وانقلاب سيارات في حادث بنواكشوط :|: وزير يحذر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبي على الأمن :|: قمة العالم لاسلامي تدعو إلى التحرك لوقف الإبادة الجماعية في غزة :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
 
 
 
 

كيف يجوع الموريتانيون؟ ! /محمدو ولد عابدين

jeudi 8 décembre 2011


أنا بهذا السؤال لست ابنة السلطان التي يحكى أنها عندما اجتاحت الناس مجاعة في إحدى الحقب، تساءلت مستغربة : كيف يجوع الناس في حين أن بإمكانهم إعداد وجبات من دقيق الشعير وزيت الزيتون ! فسؤالي "كيف يجوع الموريتانيون" هو سؤال العارف أن هناك جوعى موريتانيون ليس لديهم زيت زيتون ولا دقيق شعير ولا قمح ولا حتى نخالة.. مع مفارقة أنه كان بالإمكان أن يكون لديهم كل ذلك و يزيد، لو كان هناك من راسمي السياسات والمخططين من لديه رؤية واضحة وتفكيرا استراتيجيا، لا من يعيش ويخطط للحظته وشعاره هو "دع الآتي حتى يأتي والأخطار حتى تحدق " لا يعتبر ولا يستفيد من التجارب والمحن.

وسواء كان سؤالنا في صيغة الاستفهام أو صيغة الاستغراب من نقص الغذاء في بلادنا فإن الأسباب معروفة، إذ تتداخل في ذلك عدة عوامل منها العقليات وغياب السياسات الإستراتيجية والجفاف.. على أننا كثيرا ما نظلم الجفاف عندما نحمله كامل المسؤولية عن الوضعية الغذائية الحرجة التي تتعرض لها البلاد من حين لآخر، لأنه توجد مناطق بالبلاد تتوفر بها المياه على مدار السنة كضفة النهر، ومناطق أخرى توجد بها بحيرات دائمة، والمناطق التي تعتمد في الزراعة على الأمطار إن شهدت نقصا في الأمطار سنة أو اثنتين تأتي سنة ممطرة فتمتلئ الأودية بالمياه، وكأن الماء يعرض علينا خدماته ويقول : ها أنذا.. فنقول له امض في سبيلك، لينساب ويضيع في الكثبان الرملية أو في النهر ومن ثم إلى المحيط ، والغريب أننا نعرض هذه المياه وأمواجها تتلاطم على شاشة التلفزة كمناظر طبيعية، وعلى نفس الشاشة نطلق نداءات الاستغاثة للشركاء من أجل مساعدتنا في نقص الغذاء بسبب الجفاف ! وفي كل مرة تتعالى صرخات الاستغاثة، وتكتفي الدولة دوما بالتدخل برمي الإسعافات في أفواه المتضررين وهم واقفون بأقدامهم على مقدرات زراعية هائلة من مياه وأراضي صالحة، فلا أعرف إن كان القائمون على شؤوننا قد سمعوا من قبل بالمثل القائل " لا تعطيني سمكة كل يوم، لكن علمني كيف أصطادها " ، فلو كانت السلطات في الماضي قد اتخذت قرارا جديا بوضع سكان الريف أمام مسئولياتهم، ووفرت لهم وسائل الإنتاج لما احتاجت للتدخل في كل مرة، ولكانت المخزونات من إنتاج السنوات الممطرة كافية لتغطية حاجيات المواطنين خلال سنوات الجفاف، ولتفرغت الدولة بالتالي لإنفاق هذه المليارات على مجالات حيوية أخرى.

