مشاركة موريتانية في مؤتمرتكنولوجيات استكشاف النفط والغاز :|: موريتانيا بصدد منح إعفاءات ضريبية كبيرة لمطوري الهيدروجين الأخضر :|: خبير : الناتج المحلي العالمي قد يخسر 7% :|: وزيرالداخلية : لا توجد مشاكل سياسية مع مالي :|: الفرق شاسع بين الرغبة و المعنى الحقيقي للترشح للرئاسة * :|: فايننشل آفريك : حرية الصحافة..موريتانيا تتصدر العالم العربي وإفريقيا وقبل أمريكا :|: قائد الجيش يتفقد وحدات على الحدود مع مالي :|: الجيش : قمنا بتمرين ناجح لتجريب مختلف أنواع الأسلحة :|: منظمات تدعو إلى "التعريب الشامل" للخطابات والرسائل الادارية :|: موريتانيا تشارك في ملتقى للاقتصاد الرقمي بجنيف :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
 
 
 
 

رد علي سؤال وجيه.. /محمدو ولد البخاري عابدين

samedi 4 janvier 2014


في إحدى النشرات المسائية للتلفزيون الوطني قبل أيام، أعدت إحدى الصحفيات تقريرا عن توفر مادة الخضروات في سوق العاصمة، وبعد أن أجمع باعة الخضروات ووسطاءها والمواطنون المستهلكون، على أن هذه المادة تشهد فائضا وتصبح رخيصة في فصل الشتاء، أي ابتداء من شهر دجمبر وحتي شهر ابريل، نتيجة لإمدادات الأسواق بالانتاج المحلي، فإنها تشهد ندرة وغلاء خلال أشهر الصيف والخريف، ويكون المصدر الوحيد لتموين السوق المحلي بها، هو بعض البلدان المجاورة كالمغرب واسبانيا والسنغال، تساءلت معدة التقرير مختتمة تقريرها قائلة : مادمنا نكتفي بانتاجنا من الخضروات خلال موسم الشتاء، فلماذا لا نزرعها أيضا في فترتي الصيف والخريف، لنكون مكتفين بانتاجنا منها على مدار العام؟

ولا أعرف مدى اهتمام الوزراء ومسؤولي المصالح والقطاعات بمثل هذه التقارير، ومدى أخذهم لها في الاعتبار في رسم سياسات قطاعاتهم، هل ينتبهون لمثل لهذه التساؤلات مثلا، فيسجلونها ويتحركون في الصباح الموالي للتفكير في كيفية الإستجابة لها، بل لا أعرف ما إذا كانت معدة التقرير طرحت هذا السؤال بحثا عن جواب، أم أنه ما اعتاد عليه معدوا التقارير من ختم تقاريرهم بسؤال ! ومهما يكن فهو سؤال وجيه ومطروح، فنحن فعلا ننتج محليا حاجياتنا من الخضروات خلال فصل الشتاء، ولكن لا يحول بيننا وبين انتاج حاجيتنا منها صيفا وخريفا، سوى اتخاذ التدابير اللازمة لذلك، ومن هنا نقدم الجواب لاستشكال الأخت معدة التقرير..

لكن قبل ذلك، من المهم أن نعرف أولا ، وباختصار، لماذا ننجح في زراعة الخضروات شتاء ونخفق في ذلك في الفصول الأخرى؟ إن عوامل المناخ من حرارة وبرودة ورطوبة جوية، هي العوامل المحددة أو المساهمة في ذلك النجاح أو الإخفاق، فمعظم أنواع الخضروات الشائعة، كالطماطم والباذنجان والملفوف ( شمو بومي ) والبنجر ( بتراف ) والخس ( السلاد ) واللفت والجزر والفلفل ( بوافرون ) بأنواعه الأحمر والأخضر والأصفر، كلها نباتات حساسة لدرجات الحرارة العالية صيفا، ونسبة الرطوبة المرتفعة أثناء موسم الأمطار، فخلال الصيف حيث درجات الحرارة مرتفعة ونسبة الرطوبة منفخضة، تفقد نباتات الخضر كميات كبيرة من الماء من انسجتها، بفعل تبخر الماء من الثغور الموجودة على أسطح الأوراق، وهو ما يعرف نباتيا بعميلة النتح، كما يصبح معدل التنفس أعلى من معدل البناء الضوئي، مما يؤدي إلى نقص المواد الغذائية في النبات، وعجزه عن تأمين وتخزين الغذا اللازم لعمليات النمو والإنتاج، بل إن الحرارة إذا زادت عن مستويات معينة، فإنها تعمل على تغييرات في تركيب العديد من الانزيمات والبروتينات الضرورية لحياة النبات وانتاجه.

أما خلال فصل الخريف الذي يتميز عادة بتساقط الأمطار وارتفاع نسبة الرطوبة في الجو، مع درجات حرارة مرتفعة نسبيا، فإن ذلك يشكل عوامل مساعدة على انتشار الآفات كالحشرات والأمراض الفطرية والفيروسية والبكتيرية، مما يقلل الإنتاج وينقص من جودته، ويزيد من تكاليفه. ولذلك نجد أنه بمجرد حلول شهر مايو وبداية فصل الصيف، يبدأ النقص في تزويد الأسواق بالخضروات المنتجة محليا، ويستمر ذلك النقص حتى شهر دجمبر، حيث يبدأ نضج وحصاد الخضروات من المزارع المحلية. وطوال كل هذه الفترة يكون مصدر تعويض هذا النقص كله خارجي من الدول المجاورة، خاصة تلك التي تتميز بمناخ معتدل صيفا وملائم لأنتاج الخضروات كالمغرب وإسبانيا، والتي لها في نفس الوقت خبرات كبيرة في استخدام البيوت البلاستيكية لإنتاج الخضروات بإنتاج وفير وبنوعية جيدة.

وبهذا نكون قد وضعنا أيدينا على العوائق التي تمنعنا من إنتاج الخضروات على مدار العام، والتي بالتغلب عليها يمكننا أنتاج حاجياتنا منها بانتظام، فعندنا خمسة أشهر من السنة ملائمة للإنتاج بدون مشاكل كبيرة ( ديسمبر وحتى ابريل )، بيمنا لدينا سبعة أشهر أخرى ( مايو وحتى نوفمبر ) ترتفع فيها درجات الحرارة صيفا ونسبة الرطوبة خريفا، وتصبح الظروف غير ملائمة للإنتاج . وأمامنا خلال هذه الأشهر خياران، أسهلهما وأقلهما تكاليف، هو استغلال المناخ المعتدل صيفا لمدينة نواذيبو التي هي إضافة إلى كونها عاصمة اقتصادية، فهي أيضا عاصمة صيفية يقصدها الكثير من المواطنين للتمتع بمناخها المعتدل، عندما تشتعل مناطق البلاد الأخرى حرارة وضغطا جويا.. وبإمكان شعبة الخضروات بوزارة التنمية الريفية ( إن كانت هذه الشعبة موجودة ) الانتقال إلى هناك ابتداء من شهر مارس مثلا، ومباشرة الإعداد لحملة خضروات على مساحات معتبرة، بهدف تغذية أسواق المناطق الأخرى وخاصة منطقة نواكشوط بالخضروات، لتعود إلى العاصمة مع نهاية فصل الخريف للإعداد للحملة الشتوية.. وهكذ. ومما سيزيد من ملاءمة الظروف لهذه الحملة، إنشاء منطقة حرة بهذه المدينة، بحيث تمكن الإستفادة من هذه المنطقة في الحصول على وسائل الانتاج من بذور وأسمدة وآلات ري حديثة وغيرها بسعر أرخص سينعكس على تكاليف الانتاج.. ليتم البحث عن صيغة توائم بين طبيعة المنطقة الحرة، وتسويق إنتاج المزارع إلى المناطق الأخرى.

أما الخيار الثاني فهو استخدام البيوت البلاستيكية ( الصوبات ) التي تستخدم اليوم بشكل واسع لزراعة الخضروات، سواء في المناطق الباردة لحماية النباتات من البرد والصقيع، أو في المناطق الحارة لحمايتها من الحرارة المرتفعة، وتستخدم هذه البيوت للتوسع في الزراعة الرأسية للفواكه والخضروات، وذلك باستخدام الأصناف عالية الأنتاجية لتكون قادرة على تغطية تكاليف إنشاء وإدارة هذه البيوت.

