انت البداية من ملتقي طرق مادريد، حيث يبدأ النداء علي المسافرين، محطات نقل ممتدة حتى نهاية مقاطعة الرياض، يعرض السائق كل الأسعار علي الركاب من ألفين إلي 4000 أوقية، جميع أشكال السيارات الصغيرة والمتوسطة والحافلات وغيرها.
هذه الفوضى المزعجة تجعلك تسرع بحسم الاختيار لتفادي هدر الوقت وتدافع الباحثين عن الركاب حولك، تنطلق السيارة عبر طريق انواكشوط روصو وتتوقف بعد مسافة قصيرة عند محطة البنزين، فيتمم السائق والألم يعتصره وهو يعد النقود عدا .. ويفكر في ما سيبقي بعد البنزين من النقود.. يعود غاضبا.. فيرن الهاتف فإذا به يصرخ في وجه محدثته :...دعيني من ذلك ... قولي لهم لقد سافرت بعيدا ولن أعود إلا بعد أسبوع ... ماذا أفعل ..لم يبقي لي شيء ..!
ثم يقطع المكالمة وقد أدركه الشرطي يشير بالتوقف فينزل ويده في جيبه ثم يعود كعادته غاضبا هذه المرة من الشرطة وبعد ذلك بقليل يتكرر المشهد مع فرقة للدرك علي الطريق ثم مع فرقة لأمن الطرق التابعة للجنرال مسقار
وهكذا تمضي مائة كلم علي طريق معبد تعبيدا ضعيفا وغبر عريض تسير عليه السيارات في اتجاهين متزاحمين ،تحاصره علي جنباته المساكن الملاصقة في القري والمارة من السكان والحيوان والأخطر من ذلك الشاحنات الكبيرة القادمة من السنغال والمحملة بالخضروات ومواد أخري وهي عربات عريضة لايتسع الطريق لعبورها مع سيارة أخري مما يدفع السائق أحيانا للإنعطاف بالسيارة بعيدا عن الطريق المعبد
بعد المائة كلم المنتهية عند قرية تكند تبدأ معاناة جديدة ترتبط بأشهر إنجازات رئيس موريتانيا الجديدة والتي يباهي بها نواب الموالاة زملاءهم المعارضين : إنها الطرق المعبدة طولا وعرضا ، شرقا وغربا شمالا وجنوبا ، لكن نصيب الطريق الإستيراتيجي الأكثر عراقة وقدما وأهمية استيراتيجية هي للأسف الشديد بضع رقع متفرقة ومتهالكة تخلف حفرا ضخمة ومطبات تكلف السيارات خسائر جديدة تنضاف إلي رصيد كبير من الخسائر تبدأ بالبنزين ولا تنتهي بفرق الشرطة والدرك وأمن الطرق وما شابه من ضرائب البلدية وغيرها
هذا الطريق الذي ينتمي لشبكة الطرق الوطنية والتي شكلت وتشكل موضوع تبجح وتفاخر من أجهزة التصفيق والتطبيل لنظام الجنرال هو اليوم "أثر بعد عين" خاصة الجزء الفاصل بين (بمبري وروصو) وأبعد من ذلك من (تكنت إلي مدينة روصو) حيث ينعدم تماما وسط المدينة التاريخية التي شهدت قيام الدولة وكانت مرشحة لأن تكون عاصمتها الأولي .
إن من يقطع النهر ويستغل سيارة من محطة النقل السنغالية بروصو متوجها إلي دكار سوف يدرك مستوي الفوارق : بين الفوضي والنظام ،بين دكتاورية السلطات وسيادة القانون، بين الإنقلاب علي السلطة والتناوب عليها.
لا توجد فوضي علي الإطلاق بين الناقلين ولا تدافع بين الركاب وإنما هي طوابير منضبطة وملتزمة بالقوانين التي يحترمها الجميع .
أما الطرق فهي مبهرة حقا باتساعها وصلابتها وجدتها وصيانتها واحترام المسافة الضرورية علي جانبي الطريق.
السلطات في هذا البلد المجاور تكتفي بإجراءات الدخول الروتينية والمعروفة في العالم كله ، بعدها لن يزعجك شرطي أو دركي (طبعا لا وجود لعسكر مسقار) إلا ما كان من تواجد أمني في أماكن محدودة للمراقبة من بعيد دون مساءلة أو توقيف.
وتأتي الدعاية السياسية متأخرة بكثير عن مستوي الإنجاز فلا أحد يستطيع المفاخرة علي السنغاليين بأنه أنجز الطرق والممرات والمياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات والزراعة والتنمية وغيرها مما هو مشاهد بجلاء.
النظام في جمهورية السنغال هو بالطبع ديمقراطي مدني حقق تناوبا سياسيا يحق لأصحابه أن يفخروا به لكن مصالح بلدهم الأساسية فوق كل اعتبار.
فلا مجال للمزايدة حين يتعلق الأمر بمصلحة المواطن ومؤسساته وديمقراطيته.
الحاج ولد المصطفي / hajmoustapha@gmail.com