وقد انهمكت الدولة في إنفاق المليارات على القطاع المروي لعدة سنوات، لكن هذا القطاع ظل يتراجع بخطوات تساوي ما أنفق فيه قبل أن ينهار كليا، وتكتشف أن ليست المليارات وحدها هي ما تقوم عليه الزراعة المنتجة. وحسنا فعلت هذه السلطات مؤخرا عندما توقفت عن دعم هذا القطاع فترة لالتقاط الأنفاس وتلمس مكامن الخلل في ممارسته، والانطلاق به تبعا لإستراتيجية جديدة تنقله من واقع الزراعة السياسية التي كان هدفها وشعارها هو " شمامة خضراء " بغض النظر عن طبيعة ذلك الاخضرار ومردوديته.. إلى واقع السياسة الزراعية التي تضع آليات تضمن توسع وتطور الإنتاج اعتمادا على تقييم موضوعي بعيدا عن الدعاية، واستفادة كل موسم زراعي من الأخطاء والنواقص التي صاحبت الموسم الذي سبقه، بالإضافة إلى إعادة بعث الحياة في مراكز البحث الإرشاد، ذلك أن الزراعة تسير خلف البحث والإرشاد ولا يسيران خلفها.. ورغم كل هذه الجهود إلا أن المشتغلين بالزراعة على الضفة يقولون أن هناك تحسن لكن مازالت هناك مشاكل حقيقية، وربما لا يدركون أن البناء على الأنقاض يتطلب وقتا لإزالة الركام.. والعبرة في الاستمرار والصبر على خطوات التحسين والإصرار على عدم الرجوع إلى الوراء.

في بداية حلمنا النفطي الذي صادف انهيار القطاع المروي في بداية هذه الألفية، قال لي أحد المزارعين إن الزراعة ستزدهر باستغلال النفط ، فقلت له بل العكس، فحينها ستتجه الدولة إلى إستيراد المزيد من السلع لتوفرها على الموارد المالية، وتتجه اليد العاملة إلى الأعمال الأعلى راتبا والأقل جهدا، بينما يتجه المستثمرون إلى الاستثمار في الخدمات ذات الربح السريع والوافر والمضمون. فكل هذه الميزات غير متوفرة في النشاط الزراعي الذي هو ليس نزهة، بل يتطلب صبرا وتحملا للمشقاق، بالإضافة إلى هامش من المجازفة غير خاضع للتحكم أحيانا. وقد كان المصريون من أوائل الشعوب الممارسة للزراعة، ويقولون إنه لا بد لممارسها من مال قارون وعمر نوح وصبر أيوب لكي يجد نتيجتها.. وبتوجه الكل إلى مفرزات النفط ومغرياته ستهجر الأراضي الزراعية، فالثروات النفطية والمعدنية في أيدي الشعوب المتخلفة غير المتعلمة وغير المنتجة بطبيعتها، والتي عانت الحرمان لعقود هي نقمة عليها أكثر مما هي نعمة، لأنها ستجد نفسها في طفرة مالية بدون مقدمات فتتجه إلى الاستهلاك والبذخ والخمول، هذا إن لم تضعها تلك الثروات تحت الأنظار، وتجعلها بؤرة للتنافس وتقاطع الأطماع فتدفع الثمن غاليا.. وقد كان النفط مجرد حلم والحمد لله على ذلك، فقد كان ذلك لطفا منه بنا، فهو الأدرى بحالنا وبمصالحنا. ذلك أن الشعوب المتخمة اليوم بعائدات النفط والغاز لم تتقدم قيد أنملة في سبيل بناء الذات رغم التقدم الظاهري الذي يطبعها، إذ لم تنجز سوى غابات من أبراج الخرسانة، والثلاجات العامرة بالمعلبات الغذائية المستوردة ولا شيء غير ذلك، فالأجسام خاملة والأدمغة شبه فارغة ولا حصى يتحرك من مكانه إلا بأيدي وعقول أجنبية.. وهذه البلدان نجد بعضها اليوم يبحث عن أراض خارج حدوده لاستئجارها وزراعتها لتغطية حاجياته الغذائية رغم تكدس عائدات النفط والغاز، بعد أن أدركت أخيرا أن السلع الغذائية قد يأتي يوم لا تكون فيه متوفرة في الأسواق العالمية، وقد تخضع للاحتكار والمضاربات كما هو حالها اليوم، وقد تحول كوارث أو نزاعات أو حروب دون وصولها إلى الأسواق المحلية.. على العكس من البلدان المحيطة بنا والتي هي ليست بلدانا نفطية ولا معدنية، ومع ذلك لا تعرف عادة نقصا حادا في الإمدادات الغذائية رغم أن الكثافة السكانية لبعضها تبلغ أضعافا لكثافتنا السكانية، لكنها تنبهت مبكرا إلى أن ثرواتها الحقيقية هي أراضيها الزراعية ومياهها السطحية والجوفية وسواعد أبنائها، فعملت على استغلال تلك الموارد استغلالا جيدا عن طريق التحكم في مياه الأمطار وتسييرها بإقامة المنشئات الهيدروزراعية، ومن ثم قامت بتعبئة مواطنيها في المناطق الريفية وتكوينهم وتنظيمهم وتشجيعهم على الإنتاج.

