بدأنا سنتنا الدراسية ونحن في أجواء أسرة رجالية وكان طموحنا هوأن نحقق هدفنا الأسمى وهو التماسك والاحترام والتعاون كي نصل لهدفنا الموحد وهو النجاح في آخر السنة الجامعية..لكن الرياح جرت بما لاتشتهيه السفن.
بعد شهر من تأجير المنزل انسحب إثنان من الزملاء بعد حصولهم على مسكن في الحي الجامعي بحي الزهور5 قرب المدرسة الوطنية للصحة حيث كانا يدرسان"فن التخدير".(مع حفظ الأسماء).
وجدت لهما العذر رغم أن انسحابهما جاء مفاجئا وكلفني البحث عن تعويضهما بجدد خوفا من ضرورة دفع نصيبهما من الإيجار"القانون التونسي ينص على أن الإيجار المنصوص عليه في العقد يدفع لصاحب المنزل طيلة مدة العقد).طلبت من زميلي المتبقي معي أن يساعدني في البحث عن بديلين وبسرعة جاءني بزميلين له يبدو أنه اشترك معهما فترة المراهقة والسينما في العاصمة نواكشوط(مع حفظ الأسماء) حسب ما استنتجت في ما بعد.
اجتمعنا في جلسة تعارف جديدة وترتيب للمسؤوليات مع توصيات بالاحترام والهدوء والانصراف للمهمة الكبيرة وهي الاجتهاد في الدراسة..تطبع الجميع بداية وحاولوا التحلي بتلك الخصال ..لكن الطبع يغلب التطبع.
لم تمض أيام كثيرة حتى بدؤوا يظهرون على حالتهم الحقيقية وهي الفوضى والاهمال والصخب وعدم احترام مواعيد النوم والهدوء والاهتمام بالموضة والتنزه والسينما..وأشياء أخرى..شق علي الموقف وأنا الوحيد بينهم في الموقف الصعب حيث أدرس 17 مادة وعلي النجاح أو حزم حقائبي والعودة منكسر الخاطر لموريتانيا، أما هم فمهمتهم ميسورة لأنهم في سنتهم الأولى مابين "تعليم اللغة أو فرصة الإعادة " في العام المقبل.
كانت عوامل الإزعاج كثيرة في سكني مع هذه المجموعة حيث لاقاسم بيننا في الطباع والتوجه للهدف وطريقة رؤية الحياة،بل إن الشيئ الوحيد الذي يجمعنا هو السكن.
طلبت منهم مرات عديدة الالتزام بالهدوء واحترام الجار والانصراف لدراستهم والمساعدة على نظافة المنزل والخدمة فيه وتقاسم بعض تكاليف الحياة خاصة أيام العطلة الأسبوعية والتعامل باحترام وغيرها من أبجديات التعامل وخصائص العيش المشترك لكن في النهاية كنت ك"من ينفخ في رماد".
انغمس زملائي في لهوهم وملذاتهم وبدؤوايستجلبون زملاء موريتانيين لهم على الشاكلة ذاتها ويقيمون لهم سهرات ليلية في المنزل وبدؤوا يستهزؤون بي وينعتونني بنعوت وإن كان كل ذلك من طرف خفي بسبب" عامل التجربة والسن وكوني أنا المسؤول عن المنزل".لم أعر تصرفاتهم تلك أي اهتمام متأسيا بالمثل الفرنسي القائل"القافلة تمر والكلاب تنبح"وبقيت صلبا في موقفي ونصحتهم بالعدول عن ذلك وذكرتهم بواجبهم واحتمال رسوبهم إن تمادوا في هذا الطريق المعوج.
وباختصار أدركت في النهاية أنني كنت كمن لم يسمع بالمثل "هل يستقيم الظل والعود أعوج"؟
شهران بعد ذلك جاء رمضان وكنا في حاجة...
بقلم : محمد ولد محمد الأمين (نافع)
للتعليق والملاحظة :
oulnafaa.mohamed@gmail.com
ملاحظة : هذه المذكرات واقعية نشرت جامعة "جورج تاون" الأمريكية مقتطفات منها في بعض كتبها المدرسية المترجمة باللغة الانجليزية التي تدرس بغالبية جامعات العالم(راجع الحلقات السابقة بالموقع زاوية (رأي).