بعد نصف ساعة كان علي ان أعود لعالم الواقع وأخرج من تلك اللحظات السعيدة التي انتظرتها لسنوات طوال مرت أربع منها عجاف من كل ماله علاقة بالدعة والسعادة .
قضيت سحابة يومي في حضور حفلات تخرج لزملائي الذين تشرفوا بي مشكورين وهم لا يخفون غبطتهم بحسن صنيعي وقدرة تحملي التي مكنتني من تجاوز كل تلك الصعاب لتولد تلك اللحظات السعيدة في "يوم الزينة".
في حدود :14:30 من يوم 25 يونيو 2001 أي"يوم الزينة" عدت إلى منزل زميلي الخليل ولد اجدود فوجدته جالسا في زاوية من البيت وكأنه يتناول طعاما فقلت له "انتظر حتى أتغدى معك" فتبسم ضاحكا ورد علي برحابة صدره وكرمه المعهودين"هذا لا يليق بضيافتك خاصة في مثل هذا اليوم انها قطعة خبز يابسة احاول ان اتناول منها جزءا لسد الرمق بعد أن أبلها بالماء المحلى"،ضحكت ورددت عليه بالقول :" هذا عادي قطعة خبز يابسة احسن من لا شيئ وسوف يتم تعويض كل ما فات بعد العودة للوطن إن شاء الله".
تبقت 15 يوما على نهاية مسار طالب الغربة ليعود سالما غانما لوطنه(الحجز لمغادرة تونس يوم 10 يوليو 2001)، ولكن تلك الفترة كانت بمثابة حجج لكثرة الصعوبات المتعلقة ب"الجوع ، والحر، وصعوبة التنقل بعد انتهاء بطاقات النقل الجامعية مع عدم وجود ثمن تذكرة الحافلة أو القطار، وضرورة متابعة تصديق الشهادة لدى الجهات المختصة بتونس كوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الخارجية وثمن الطوابع التي تحتاجها الشهادة للمصادقة عليها، ومتابعة اخبار الحجز والتذاكر والمنحة لدى السفارة الموريتانية بتونس.
مضت الأيام طويلة وكان الفراغ قاتلا حيث لا مادة تساعد على التنزه ولا وقت أيضا للراحة بفعل تشتت المصاعب وضرورة متابعة كل تلك المهام خلال الفترة المتبقية.
جهدت في تحصيل المبلغ الزهيد المطلوب لتشراء الطوابع وصدقت الشهادة لدى الجهات المختصة في تونس وأذكر هنا مع الشكر الجزيل وللتاريخ ما قام به حارس السفارة الموريتانية بتونس "المصطفى ولد عبد الرحمن الذي صدق لي الشهادة وتولى تكاليف الطوابع المطلوبة بعد ما رفض القنصل وقتها- وهو الذي يعلم فاقتنا كطلبة_ بحكم مسؤوليته القنصلية الرسمية عنا كجزء من الجالية_وما مدني به من دعم ومساعدة معنوية ومادية خلال إقامتي بتونس.
كنت أستعين على كل تلك الصعاب بتذكر ان العودة النهائية للوطن قريبة وستعيش الاحتفال مع االأهل والأصدقاء وتقضي الرحة الصيفية في حبور وهناءة ،كما كنت أعيش أحلام الخريجين مثلي ب"المنصب الرفيع والمقعد الوثير" وأقول بيني ونفسي ستنسى كل التعب عندما تعود للوطن وتحصل على وظيفة هي مستحقة بحكم ندرة التخصص ومادفعته من أيام شبابي النضرة وسهر من أجل العلم والعلا ببيلاد الغربة.
بتوفيق من الله ...
بقلم :محمد ولد محمد الأمين (نافع)
ملاحظة :
للتعليق والملاحظات :
oulnafaa.mohamed@gmail.com
هذه المذكرات واقعية نشرت جامعة " جورج تاون" الأمريكية مقتطفات منها في بعض كتبها المدرسية المترجمة باللغة الانجليزية التي تدرس بغالبية جامعات العالم(راجع الحلقات السابقة بالموقع (زاوية رأي).