وبلادنا تمتلك قدرا لا بأس به من تلك المقدرات وما علينا سوى استغلاله، مستعينين بما لدينا من خبرات ومستفيدين من خبرات هذه البلدان، ويا ليتنا كنا قادرين على استنساخ جدية وإخلاص فنييها ومسئوليها وإحساسهم بالمسئولية لتتكامل قيمة مواردنا..فعار علينا جميعا سلطات ومسؤولين وفنيين أن نظل رهائن غذائيا - وبالتالي سياسيا - للمانحين والمتصدقين الممسكين بتلابيبنا، مستقبلين للصدقات مطلقين لنداءات الاستغاثة، وإن أقلعنا عن ذلك سنة فإننا نضطر إليه في السنة الموالية، في دوامة من الاضطراب في مجال الغذاء، وفي كل مرة خطة تدخل وإنقاذ ولا عبرة ولا موعظة.. فالمليارات التي أنفقت خلال الأزمات الماضية، وهذه المرصودة حاليا لمجرد إبقاء الناس على قيد الحياة، جزء منها كاف خلال سنة واحدة لإقامة منشآت التحكم في مياه الأمطار واستصلاح الأراضي واقتناء الآلات واتخاذ التدابير التي تجعلنا نأكل من خراج أرضنا بل نكون نحن المتصدقون ولم لا؟ فالقضية إرادة ليس إلا. والدولة كالأب، عندما يجوع أبناءه ولا يجد ما يطعمهم به فإنه يضعف أمامهم ويضعف أمام الجيران. وكذلك الدولة عندما يجوع مواطنوها..

صحيح، الناس هذه السنة محتاجون للتدخل، وذلك طبيعي لأنها سنة تتسم بعجز في كميات الأمطار والإحتياطات لم تكن متخذة لذلك، إذ أن الاستعداد للشدة لا يكون إلا في وقت الرخاء.. لكن الخطة التي يجب أن تكون موازية أو موالية لهذا التدخل هي استنفار كل الطاقات والإمكانات والجهود استنفار المقدر للموقف والمستشعر بالخطر وذلك للمبادرة إلى ما يلى :

1- إعادة الاعتبار بشكل جدي وحقيقي للزراعة المطرية والفيضية التي عانت لسنوات من التشويه من طرف مزارعي القطاع المروي وخاصة المتنفذون منهم، الذين ظلوا يهمسون في آذان السلطات أن هذا النوع من الزراعة ضعيف المردودية وإنتاجه متقلب بسبب ارتباطه بمستوى الأمطار، ولا يعول عليه في الاكتفاء الغذائي.. لكي يظل دعم الدولة موجها للقطاع المروي الذي أقام مزارعوه الحجة على أنفسهم، إذ لم يكونوا هم أيضا أكثر مساهمة في الاكتفاء الذاتي من الغذاء، رغم ما ضخته الدولة في قطاعهم من إمكانات وما وفرته لهم من تسهيلات. والحقيقة أن الزراعة التقليدية هي الأساس لأنها حرفة – بل ثقافة - مارسها الناس منذ القدم، كما أن مساحاتها موزعة على كافة مناطق البلاد تقريبا، وهي العامل الأكبر والأهم في تثبيت السكان في مناطقهم، إضافة إلى تنوع منتوجاتها واستجابة مخرجاتها للعادات الغذائية للسكان المحليين.

2 – الالتفات إلى الزراعة التقليدية يتطلب تشخيص واقعها بشكل دقيق، والانطلاق من انه لم يعد ممكنا النهوض بها والتحسين من مردوديتها بالطرق البدائية القديمة، نتيجة لهجرة القوى القادرة على العمل وبقاء الأراضي في أيدي كبار السن.. وبالتالي لا بد من إدخال الأساليب الحديثة وخصوصا الميكنة الزراعية التي توفر الوقت والجهد على المزارعين الذين غالبا ما يفوتهم الموسم، وتجف أراضيهم وتجتاحها الحشائش وهم منشغلون بتهيئة عدة أمتار لا تسمن ولا تغني من جوع.. ولا أعني بالميكنة هنا تزويد كل مساحة منفردة بجرار، وإنما تزويد كل عدة مساحات متجاورة في ولاية بجرار واحد مزود ببذارة وآلة لعزق الحشائش وجهاز لرش مبيدات الآفات.

3 – الالتفات إلى الزراعة التقليدية يتطلب كذلك الأخذ في الاعتبار أن ممارسيها هم أناس بسطاء منهكون، ولا يتوقع أن يزرعوا وينتجوا اعتمادا على مواردهم الذاتية التي غالبا ما تكون معدومة، مما يستوجب إنشاء قرض ميسر خاص بهؤلاء حسب مساحاتهم وقدراتهم، بعد التأكد من صلاحية أراضيهم واستعدادهم للعمل ومواكبتهم فنيا كي لا يخسرون وتخسر الدولة.

وبحديثنا عن القرض سواء كان موجها للقطاع المروي أو القطاع المطري، فإننا نلفت الانتباه إلى ضرورة البحث عن آلية للقرض بدون ربا، ذلك أن الله لا يخلف وعده وقد وعد بمحق الربا..

4 – يتطلب الاهتمام بالزراعة التقليدية كذلك الأخذ في الاعتبار أن المنتجين التقليديين بعيدون عن الأسواق، وأغلبهم موجودون في مناطق إنتاج معزولة، والفائض عن استهلاكهم المحلي عادة لا يجدون وسيلة لتسويقه، مما يجعله يتلف أو يضطرون لبيعه بثمن زهيد، ويشكل ذلك عامل إحباط لهم يجعلهم لا يتحمسون للزراعة مستقبلا، وبالتالي فإنهم أحق بالتسويق من مزارعي الأرز الأقرب إلى الأسواق ووسائل التخزين. فعلى الدولة إذن أن تلتزم بشراء إنتاجهم في مكانه وفور حصاده، لتتدخل بذلك الإنتاج في مناطق أخرى أو تبيعه كأعلاف، ففي ذلك تشجيع لهؤلاء المزارعين البسطاء بحيث يتذوقوا طعم جهودهم وإنتاجهم، ويستعيدوا الثقة في أراضيهم ويتشبثوا أكثر بالبقاء فيها وزراعتها، وعندما تصبح تلك الأراضي ذات مردودية ملموسة و مستديمة فإن الكثيرين من الشباب الذين هجروها محبطين بحثا عن عمل في المدن سيعودون إليها ويساهمون في الإنتاج.

5 – من الصعب أن تتحقق النقاط التي تحدثنا عنها أعلاه، إذا لم يتم التفكير جديا وبسرعة وشفافية في حسم مشكلة حيازة الأراضي الزراعية، فمن غير المعقول وغير المنصف أن تظل هناك مساحات زراعية شاسعة كثيرا ما تمتلئ بالمياه وتبقى بورا خالية إلا من الحشائش البرية، مما يستوجب إجراءات تلزم ملاكها باستغلالها أو التنازل عنها لمن هو مستعد وقادر على زراعتها، أو الدخول معه في عملية مزارعة أو أي عملية تشاركية أخرى منتجة. وأعتقد أن المشاكل أوالاعتبارات التي لا زالت تجعل الدولة تخشي أو تهاب فتح ملفات هذه الأراضي أهون من المشاكل والأضرار التي تترتب على بقائها معطلة، إذ ليست هذه الأراضي إلا " كزرات " كالتي تعمل الدولة الآن علي مكافحتها ما دام الأصل أن الأرض للدولة وينظم القانون ملكيتها.

6 – يجب استغلال كل المساحات المحاذية للبحيرات السطحية، كبحيرات ألاك ومال ولبحير وكنكوصة ومحمودة وغيرها، وذلك باستصلاحها وإتباع طرق ري ملائمة لكمية مياهها المحدودة كالري بالرش أو التنقيط اللذين يساعدان على الاقتصاد في استهلاك المياه.

7 – ينبغي كذلك استغلال الأراضي الخفيفة الصفراء المحاذية لروافد النهر من الجهة الشمالية، والتي هي ملائمة للعديد من أنواع الزراعات وخاصة المحاصيل الجذرية كالبطاطس والبصل والفول السوداني.. كما أنها ملائمة كذلك لزراعة الكثير من أنواع محاصيل الأعلاف، وذلك بعد استصلاحها بطرق فنية، وإتباع طرق ري ملائمة لخصائصها. فقد كنا عندما نمر على هذه الأراضي رفقة خبراء أجانب، ويرون مياه النهر على حافتها يقولون لنا بأنها ذهبا مهدورا.. إضافة إلى أن زراعة هذه الأراضي ستعمل على تثبيتها وتمنع تقدم زحف الرمال نحو سهل شمامة.

8 – لأننا نتحدث عن نقص الغذاء، فإن المشكلة أحيانا قد لا تكون نقصا وإنما عقليات أو سوء توزيع، وبالتالي لا بد من إدخال مادة السمك في العادات الغذائية لسكان المناطق الذين لا زالوا يعزفون عن استهلاك هذه المادة المغذية والصحية، مع أنهم يصبحون من أكبر مستهلكيها بمجرد اسقرارهم في العاصمة.. ولن تدخل هذه المادة في العادات الغذائية لهؤلاء إلا إذا توفرت في مناطقهم، لذلك ينبغي فتح محلات لبيع الأسماك بأسعار رخيصة أينما توفرت الكهرباء في المناطق الداخلية، علي غرار المحلات الموجودة في العاصمة والتي تلاقي إقبالا كبيرا من لدن المواطنين، وتزويد التجمعات التي لم تصلها الكهرباء بعد بهذه المادة عن طريق السيارات الحافظة (frigo) أو إقامة وسائل تبريد عاملة بالطاقة الشمسية لهذا الغرض. فإذا كان الجوع مستغربا في بلد يحفه نهر متدفق، وبه مقدرات زراعية هامة أخرى، فإن هذا الجوع مع وجود شاطئ طويل وغني بالأسماك يحف البلاد من جهتها الأخرى لا يزيد الأمر إلا غرابة..

9 – المضي قدما وبوتيرة أسرع واشمل في برامج تحسين السلالات وخاصة بالنسبة للماعز والأبقار، موازاة مع حملة شرح وتعبئة نشطة ومدعومة بمشاهدات ميدانية تقنع المنمين بمزايا هذه التقنية الهامة في التغلب على مشكلة كثرة رؤوس القطعان وارتفاع تكاليف أدارتها مقابل ضعف إنتاجها.. ومن ناحية أخرى فإنني لا أعرف ما ذا ننتظر للوصول إلى قناعة أنه لا يمكن قيام صناعة مستديمة وذات مردودية للمنتجات الحيوانية وخاصة الحليب، اعتمادا على قطعان متنقلة تسير خلف الماء والمرعى، تتواجد أشهرا قليلة من السنة وتتغيب أشهرا أخرى.. ففي ظروف تقلب توفر المراعي الطبيعية لا يمكن قيام صناعة للحليب إلا اعتمادا على حظائر القطعان المحسنة المستقرة والمعتمدة على الأعلاف أساسا.

10 – لابد من إعادة النظر في ظاهرة تعدد المتدخلين وتداخل مجالات تدخلاتهم، فنحن نسمع كل يوم عن المشروع كذا والبرنامج والمكونة كذا.. وكل هذه الهيئات تنفق المليارات ولكن بدون تنسيق وبدون مراقبة وبالتالى بدون نتيجة بحجم التدخلات، ولأن أغلب هذه المشروعات هي بتمويل أجنبي، فإن الدولة كانت دائما مطأطئة لرأسها مسلمة بكل ما يطرحه الممول من شروط ، كمجال التدخل ومكانه ومقاربة تنفيذه ومتابعته وتقييمه.. وبالتالي تبقى هذه التدخلات دُولة بين إدارات هذه المشروعات والسلطات الجهوية والزعامات القبلية لتنفيذ ما تراه هذه الجهات كل حسب ما يروق له، لذلك لا بد من حضور للدولة في أي مشروع مستقبلي بدءا من إعداد المشروع واختيار مجال ومكان تدخله، والأهم من ذلك مراقبة تنفيذه وتقييمه، فالممول قادم بقرض لا يتوقف سداده على نجاح المشروع أو فشله، وإنما هو قرض على كاهل الدولة.. وبالتالى لا بد أن تكون حاضرة فيه وبقوة. كما أن هذا الممول يأتي بمقاربات في الغالب لا يمكن تطبيقها هكذا على مجتمع له خصوصيات تتميزبارتفاع نسبة الجهل وما ينجر عنه من معوقات.. فكم من مشروع تدخل وأنفق الكثير وذهب دون أن يترك آثارا، أو كانت آثاره هزيلة، أو توقف نتيجة نفوذ مجموعات محلية وخلافات عقيمة؟ وأقرب مثال على ذلك – وليس هو الوحيد – مشروع الإستصلاح الجماعي للأحواض الصارفة في " أكصير الطرشان " بولاية آدرار المتوقف منذ سنة 2006 بسبب خلاف بين شخصين، مما أدى إلى حرمان عديد القرى وسكانها الفقراء بهذا الواد من استثمارات واستصلاحات معتبرة كان المشروع ينوي إنجازها هناك، وهو الآن في سنته الأخيرة ولم يتمكن من إنجاز أي شيء، بينما ظلت كل من وزارتي الداخلية والتنمية الريفية تتدافعان المشكلة لأن لكل من الطرفين المتخاصمين وسائل ضغطه وشخصياته المتنفذة، وأصبحت الإدارة المحلية عاجزة عن البت في القضية. وما على من يرغب في الوقوف على المزيد من الأمثلة سوى أن ينزل إلى الساحة في الولايات الداخلية ليجد ما يكفيه منها. صحيح أنه من المهم أن يُشرك السكان في تشخيص المشاكل وتصور الحلول، لكن دون أن نغفل أن اللامركزية ثقافة ووعي ومسؤولية قبل أن تكون سياسة أو مقاربة.. فالنسر بين هذا وذاك مغلبين المصلحة العامة دائما.

11 – أرى من المهم هنا التفكير في التحكم قدر الإمكان في ظاهرة الانفجار السكاني التي هي ظاهرة ملاصقة للجهل والتخلف، والتي هي إحدى المعضلات المطروحة لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء وموريتانيا إحداها، وذلك بتكثيف البرامج حول هذه الظاهرة والاستعانة في ذلك بكل الوسائل المتاحة كرأي العلماء وبرامج الإذاعات المحلية، وكذلك تحميل الفرق التي تجوب البلاد دوريا في حملات التطعيم والتلقيح بهذه الرسالة. صحيح أن الإحصاءات تقول إننا ثلاثة ملايين نسمة فقط ، وأن مساحتنا تزيد على مليون كيلومتر مربع.. لكنني لا اعتقد أن خير ما نغطي به مساحتنا هو جحافل الجياع والجهلاء إذا كنا غير قادرين على إطعامهم وتعليمهم، فالبشر ليس كالماشية التي تزيد مردوديتها بزيادة أعداد رؤوسها.. والبلد قد يواجه مصاعب جمة في المستقبل إذا لم يتحرك - من الآن - في هذا الاتجاه.

أعرف أن السلطات قد أجبرتها ظروف تقلبات الإمداد الغذائي عالميا خلال السنوات الأخيرة على التفكير في مثل ما كنت أخوض فيه من " ينبغيات " ، فقامت حملات للتعبئة والتحسيس سنة 2007 ورُفعت شعارات وعُلقت ملصقات من قبيل " لنزرع أراضينا ونأكل من إنتاجنا " ، وقامت جولات لمسؤولي القطاع في المناطق الزراعية، وصاحب ذلك تسييج مساحات هنا وهناك، ووزعت أسمدة وبذور.. فاستغل البعض – كالعادة – هذه الفرصة لأغراض أخرى، كرزق ساقه الله إليه، كما طبعتها العشوائية والرؤية الآنية والتنفيذ المرتبك. لذلك ليس مثل هذا التحرك هو ما اقصده أو أرى فيه نهوضا بالزراعة المطرية خصوصا، وإذا كان هو أقصى ما يمكن فعله فمن الأفضل تركه، فلن يتضرر من تركه سوى القائمين عليه لأنهم هم من كان المستفيد الحقيقي منه.. فمن سلبيات هذه الإجراءات المرتجلة أنها ستشغلنا لسنوات وننفق فيها الكثير، معتقدين أننا ننتظر نتائج لها لنصدم في أحد الأيام بأن لا نتيجة لما كنا منهمكين فيه.. لذلك فإن ما أطالب به هو الانطلاق من أن الظروف العالمية تغيرت وتعقدت، والتحديات أصبحت جدية ومصيرية، وعليه فإن التصدي لها يتطلب تحركا ومنهجية مغايرين تماما من حيث التصور والآليات والتنفيذ والممارسات لكل ما كان قائما، ذلك أنني أشك كثيرا في قدرة مصالح التنمية الريفية القائمة حاليا على مواكبة أي تحرك جدي أو الإشراف عليه أو بلوغ أهدافه، والسبب كما هو معروف ليس في قلة مهارة أفراد هذه المصالح في إعداد الخطط ورسم السياسات، وإنما في مهارتهم أكثر في الانحراف بأي خطة أو سياسة عن مسارها وأهدافها، بإبقائها ظاهريا وإعلاميا في إطارها ولكن بطرق تنفيذ مجتزأة ومخادعة.. فهؤلاء هم من يخطط لنا ويرسم السياسات منذ عقود والنتيجة لا شيء.

لذلك فإن أي نهوض حقيقي بالزراعة المطرية يتطلب - في نظري – جهاز تخطيط وتنفيذ وإشراف وتقييم مستقل بشكل كامل عن المصالح الحالية للتنمية الريفية المحلية والجهوية، متحرر من ضغوط لوبياتها وشبكاتها وأساليبها، ويكون تابعا لرئاسة الجمهورية أو الوزارة الأولى مباشرة، ليقيم هذا الجهاز أياما تفكيرية خاصة بالقطاع يُدعى لها كل من لديه أفكارا بناءة من خبراء بمن في ذلك من هم خارج المصالح الريفية الموجودة اليوم، بهدف تشخيص دقيق غير مفصل على مقاس من يريد استغلاله لأغراضه لاحقا.. وإعداد حزمة من الإجراءات يُعهد لهذا الجهاز بتنفيذها لعدة سنوات متتالية حتى يدرك الجميع أن المشكلة ليست جفافا ولا موارد، وإنما هي سوء تخطيط واستغلال وتسيير.. فمن المعلوم أن أكثر المصالح التي لها علاقة بالتنمية الريفية نجاحا واضطلاعا بمهامها كاملة اليوم هو مركز مكافحة الجراد، ويرجع ذلك طبعا إلى جدية وانضباط ومسؤولية مديره الذي يشهد له الجميع بذلك، لكن ما كان لذلك الانضباط والمسئولية أن يظهرا ويستمر المركز في القيام بمهامه الصعبة والحيوية، لو كان مرتبطا ماليا أو إداريا أو فنيا بإحدى مصالح التنمية الريفية. فكل ما يتمناه مسؤولو القطاع الريفي هو أن يظل هذا القطاع فاشلا وعاجزا، ويظل هو الشغل الشاغل للدولة عن طريق برامج التدخل والخطط الإستعجالية، فهم يعتبرون أنفسهم من بين المستهدفين بهذه الخطط والبرامج أو هكذا يتصرفون.. وهم الآن بالتأكيد يتباشرون ويتبادلون التهاني بهذه الخطة الإستعجالية، ونحن نيابة عنهم نهنئ بها الولاة والحكام أيضا، دون أن ننسى الوجهاء والسادة العمد..

محمدو ولد عابدين
Abidine.moh@gmail.com

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا