خلال السنوات الثلاث الأخيرة أثار الرأي العام الموريتاني العديد من القضايا المرتبطة بجرائم وقعت أو عمليات قتل، أو إخلال بالنظام العام، أعلنت الجهات الرسمية على إثرها عن فتح تحقيقات في الحوادث المذكورة دون أن يتم الإفصاح عن أي من نتائج تلك التحقيقات للرأي العام، أو يعرف ما إذا كانت قد تمت فعلا أم لا.
حوادث قتل أو وفيات لمواطنين موريتانيين بالخارج والداخل، وشبه حول ملوثات مسرطنة في مواد استهلاكية يومية، وحوادث عرضية أدت لتلف ممتلكات عمومية وخصوصية، غطت هذه الأحداث المذكورة الأمد الزمني من 2020 وحتى 2022.
قتل ووفاة
بين شهري يناير ومارس من سنة 2021 قتل أكثر من 25 مواطنا موريتانيا في حادثتين منفصلتين على الأراضي المالية، حينها أعلنت الحكومة الموريتانية عن "فتح تحقيق يفضي إلى تحديد المسؤوليات، وإيقاع أشد العقوبات بالجناة"، وهو التحقيق الذي لم تعلن نتائجه حتى اليوم لا من طرف الجهات المالية ولا من طرف الحكومة الموريتانية.
في ذات السياق وفي شهر نوفمبر من نفس العام أعلنت الخارجية الموريتانية عن فتح تحقيق في وفاة مواطن موريتاني بجمهورية الكونغو بعد تعرضه لاعتداء مسلح.
وللداخل نصيب من التحقيقات المرتبطة بالقتل والوفاة، ففي شهر سبتمبر من عام 2020 أعلن عن وفاة المنقب إسلم ولد بيباك على يد وحدة من الجيش الموريتاني إثر دخوله منطقة عسكرية مغلقة، وفق بيان للجيش، أعلن فيه عن فتح تحقيق في الحادث.
وفي 24 من يناير 2022 أعلنت شركة معادن موريتانيا عن فتح تحقيق في وفاة 5 منقبين توفوا في منطقة "التماية" محظورة الاستغلال حينها.
الأطفال لهم الحظ من التحقيقات في أسباب الوفيات والقتل غير معلنة النتائج هم أيضا، ففي شهر يناير من عام 2020 نشب حريق ليلي في مقاطعة دار النعيم بولاية نواكشوط الشمالية أودى بحياة خمسة أطفال، أعلن على إثره الوزير الأول حينها إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا عن فتح تحقيق على مستوى النيابة لمعرفة الأسباب الفعلية للحريق، وظلت نتائج التحقيق – إن كان تم فعلا – حبيسة الأدراج الرسمية، أو أخذت طريقها إلى سلة المهملات.
وبعيدا من نواكشوط وبعد قرابة العامين وبالتحديد في شهر مايو من عام 2022 توفي الطفل خطري ولد بوبكر وأصيب عدد من الأطفال في حادثة سقوط سقف حجرة دراسية في إحدى البلديات التابعة لمقاطعة النعمة.
ولم تنشر أي من الجهات المعنية بفتح التحقيقات المرتبطة بهذه الأحداث على وسائطها الرسمية أو تعلن للرأي العام عن نتائج التحقيقات المذكورة، على الرغم من أن جهات مستقلة أفادت بنتائج عن بعض الأحداث كتلك المتعلقة بمقتل الموريتانيين في مالي، حيث أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة ضلوع الجيش المالي ومجموعة فاكنر الروسية في عمليات قتل الموريتانيين على الأراضي المالية.
شاي وتسريبات
في 16 من سبتمبر من عام 2021 أعلنت وزارة التجارة الموريتانية أنها تعاقدت مع مختبر أوروبي لدراسة مخاطر أنواع الشاي المستوردة لموريتانيا، مشيرة إلى أنها قامت بجرد لجميع أنواع الشاي المستهلكة "محليا" وأرسلتها إلى مختبر من أجل الإحاطة بكل "العناصر" و"المخاطر" التي قد ترتبط به.
وتعهدت الوزارة بنشر نتائج هذه الدراسة الشاملة فور استلامها، وذلك ما لم يتم، على الرغم من أن الوزير المعني صرح في مؤتمر صحفي يوم 26 ديسمبر 2022 أن نتائج عينات الشاي المستورد التي بعثت بها الوزارة للفحص في مختبرات خارجية، "أظهرت نتائج متقاربة مع تلك التي نشرت قل فترة" مما يعني أن نتائج الفحص وصلت الوزارة فعليا.
وفي وقت سابق أعلن أحد مسؤولي الوزارة – عين لاحقا عضوا في الحكومة – أن النتائج ستعلن فور عودة وزيرة التجارة حينها من زيارة للإمارات العربية المتحدة، ومع أن الوزيرة عادت بعد أيام من هذا الوعد، فإن حديث المسؤول تبخر، ولم يجد الرأي العام المستهلك بكثرة للشاي نتيجة تحقيق الجهات الرسمية في المادة الأثيرة عنده.
وفي شهر أكتوبر من عام 2020 وبينما كان الموريتانيون ينتظرون نتائج المسابقة الأهم في البلاد عن طريق القنوات الرسمية للوزارة المعنية إذ تم نشر النتائج على موقع إلكتروني خارجي، ويقول ناشر النتائج عبر الموقع الذي حملها عليه إنه تحصل عليها عن طريق شخص يعمل في مصلحة الامتحانات مقابل 1000 دولار أمريكي.
وأفادت الوزارة المعنية بعد ساعات من نشر النتائج بتطابق بياناتها مع ما تم نشره، معلنة فتح تحقيق ما تزال نتائجه طي دهاليز الوزارة حتى اليوم.
القضاء طالته أيضا موضة التحقيقات غير معلنة النتائج، ففي شهر أغشت من عام 2020 فتحت النيابة العامة الموريتانية تحقيقا في وثيقة تتعلق بمقترح « خطة أولية لمسار إجراءات البحث الابتدائي في ملف التحقيق البرلماني » الممهد لمحاكمة الرئيس السابقة التي تجرى جلساتها هذه الأيام، ولم تعلن النيابة العامة عن نتائج التحقيق المذكور.
مرافق اقتصادية
بعد أسابيع من اختفائها أعلن المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد عن انتشال سفينته "العوام"، دون إعلان نتائج تحقيق أعلن عن فتحه في إيجازه المتعلق بغرق السفينة في 18 أكتوبر 2022.
وكان المعهد قد "تعهد" في الإيجاز المذكور بـ"نشر نتائج هذا التحقيق للرأي العام" لكنه ربما نسي هذا التعهد مع الوقت، أو لم يتم إنجاز التحقيق أصلا.
وأعلن في ذات السياق عن فتح تحقيقات في عدة أحداث تعلقت بمرافق اقتصادية كحريق مستودع لشركة تازيازت عام 2021، وحريق باص تابع لشركة النقل العمومي في 19 مارس 2022، وحوادث متتالية قبل ذلك لآليات عسكرية سواء الطائرات أو حاملات الجنود، أو حتى عمليات القتل الإجرامية، حيث ظلت وعود التحقيق تترى وتتوالى مع كل حادث جديد، فيما بقيت نتائج هذه التحقيقات أبرز غائب إلى اليوم.
الأخبار