وقد باشرت السلطات مؤخرا استصلاح 300 هكتار بمحاذات الخزان الرئيسي لمياه آفطوط الساحلي بالكيلومتر السابع عشر على طريق نواكشوط روصو، مخصصة لزراعة الخضروات والفواكه، تعويضا للمزارعين الذين كانوا يزرعون مساحات وسط المدينة، وهي فكرة جيدة ينبغي تعميمعا على كل مداخل العاصمة بل ومداخل المدن الأخري، ذلك أن كل مدن العالم محاطة ببساتين الفواكه والخضروات، وليس مدن عالم اليوم فقط بل المدن التي كانت قائمة منذ القدم، ومن بينها المدينة المنورة، بدليل أن فقهاء الإسلام حددوا عقد نية القصر في الصلاة، ابتداء من خروج المسافر من البساتين المحيطة بالمصر الذي يسافر منه.. وهذا هو الحال في اغلب مدن اليوم التي عندما تدخلها برا، فإن هذه الحدائق والبساتين هي أول ما يستقبلك، وعندما تغادرها أيضا تكون هي آخر ما يودعك، أما إذا كنت في طائرة تباشر الإقلاع أو الهبوط، فإن هذه البساتين تترآي لك في صورة مسطحات خضراء بديعة، على العكس مما عليه مدينة نواكشوط وباقي مدننا، التي أول ما يتراءى لك وأنت تطل عليها من نافذة طائرة مناظر مغبرة شاحبة لا تنم عن حياة ولا تحضر فيما أنت قادم إليه ! أما أول ما يستقبلك وأنت تدخلها برا، أو يودعك وأنت تخرجها، فهو الأخبية والبيوت المتناثرة، والكزرات والمساحات المسيجة بالأعواد وإطارات السيارات ! وقد سمعت مرة أحد الفقهاء يرد هلى سائل يقول : من أين أعقد نية القصر ولا توجد بساتين؟ فقال له : اعقدها ابتداء من نهاية " الكزرات..! " وحتى هذه لا نهاية لها بين معظم المحاور المؤدية للعاصمة، بدرجة قد يكون السؤال معها أصبح واردا، هل لا تزال هناك مسافة قصر بين نواكشوط والمدن التي تربطها بها محاورها الأربعة..!

ولذلك فمن المهم تعميم وتوسيع لف العاصمة بالبساتين، فمن ناحية سيضمن ذلك تموين المدن بالخضروات التي من أهم شورط نجاح إنتاجها، زراعتها بالقرب من الأسواق لتفادي تعرضها للتلف أثناء النقل والتداول، بالإضافة إلى أن نقلها من مسافات بعيدة، يضيف تكلفة النقل إلى تكاليف إنتاجها الأصلية، وبالتالي زيادة السعر الذي تصل به إلى المستهلك، ومن ناحية أخرى فإن وجود بساتين الخضروات في أحزمة بمحاذات المدن، يحسن من مناظر مداخلها، ويلطف من أجوائها ويحميها من الأتربة والغبار،علاوة على ما يوفره من فرص عمل للكثير من العاطلين.

فقد يكون من الصعب تحقيق اكتفاء ذاتي من الحبوب والفواكه والزيوت خلا سنوات قليلة، وذلك لما تتطلبه هذه المحاصيل من مساحات شاسعة، واستصلاحات كبيرة واستثمارات معتبرة، لكن ذلك لا ينطبق على الخضروات التي تتميز بارتفاع الانتاج من وحدة المساحة، ولا تحتاج لآلات حصاد ثقيلة، وأغلبها ذو دورة حياة قصيرة، حتى أنه يمكن لكل أسرة تخصيص أمتار من مساحة بيتها لزراعة حاجياتها من الخضروات، فقد نكون مجبرين على استيراد حاجياتنا من الحبوب والفواكه والزيوت والألبان، إلى حين تمكننا من الاكتفاء الذاتي منها، لكن من غير المبرر أن نظل سوقا أجنبيا للخضروات، فعندما تتوفر الخضروات وتدخل ضمن مكونات وجبات كل أسرة، مهما كانت المكونات الأخرى لتلك الوجبات، فإن العديد من الأمراض سيتراجع أو يختفي، وستنخفض مستويات وفايات الأمهات والأطفال العائدة في أغلبها لنقص وفقرالغذاء، وستتعزز تلك الأهداف بنجاح شركة توزيع الأسماك التي تم إنشاءها مؤخرا، في تعميم مادة السمك على أكبر عدد من المدن والقرى والأرياف، لكن لا بد موازاة مع ذلك من تعبئة سكان هذه المناطق على زراعة الخضروات وإمدادهم بوسائل إنتاجها، لا من أجل التسويق بالضرورة، وإنما للإستهلاك المحلي في المقام الأول. فقد زرنا الكثير من هذه القرى في مهمات، فوجدنا سكانها يعيشون على الأرز المسلوق في الماء، رغم أن العديد منها تقع على حافة نهر متدفق، أو بحيرة دائمة، أو تتوفر على بئر غزيرة المياه، وبجوارها مساحات صالحة تمتد على مدى البصر ! ولا يمكننا أن نرجع هذه الوضعية لنقص الوسائل فقط، لأن الكثير من هذه القرى ظلت الدولة والمنظمات الدولية تزودها بوسائل الانتاج، لكنها نادرا ما تستغل هذه الوسائل، بل إن بعضها يطلبه من أجل بيعه في أقرب سوق..!

ربما لا يجد هذا الكلام من يكمل قراءته عندما يتبادر له من أول سطر فيه أنه كلام غير سياسي.. وذلك لما ابتلانا الله به من شهية سياسية جامحة، وتفش لداء " البول السياسي " بين نخبنا بل وأميينا على غرار البول السكري..! بارعون جدا في فن السياسة كنشاط لا يتطلب مجهودا، وخاملون وفاترون جدا في المجالات الأخرى ! خمسة وتسعون بالمائة من المقالات والآراء والتحليلات والمعالجات والتدوينات على واجهات المواقع والصحف اليوم، كلها تدور حول مواضيع سياسية، الموالاة والمعارضة، المعارضة المشاركة وتلك المقاطعة، اللجنة المستقلة والانتخابات، الفتوحات والبطولات التي حققها الحزب كذا في انتزاع المقاطعة كذا، وتحريرها من احتلال الحزب كذا..! من سيكون رئيس البرلمان، متى ستتشكل الحكومة ومن سيكون الوزير الأول.. والمفكر والنجم الإعلامي اليوم، هو ذلك الذي يُنظر ويصف للمعارضة وصفة سحرية تتوحد من خلالها، أو تقدم مرشحا من خارجها لهزيمة النظام، أو ذلك الذي يصفي حساباته الشخصية مع ذويه وجيرانه قائلا للرئيس : هؤلاء هم من تسسببوا في هزيمة الحزب الحاكم وعليك التخلص منهم إن أردت البقاء، إني لك ناصح أمين ! ولا تستطيع- في هذه الظروف - الكتابة عن موضوع فني بحت، إلا وأمسكت السياسة بالطرف الآخر لقلمك، موجهة ومصرة على أن يكون لها في ما تكتبه نصيب، بادئا أو منتهيا بها أومعرجا عليها كما حدث معي، وإن كنت جاهدتها حتى تمكنت من البدء بما هو أهم عندى وأنفع وأبقى لمجتمعي وبلدي..!

أما إذا دخلت عالم الفيسبوك فحدث ولا حرج، شباب يفترض أنهم على مقاعد التحصيل والتمهين متفرغين لهما تاركين السياسة للسياسيين، متجهين للميادين الثقافية والإبداعية والرياضية، أو لمناطق الانتاج من أراضي زراعية وشواطئ وأعالي محيطات، أو إلى المهن والحرف من بناء ومطاعم وورشات وخدمات يمرح فيها الأجانب ويسرحون، يقول هؤلاء الشباب إنهم فقراء وعاطلون، ومع ذلك ينفقون الوقت والمال في تعاطي هذه " المخدرات " السياسية طوال الليل والنهار، يستخدمهم كبار الساسة كدروع إعلامية أوسياط لجلد الخصوم ! وإن لو استغلوا تلك الساعات التي تستنزف وقتهم وقواهم وحساباتهم، وتخدر وعيهم، وتحشوا أذهانهم بما لا يفيد، لو استغلوها في البحث عن طرق وحلول وابتكارات من تلك التي تزخر بها هذه الوسائل، وفي شتى المجالات، لكان خير لهم.
اتفقوا معي إخوتي - أو اختلفوا- على أن مشكلاتنا وتحدياتنا الأساسية ليست في طبيعة نظامنا السياسي، وهل هو مدني أم عسكري، ملكي أم امبراطوري أم قيصري، وهل هو برلماني أم رآسي أم نصف أم سدس رآسي.. بل هي فوق ذلك وقبله وبعده سلبيتنا واهتمامنا بالأشكال والشكليات، وهروبنا من مشاكلنا والدوران حولها وتحميلها كلها للغير، والتظاهر بالبحث لها عن حلول بالتيه والضلال في منعرجات بعيدة عن جوهرها !
هناك مجتمعات كثيرة كانت - وربما لا تزال - خاضعة لأنظمة حكم مختلفة، لكنها كانت تنتج وتبدع وتطور وتبتكر الحلول، مستغلة المتاح من وسائل وفرص الانتاج، غير آبهة ولا مكترثة بالمعارك والصراعات في الدهاليز العليا، ولا وقت لديها تضعيه في ذلك، نهارها عمل وجد وتدبير وادخار، أوتعلم واكتساب لمعارف ومهارات، وليلها راحة واستعداد ليوم جديد.. عرفت من قساوة وجبروت الأحكام، ومن القيود والكبت والبطالة ما لم نعرف ربعه ولا ثمنه، لكنها لم تعرف ما عرفناه من جوع وفقر صنعنا معظمه بأيدينا كسلا واتكالية وفضولا، وتسكعا على أرصفة العجز والعوز !

يقول بعض المنظرين، بعد أن توفر لديهم القمح وشبعوا، أن ليس بالقمح وحده يحي الإنسان، لكن لا نعرف - قبل أن يتوفر لديهم القمح - ماذا كانوا يقولون.. فعلى الأقل فإن فرص بقاء الإنسان حيا مع وجود طحين القمح، أكبر بكثير من فرص بقائه حيا مع وجود " طحين " السياسة فقط..! صحيح أن المثل يقول إن " البطبة تذهب الفطنة " لكن تلك البطنة، ونحن نتحدث هنا عن مجرد سد الرمق ! فعندنا مثل آخر يقول إن " البطن عندما تمتلئ تقول للرأس غني لي.. " فالجائع لا يفكر ولا يبدع ولا ينتج، والعقل السليم في الجسم السليم، ولا جسما سليما مع نقص أو فقر الغذاء ! والغذاء ليس بالضرورة دعم سلع أو إسعافات، فعندما ينتج المواطنون غذاءهم فإنهم سيأكلون منه، ويصبح فائضه مصدر دخل لهم، ولم تكن بداية الثورة الصناعية في أوروبا، سوى زراعة الأسر لمساحات صغيرة لسد حاجياتها، وبيع الفائض في الأسواق المجاورة حتى في ظل الإقطاع !
لم أقصد بهذا الكلام الطويل تبرئة الحكومة من تقصيرها أحيانا في استغلال المقدرات، وتشبيكها لسواعدها أحايين أخرى حتى يتم طرح أسئلة كسؤال الأخت صاحبة التقرير، ليس في مجال زراعة الخضروات فقط، وإنما في مجالات أخرى بها مقدرات كبيرة ضائعة، مع التماسي العذر لها في بعض ذلك، نتيجه لخمول وصدود مجتمعنا عن استغلال الكثير من المقدرات.. ولذلك لم أقصد أيضا إلقاء كل اللوم على الحكومة في كل النواقص التي يمكن للمواطنين سدها بأنفسهم وبجهود بسيطة، عندما يبادروا ويشمروا عن سواعدهم، لاستغلال ما هو متاح من فرص وهي كثيرة، فالكل مجمعون على أن ما ينقص في البلاد ليس الفرص وإنما المبادرة.. فذلك هو قصدي وهدفي، أن تتكاتف جهود الجميع حكومة ومبادرات وطاقات مجتمع، في سبيل خلق ثقافة وروح وآليات إنتاج جديدة، تسد الفراغ الذي يعانيه الناس وتشغلهم فيما يفيدهم، وعندما يتحقق ذلك، وينتج الموريتانيون غذاءهم فياكلوا ويسوقوا ويصنعوا ويصدروا، فلترح السياسة والسياسيون في " ستين داهية " كما يقول المصريون.. فالقليلون جدا هم من سيتيتمون أويذرفون عليهما الدموع، وأنا بالتأكيد لست من بينهم.

محمدو ولد البخاري عابدين

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا