الديون تسجل مستوى قياسياً جديداً في العالم :|: لجنة الأهلة : غد الجمعة فاتح شهر ذي القعدة :|: نواكشوط : عملية سطو مسلح بمقاطعة دار النعيم :|: موريتانيا تشارك في الطاولة المستديرة للطاقة في أفريقيا :|: تفريق وفقة لمرشحين للرئاسة بنواكشوط :|: تكريم أربعة مفكرين وكتاب أدب موريتانيين :|: اجتماع لجنة التعويض للمتضررين من جسر روصو :|: CENI : نؤكد انسيابية عملية المراجعة الاستثنائية للائحة الانتخابية :|: تحويلات جديدة في قطاع الصحة :|: وزيرالخارجية : أي بلد يعول في غذائه على الخارج سيظل مهددا في أمنه استقراره :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع يظهر في صورة حديثة
 
 
 
 

الأرقام توقف عمل فخامة الرئيس ! بقلم/ م. محفوظ بن أحمد/كاتب صحفي

mardi 4 juin 2013


لا شك أننا في العصر الرقمي، ويبدو أن محاسنه لا تقتصر على الحوسبة وأجهزة الاتصال والمالتي ميديا.. فقد باتت لدينا السياسة الرقمية أيضا.

خلال زيارتيه الفارطتين لانواذيبو وأطار حرص الرئيس محمد ولد عبد العزيز على التكلم بلغة الأرقام، فجال وصال في خلاصات تقارير وزرائه ومحافظه على البنك المركزي، مستخلصا منها ما لذَّ وطاب من الأرقام الفلكية والنسب المئوية.. مستنكفا عن حقول الواقع وأرقامها التي لا ذكر لها لدى أولئك المسئولين، الحريصين على تجنب ما يُعكر صفو الصورة الوردية التي يحب فخامته أن تكون عليها البلاد بفضل برنامجه الانتخابي المشهور.

ورغم أن قواعد لغة الأرقام أسهل من قواعد اللغة العربية، فإنها عكسا لما أريد منها لا تقنع الناس بقدر ما تربكهم وتجعلهم يضربون أخماسا لأسداس (بالمعنى الرقمي). هذا إذا لم يتخذها بعضهم، وخاصة من المعارضة، دليلا على أن الأمور ليست على ما يرام.. يقولون : إما أن هذه الأرقام كاذبة ودعاية مضللة، وإما أنها صحيحة ودقيقة فهي أمارات فساد ونهب وتقصير وسوء تدبير؛ فأين دلالاتها وتأثيرها على حياة الناس؟ !.

كذلك أوقع برنامجُ السيد الرئيس بعضَ غُلاة الموالاة وكَتَبتها في ورطة رقمية أيضا ! فقبل حولين تقريبا قرر عباقرة الحزب الجمهوري وغيرهم من المطبلين أن نسبة 75% من هذا البرنامج تم إنجازها بالكمال والإفضال !.
ولأن مستوياتهم في الحساب كانت قريبة من مستوياتهم في الصدق، فقد اكتشفوا لاحقا أن البرنامج بهذا العد سينتهي قبل تمام الفترة الرئاسية كلها بمدة طويلة. وهذا أمر جيد ولكنه يؤدي إلى إحدى نتيجتين سيئتين : إما أن تتوقف الإنجازات لأن البرنامج اكتمل، وإما أن يختصر السيد الرئيس فترته الانتخابية فيتنحَّى لأنه لم يعد لديه ما يفعله !!
حتى مع ما يظن بعض الفنيين من أن لغة الأرقام هي أفصح خطابا وألحن حجة، فإن العامة يدركون أنها في عالم السياسة متاهة للتضليل والهرب من الواقع. هذا الواقع الذي تلهج لغته بأرقام ومؤشرات أخرى أكثر وضوحا ومصداقية لأنها ببساطة محسوسة وناطقة، بل صارخة !.
قد لا يعلم أكثر المواطنين البسطاء ـ مثلا ـ أن سعر طن الحديد الخام (وهو أهم صادراتنا) قد ارتفع في السنوات الأخيرة من حوالي 14 دولارا إلى أكثر من 150 دولارا، وأن أونصة الذهب قد ارتفع سعرها من حوالي 1000 دولار إلى أكثر من 1600 دولار كذلك.. لكن المواطنين جميعا يعلمون علما حسيا أن أسعار المحروقات وأسعار الأغذية والأدوية في البلد قد ارتفعت وتزداد كل حين بوتيرة لا تعرف التراجع.
وباستثناء موظفي وعمال الدولة (ومجموعهم لا يتجاوز 3% من عدد السكان) يعيش السواد الأعظم من المواطنين على أرزاق مقدرة تتناقص مصادرها وتتقلص مواردها بسبب ارتفاع البطالة وتدهور التنمية الريفية، والكساد، وانتشار الفساد والجور في إشراف الدولة (احتكار الوسائل العامة، والمحسوبية، والضرائب العمياء..).
تلك هي الأرقام. أما المؤشرات فمنها ما هو مرعب : فمنذ تحكم نظام العسكر فقدت الدولة أهم وظائفها وتخلت عن أسمى واجباتها (توفير الأمن والعيش والعدل للمواطن)، واليوم ـ مع استمرار ذلك النظام ـ ها هي تخسر أيضا ما بقي لها من هيبة ومصداقية؛ فلم يعد المواطن يؤمن بالدولة ولا يحترمها، لأن الدولة نفسها تخلت عن مواطنيها وداست قوانينها.. لقد تخلت عن ذاتها.. ذاتها !!
**
هناك مثال آخر من الواقع سنضربه من مدينة نواكشوط، التي حظيت بالاهتمام الأكبر من برنامج رئيس الفقراء، وخاصة فيما يتعلق بتوسيع بعض الطرق وتخطيط وترحيل بعض العشوائيات :
اليوم تنمو مئات الفِلل والعمارات على أطلال العشوائيات المُرحَّلة، وهي بالطبع للأغنياء الخصوصيين (الذين حصلوا على الأرض الدانية مَنحًا أو تشريعا أو شراءً من الفقراء المضنوكين)، بينما يقيم الفقراء بنفس الأعرشة وحجرات الزنك.. في المناطق القصية الجديدة (الترحيل) بدون أي مقومات للحياة، على أمل أن تصلهم الطرق والمياه والكهرباء.. وهي خدمات أقيمت منها نماذج جزئية للدعاية أو "التغطاس"، دون أن يستطيع الساكنة العاديون الاستفادة الفعلية منها.
رحلة الشتاء والصيف

وللوقوف على نموذج يومي من عيش هؤلاء المواطنين، مع تعاقب لهيب حر الصيف وزمهرير برد الشتاء، إليكم هذه الصورة التي هي "بكسل" واحد من الصورة الكبرى لحياة سكان أحياء نواكشوط الشعبية وأحياء الترحيل كلها :
* عند الساعة السادسة صباحا ينهض أفراد الأسرة، ليسلكوا سبلا تتفرق بهم إلى مقاصد شتى : الأب إلى عمله في السوق، أو في دائرة حكومية. الأم لديها موعد في مستشفى الصباح. الابن الأكبر متخرج يبحث عن أي عمل. أخته الكبرى إلى الجامعة، والصغرى إلى الثانوية الوطنية. أما أخوهم الأصغر فهو أحسن حظا إذ سيسير على قدميه ثلاثة كيلومترات فقط ليصل إلى أقرب إعدادية حكومية !.

يغلقون البيت وقد هاجمتهم الساعة السابعة. يقطعون مسافة غير طويلة للوصول إلى طريق "رامبلي" القريب. يجدون حشودا هناك من كل الأعمار تتسابق إلى أي سيارة تقف..

يؤثرون الأم بأول مقعد، لأن لديها موعدا مع أحد أطباء الشرايين وعدها بوساطة للاستفادة من معاينة بعثة طبية أجنبية زائرة، بعدما حُرمت من هذه الفرصة ثلاث مرات.

بالطبع لن تُنقل الأم إلى مستشفى الصباح مباشرة، بل ستنقل إلى محطة تسمى "دخول الدشرة"، ومن ثم تحاول الصعود إلى سيارة أخرى تنقلها إلى "ملتقى مدريد"، ومن ثم تركب إلى سوق العاصمة، ومنه يسهل العثور على سيارة أجرة توصلها على الأقل إلى المستشفى الكبير؛ وهو على بضع خطوات من مقصدها، لتكون أنفقت 400 أوقية.

ولكن سفر العودة قد لا يكلفها إلا ثلاث رحلات، لوجود سيارات تنقل من المستشفى إلى "دوار مدريد" مباشرة، وبالتالي ستبقى لها 300 أوقية من ورقة الألف التي كانت معها؛ تكفي عادة لشراء ربع كلغ من السمك لإعداد وجبة الغداء.. أو العشاء إذا ضاق الوقت، كما يحدث أحيانا.

البنتان في ذات الأولوية بالنسبة للأب، ولذلك عثر لهما على مقعدين في سيارة واحدة بعدما التهمت الساعةُ الثامنةُ نصفَ الساعة التاسعة.. ومن حسن حظهما أن التاكسي تنقلهما ـ في بعض المرات ـ إلى دوار مدريد مباشرة. وهذه الرحلة النادرة تكلف أجرة رحلتين أي 200 للراكب، ولكنها توفر وقتا ثمينا كان سيضيع عند المحطة الأولى.

من "كارفور مدريد"، الذي بات كلٌّ وارده، تنطلق البنت الصغرى على قدميها في رحلة قصيرة تتطلب الجري أحيانا لإدراك آخر وقت دخول الفصل في الثانوية الوطنية. أما البنت الكبرى فتراجع جدولها بسرعة لتعرف أي مراكز جامعة نواكشوط المتناثرة تكون فيها حصتها الأولى.. إنها كلية العلوم في مقر الجامعة الرئيسي.

وعلى الفور تبدأ معركة رحلتها الثانية إلى هناك، إما مباشرة ـ بضربة حظ ـ وإما عن طريق رحلة رابعة عبر "أفاركو" أو السوق المركزي في اتجاه لكصر.

في أسوإ الأحوال لن تنفق أكثر من 400 أوقية على هذا الشوط الذي ينتهي بفوات الساعة الأولى من حصة الأستاذ المثابر.. وإذا تغيب الأستاذ فسوف تشعر أنها كسبت الوقت وعليها هدر ما تبقى منه في انتظار الحصة الثانية لأستاذ آخر.. لكن لا؛ فالحصة الثانية في مبنى آخر بتفرغ زينه ويتطلب سفرا جديدا عبر مركز المدينة. ولكن يتيح تغيب الأستاذ هنا عن الحصة الأولى حضور كامل الحصة الثانية هناك. وها قد وصلت بعد رحلتين إضافيتين بـ200 أوقية، وقد حضر الأستاذ وأكمل الدرس.

الآن دقت الساعة 12 وخرج الطلاب، لكنها تعلم أن الحصة المسائية الأولى ستبدأ عند الساعة 3 ظهرا، وهي لأستاذ عقدوي (غير رسمي) وبالتالي فحضوره مؤكد، ولكنها ستكون في المبنى الرئيسي الذي بدأت به يومها.

لا تفكير على الإطلاق في العودة إلى المنزل للمقيل؛ فهو يبدو في كوكب آخر !. لديها أقل من ثلاث ساعات يتم استثمارها في توفير أجرة التاكسي بالعودة مشيًا إلى المجمع الرئيسي حيث المطعم الجامعي أيضا؛ وهو مطعم تصعب الاستفادة منه بسبب نظام الحجز المسبق. ولكن بعض الطلاب "النجباء" يستفيدون من ذلك النظام ببيع حصصهم للآخرين؛ فيجد كل ذي فائضِ "اباص" فرصة لتهدئة جوعه وإطفاء عطشه.

إذن سيكون المقيل هناك في المطعم أو تحت ظل شجرة، لا يهم.. تنطلق !

عند الساعة الثالثة حضر الأستاذ كالمتوقع، وأكمل الحصة. وبدأت الرحلة إلى الحصة المسائية الأخيرة المقامة في بناية أخرى بعيدة. وهنالك حضر الأستاذ أيضا، لكنه بعد الساعة الأولى، التي فات الطالبة كِفل منها، أخبر الطلابَ بإلغاء بقية الدرس لأن هناك مباراة هامة في كرة القدم لا بد أن يشاهدها في بيته !.

هذا أيضا كان من حسن الحظ، لأنه وفر للطالبة ساعة قبل غسق الليل لشوط العودة التي ستستغرق بعدئذ ضعف وقتها وعذابها في الصباح..

إذن رحلة الصعود إلى الجامعة والتنقل بين "مضاربها" المشتة لا يكلف يوميا أكثر من 100+200+100+100+200+100+100+100+100، وإذا كان الطالب نشطا صبورا ووجد وقتا ضائعا ـ وهو كثير ـ فقد يخفض هذه "المئين" بواحدة أو اثنتين. أما رحلة العودة فلها أيضا مئاتها ومعاركها لكن وقتها أرخص بكثير...

مع كل ذلك فإن إدارات الجامعة وكلياتها، لا ترى فائدة في إبلاغ طالبة أو وكيلها ـ بالهاتف مثلا ـ بأي تعديل طارئ على الحصص نتيجة تغيب أو تأخر أستاذ مثلا.. وكذلك إدارات الثانويات والإعداديات.. فخوض هذه الرحلة المهلكة يبدو في حد ذاته جزءا من منهجنا الدراسي العام في عهد الترحيل !!

* بقي أن نعلم أن الأب الذي كان الأخير ركوباً (من "الترحيل") قد سلك طريقه بنفس المراكب والمراحل؛ حيث وصل إلى عمله متأخرا ـ كالعادة ـ متجرعا بعض اللوم والتهديد بالعقاب.

أما الابن الكبير الباحث عن عمل فقد التزم باقتراح الوالد عليه دوما بالاستفادة من باصات النقل الكبيرة المعروفة بحافلات إيران أو باصات عزيز، فإذا لم يجدها ـ كما هو الغالب ـ اعتمد على قدميه. وكان يقول إن الحصول على وظيفة في مكتب رئيس الجمهورية أسهل من أن تصادف إحدى تلك الناقلات في اتجاهك !.

* في النهاية لم تبلغ الساعة التاسعةُ من الليل تمامَها حتى التأم شمل الأسرة من جديد، وأمضوا وقتا في الحديث عن نتائج يومهم، والتي كان أسوأها تعرض المنزل في غيابهم لسطو اللصوص وكسر الأبواب ونهب التلفاز و"الغازيات" وبعض الأثاث. وهي الغارة الرابعة عليهم منذ بنوا منزلهم في تلك المنطقة وسكنوه !.

مع هذا كانوا سعداء، وكانت وجبة عشائهم من "باسي وسليا" لذيذة سائغة. كان الأب يقول لهم كلما ارتفع سعر الحليب المجفف : احمدوا الله أن لدينا بائعات كسكس وباسي رحيمات لا يرفعن الأسعار، وهن قريبات في الجوار.
**
إنها حياة أسرة تبدو، رغم كل ذا، محظوظة من حيث وجود عائل عامل وأبناء مُجدِّين في دراستهم، متَحدِّين بصبر كل الصعاب.

أما لماذا هم سعداء وراضون فليس بسبب أرقام برنامج فخامة الرئيس ولا مؤشرات حكومة معالي الوزير الأول.. بل فقط لأنهم في كل تلك الرحلات وتلك المصائب والمصاعب يشاركهم آخرون كثر ويتساوون معهم في رحلة الكد والصبر دون تمييز.

انظروا جمال المساواة ! حتى إن كانت في البؤس والضنك فإنها تُشعر الإنسان بنعمة العدل العزيزة، على أطراف جَنات الجور ونِعم الغبن المحروسة بالأرقام المضللة والمؤشرات المحللة !.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا