لجنة حقوق الانسان : لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجهها الصحافة :|: وزارة الثقافة توضح أسباب تقدم البلد في حرية الصحافة :|: رئاسيات يونيو : مرشح ثان يودع ملفه :|: وفد من حلف شمال الأطلسي يزور موريتانيا :|: توزيع جائزتي مسابقة الخط والخطابة :|: التكتل يشكل لجنة لتحديد خياراته من الرئاسيات :|: قفزو كبيرة لمورريتانيا على مؤشر حرية الصحافة :|: أبناء مارادونا يطالبون بنقل رفاته لضريح أكثر أمانا لتكريمه :|: منظمة التعاون الاقتصادي ترفع توقعات النمو العالمي في 2024 :|: وزير : ندرس اتخاذ اجراءات تغني مواشينا عن الانتجاع خارج الحدود :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
الكودالوجيا وصناعة التأثير/ المصطفى ولد البو كاتب صحفي
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
AFP : موريتانيا أرسلت أدلة على مقتل مواطنيها لمالي
أصغر دولة في العالم يسكنها 25 نسمة فقط !!
تحديث جديد على "واتساب" يثير غضب المستخدمين !
بعد تحديد معايير التزكية... من هم مرشحو الرئاسيات ؟
محامي يحذر من تضررصحة موكله الرئيس السابق عزيز
 
 
 
 

تعديل الدستور بين الساسيين والقانونيين بقلم : د/ محمد عبدالله محمد محمود*

samedi 25 février 2012


يعتبر الدستور أسمي وثيقة قانونية في الدولة العصرية باعتباره مرجعا لكل القوانين الأخري، وبالتالي يجب علي هذه القوانين أن تكون متطابقة معه، وإلا كانت عرضة للإبطال وعدم النفاذ لخرقها للمشروعية الدستورية، ولهذا لجأت الدول إلي وسائل متعددة لضمان عدم خرق القوانين للدستور، ذلك أن مراقبة دستورية القوانين وضمان انسجامها التام مع الدستور هو حجر الاساس في أي بناء قانوني ومؤسساتي، لان الالتزام بنص وروح القانون أمر أصبح اليوم من متطلبات أي إصلاح للوضع القانوني والاجتماعي ومن ثم ضمان قيام دولة القانون، وهي اليوم الدولة الديمقراطية نقيض الدولة البوليسية الامنية التي تعد أنفاس مواطنيها، فعلي الدولة اليوم أن تتخذ من القانون الأساس لأي ممارسة اتجاه المجتمع، ومن هنا تأتي قدسية دستورية القانون ومراقبة حسن التطبيق الملائم له، بعيدا عن أية ميول تتناقض أو تتعارض مع روح القانون وهو أمر لا يصح التهاون فيه، وبالأخص في هذه المرحلة الهامة التي تتم فيها تهيئة الارضية وإقامة الأسس الحقيقية لترسيخ دولة الحق والقانون القائمة علي المواطنة في قطرنا، ولهذا يجب أن يكون الاساس راسخا ومتينا، لكي يكون البناء المشيد يستطيع الصمود أمام أي تحديات قد تبدر في طريق مراقبة دستورية القانون أو تطبيقه، الأمر الذي إن استطعنا ترسيخه نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في طريق ترسيخ دولة القانون وحقوق الانسان، وقديما قالوا لاتظهر الشمس إلا بعد انقشاع وزوال الغـــــيوم... وانطلاقا مما تقدم فإننا نساهم في الجهود المبذولة لبناء موريتانيا الحديثة، من خلال إثارة بعض الملاحظات حول دستورنا الجاري به العمل الآن، دستور 1991 والمعدل سنة 2006 حيث نري أن ما تم الاتفاق عليه من تعديلات في الحوار الماضي يبدو جليا ذا طابع سياسي بامتياز، وليس معني هذا التقليل من شأن تلك التعديلات لأنها تعبر أن تطلعات بعض النخب ويجب أن تحترم، وإنما المقصود عندنا التنبيه علي ضرورة أن تمزج تلك التعديلات بتعديلات ذات صبغة فنية، مستوحاة من مراجعة موضوعية للدستور بصفة شاملة من ذوي الاختصاص في مجال القانون العام والقانون الدستوري بالذات، من أجل سد الثغرات التي قد تكون موجودة في الدستور وهي أمور قد لا يكون في مقدور السياسيين الاطلاع عليها، وعليه فإننا قد قمنا بقراءة غير معمقة للدستور محل المراجعة ولاحظنا بحض النقاط نري أنها جديرة بالاهتمام، ونأمل من السياسيين وذوي الشأن أن ينظروها حسب القدر المتاح من التجرد والمضوعية لعلهم يدركوا ضرورتها، لما تمثله من ضمانة ضرورية لحماية حقوق وحريات الناس وسنجمل هذه الملاحظات أولا وبعد ذلك نتكلم عليها من وجهة نظر فقهية قانونية ثانيا.

أولا تحديد الإشكاليات التي تتجلي من خلال التعامل مع الدستور.

1- اشكالية افتراض مخالفة بعض نصوص الدستور للشريعة الإسلامية كيف يتم التعامل مع ذلك؟

2- اشكالية افتراض مخالفة بعض النصوص القانونية للدستور بعد صدورها؟

3- ضرورة النص علي خضوع اللوائح التنظيمية للرقابة الدستورية باعتبارها قواعد قانونية مجردة، لا تقل شأنا عن القوانين الصادرة عن البرلمان، بل إنها أعظم شأنا لأنها تتجاوز كما وموضوعا ما يصدر عن البرلمان.

4- إشكالية شغور منصب الرئاسة ومنصب ريئس مجلس الشيوخ في آن واحد؟

5- ضرورة تحديد عقوبات رادعة لمن يخالف النصوص الدستورية تتلاءم وجسامة المخالفة.

6- ضرورة انتخاب أعضاء المجلس الدستوري من بين المختصين في الميدان من ذوي النزاهة والاستقامة والكفاءة.

ثانيا وجهة نظرنا في التعامل مع هذه الإشكاليات
تمهيد

إن مراقبة دستورية القوانين تختلف من بلد إلى آخر ومن نظام سياسي إلى آخر، كما أن أجهزة القضاء الدستوري قد لانجدها في بعض الانظمة السياسية كالأنظمة التي تأخذ بنظام الدساتير العرفية أو الدساتير المرنة، حيث أنه لايمكن تصور مراقبة دستورية القوانين في تلك الانظمة. وقد تعارف الفقهاء علي أن يتحدثوا عن الرقابة السياسية – ومثلها الواضح فرنسا – والرقابة القضائية التي تتعدد أمثلتها بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقررت فيها هذه الرقابة من غير نص واضح في الدستور، وانما تقررت باجتهاد قضائي للمحكمة العليا في تلك البلاد ومروراً بالعديد من البلاد الأوربية وخاصة ألمانيا وإيطاليا ثم وصولا إلى التجربة المصرية في هذا الخصوص باعتبارها مثالا نموذجيا ينبغي للدول العربية أن تأخذه بعين الاعتبار في تجاربها بهذا الحقل.

وتعتبر الرقابة الدستورية بواسطة هيئة سياسية نتاجا للتجربة الدستورية الفرنسية، وقد قلدتها موريتانيا في هذا الاتجاه من دون أن تهتم بالمسار التاريخي والملابسات التي جعلت فرنسا تختار هذا الشكل من من أشكال رقابة دستورية القوانين وليس هذا محل تفصيل تلك الأمور، فقد أسندت موريتانيا رقابة دستورية القوانين لمجلس دستوري نذكر هنا بصلاحياته المتعلقة برقابة القوانين، تعتبر رقابة دستورية القوانين في موريتانيا أسوة بالمستعمر الفرنسي رقابة سياسية إذا نظرنا إلي المجلس من حيث تكوينه، وهيئة قضائية من حيث كونه يفصل في منازعات قانونية قضائية والمجلس نفسه يشير إلي ذلك في بعض قراراته السابقة مؤكداً ما لها من حجية وإلزام وبهذا نكون قد احترامنا رأي الفقيه والأستاذ المبرز الدكتور محمد سالم ولد ببوط، والذي ضمنه لتعليقه علي بعض أحكام المجلس الدستوري معتبرا أنه هيئة قضائية، كما أن رقابة هذا المجلس سابقة علي صدور التشريع بمعني أنها رقابة وقائية أي أنها رقابة للحيلولة دون وقوع التشريع في مخالفة الدستور، وقد دفع فرنسا إلى الأخذ بهذه الصورة من صور الرقابة، التفسير الذي ساد الفقه الفرنسي في فهم نظرية الفصل بين السلطات . . كذلك اعتبار البرلمان هو المعبر عن سيادة الأمة وأن القانون هو التعبير عن هذه الإرادة [la loi expres – sion de la volonte generale ] هذان الآمران حالا بين فرنسا وبين الأخذ بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين .

بيد أن بلادنا التي وإن كانت متأثرة بالتجربة الفرنسية إلي حد يصل المحاكات، فإنها تأخذ بمبدأ فصل السلطات بشكل مرن يصل في بعض الأحيان إلي التبعية، وعليه ما كان ينبغي لها أن تأخذ بالتقاليد الفرنسية في هذا الإطار لتناقض ذلك مع اختيارها وواقعها المعاش.

إن اختصاص المجلس الدستوري في قطرنا اقتداء بنظيره الفرنسي يعد قاصراً علي القوانين التي تصدر عن البرلمان أي القوانين بالمعني الشكلي، وهكذا استبعد الدستور الموريتاني مقتديا بالدستور الفرنسي كل رقابة علي دستورية اللوائح التي تصدر عن السلطة التنفيذية، وقد أعطى الدستور في كلا البلدين للمجلس الدستوري في هذا الصدد نوعين من الاختصاص 3) :

1 – اختصاص وجوبي يتعلق بالقوانين العضوية organiques ولوائح المجالس البرلمانية إذ نصت المادة : 86 من الدستور الموريتاني المقابلة للمادة : 61 من الدستور الفرنسي أنه " يجب أن تعرض علي المجلس الدستوري القوانين العضوية lois organiques قبل إصدارها ولوائح المجالس البرلمانية قبل تطبيقها ليقرر مدي مطابقتها للدستور " وهكذا فإن هذه المجموعة من القوانين تعرض حتماً علي المجلس الدستوري ليقول رأيه فيها مقدماً.

2 – اختصاص جوازي متروك لإرادة رئيس الجمهورية أو الوزير الأول في الدستور الفرنسي بالنسبة للأخير أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو ثلث أعضاء إحدي الغرفتين بالسبة لموريتانيا في الحالة الأخيرة، أما في فرنسا فقد حدث عام 1974 تعديل دستوري يتعلق بمن لهم حق طلب العرض علي المجلس الدستوري، إذ أضيف إلى هؤلاء المذكرين من قبل أنه يجوز لستين نائباً أو لستين شيخاً أن يطلبوا عرض قانون معين قبل إصداره علي المجلس الدستوري ليقول رأيه في مطابقة ذلك القانون أو عدم مطابقته للدستور، وهكذا اتسع نطاق من لهم حق العرض علي المجلس الدستوري، ليعرض كل منهم أي قانون أقره البرلمان قبل إصداره علي المجلس الدستوري ليقرر مدي مطابقته للدستور.

وفي الحالتين – حالة الاختصاص الوجوبي وحالة الاختصاص الاختياري – يجب أن يبدي المجلس الدستوري رأيه خلال شهر، ومع ذلك فلرئيس الجمهورية بالنسبة للدستور الموريتاني وللحكومة حسب الدستور الفرنسي، أن تطلب في حالة الاستعجال تقصير هذه المدة إلى ثمانية أيام حسب المادتين الآنفتي الذكر، وقد نصت المادة : 87 من الدستور الموريتاني المقابلة للمادة : 62 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 علي أن " النص الذي يعلن عدم دستوريته لا يجوز إصداره أو تطبيقه.

كما نصت تلك المادة أيضاً علي أن قرارات المجلس الدستوري لا تقبل الطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن وهي ملزمة للسلطات العامة ولجميع السلطات الإدارية والقضائية .

وهناك استثناء هام من القوانين التي يجب أو التي يجوز عرضها علي المجلس الدستوري لمعرفة مدي دستوريتها تلك هي القوانين التي يتم إقرارها عن طريق الاستفتاء العام، إذ أنها عندئذ ستمثل التعبير المباشر عن السيادة ولا يصبح هناك مجال للبحث في دستوريتها بعد ذلك، وقد استطاع الرئيس شارل ديجول أن ينفذ عن هذا الطريق ويعدل الدستور لتقرير طريقة الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية بغير الطريقة المنصوص عليها في الدستور نفسه لتعديله، ولم يستطع أحد أن يثير عدم دستورية ذلك التعديل نظراً لأنه أقر في استفتاء شعبي عام.

وإلي جوار رقابة الدستورية فإن للمجلس الدستوري اختصاصات أخرى عهد إليه بها دستور1991 الموريتاني ودستور1958 بعضها يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية وما قد يثار حولها من دعاوي بالإضافة إلي تكليفه بإعلان نتائج الاقتراع حسب المادة : 83 من دستور موريتانيا، كما في حالة نزاع يتعلق بصحة انتخاب أعضاء البرلمان أو عدم صحته (المادة:84) من دستور موريتانيا، ويسهر المجلس علي صحة عمليات الاستفتاء ويعلن نتائجها(المادة:85)

كذلك فإن المجلس هو الذي يقرر وجود عائق يعوق رئيس الجمهورية عن مباشرة مهام منصبه، وما إذا كان ذلك العائق مؤقتاً أو دائماً علي أساس طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الجمعية الوطنية أو الوزير الأول (المادة : 41)، وإذا قرر المجلس أن العائق الذي يعوق رئيس الجمهورية هو عائق دائم فان انتخابات جديدة تجري لانتخاب رئيس جديد خلال ثلا ثة أشهر بالنسبة للنظام الموريتاني (المادة : 40) وعشرين يوماً علي الأقل وخمسة وثلاثين يوماً علي الأكثر بالنسبة للنظام الفرنسي.

كذلك فان للمجلس الدستوري اختصاصاً هاماً عند الرجوع إلى المادة 16 من الدستور – وهي التي تقابل المادة : (39) من الدستور الموريتاني– حيث تخولان رئيس الجمهورية في حالات الخطر الداهم الذي يهدد المؤسسات الدستورية سلطات واسعة، ويجب أن يبدي المجلس الدستوري رأيه قبل إمكانية اللجوء إلى المادتين الآنفتي الذكر وأن يبدي رأيه في كل قرار يصدره الرئيس ولكنه مع ذلك يظل ذو قيمة أدبية وسياسية كبيرة .
كان هذا عن اختصاص المجلس الدستوري .

ويتضح مما سبق أن رقابة دستورية القوانين في بلادنا أسوة بالمستعمر الفرنسي تعد رقابة سياسية ووقائية وقاصرة، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار الاختلاف الجوهري بين بلدنا والجمهورية الفرنسية ذات التقاليد العريقة في هذا الإطار، ويزداد الأمر وضوحا إذا تذكرنا السياق التاريخي وفلسفة وتطور الرقابة الدستورية في ذلك البلد.

علما أن المشرع الفرنسي أقر مشروع تعديل في عام 1990 بيد أنه لم يتم العمل به لاعتبارات معروفة، وقد قال السيد جورج فيديل في هذا التعديل بأنه – وإن لم يكن في ذاته ثورة – إلا انه كان تطورا وإصلاحا حقيقيا في الحياة الدستورية

وإن كنا نعتقد أن الأمر لن يتوقف عند هذا الذي حدث وأن عجلة التطور ومبدأ سيادة القانون سيدفعان الأمور دفعاً نحو صورة أكثر فعالية من صور الرقابة علي دستورية القوانين،

رغم كل محاولات المجلس الدستوري في فرنسا لتوسعة اختصاصاته عن طريق التفسير وعن طريق ما أخذ به من فكرة الخطأ الواضح في التقدير errens manifeats lapreciation – وهي فكر ابتدعها في الأصل مجلس الدولة – ونقلها المجلس الدستوري إلى مجال التشريع، برغم كل ذلك فإن الرقابة علي دستورية القوانين في موريتانيا وفرنسا تظل قاصرة ومتخلفة عما هو سائد في الولايات المتحدة وفي كثير من البلاد الأوروبية . . وحتي البلاد العربية، فالمجلس لا يجوز له أن يتصدى من تلقاء نفسه لموضوع الدستورية كذلك فإن المحاكم لا يجوز لها أن تحيل إليه ما قد تري أنه مخالف للدستور من نصوص تشريعية، لأن النص التشريعي متي صدر ووقع عليه رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة الرسمية فقد سد أمامه باب الطعن بعدم دستوريته، ومن ناحية أخرى هامة أيضاً فإن الإفراد الذين قد تمس التشريعات الصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية ليس لهم الحق بالدفع بعدم دستورية هذه القوانين. كل هذه الاعتبارات تنتقص من مدي فاعلية هذه الرقابة التي يباشرها المجلس الدستوري في مواجهة " مشروعات " القوانين والتي لا ينعقد اختصاصه بها إلا بطلب من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو تلث أعضاء إحدي الغرفتين أو ستين عضوا من أي من المجلسين حسبما تم تفصيله من قبل، ولكن الإفراد الذين تطبق عليهم القوانين هم في نهاية الأمر مجردين من كل سلاح في مواجهة هذه القوانين.
وهو ما يجعلنا اليوم ندعو إلي توسيع رقابة دستورية القوانين في بلدنا والرقي بها إلي رقابة قضائية لاحقة، تجيز للأفراد رفع دعوي أمام المحاكم بعدم دستورية قانون معين أو نص في قانون معين، أو الدفع بعدم دستورية القانون المطالب بتطبيقه.

وبعد هذا العرض الموجز لصلاحيات المجلس الدستوري في بلادنا مقارنا بنظيره الفرنسي، نشير إلي بعض الملاحظات علي دستورنا الوطني من أجل أن تنال ما تستحقه من النقاش من قبل المختصين لأننا نراها جديرة بالاهتمام ونجمل هذه الملاحظات في النقاط التالية :

النقطة الأولي : إشكالية افتراض مخالفة بعض نصوص الدستور للشريعة الإسلامية كيف يتم التعامل مع ذلك؟

إن الأديان السماوية تري أن المبادئ والقواعد السماوية أسمي من القواعد الوضعية، ولذا فإنها عندهم تلزم المشرع الوضعي وتسمو عليه ولا يجوز له الخروج عليها، فإن هو خرج عليها أصبح في اعتبارهم خارجاً علي مفهومهم لمبدأ المشروعية هو في الشريعة الإسلامية قوله تعالي (وما آتيكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) وقوله صلي الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقوله : "كل فعل ليس عليه أمرنا فهو رد" كما أن الإجماع منعقد علي رد كل رأي يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية أحري إن كان يخالف نصا من نصوصها،

وإذا كانت الغالبية من دول العالم المعاصر لا تربط مثل هذا الربط بين قواعد القانون الطبيعي أو قواعد الدين ولا ترتب النتائج السابقة للخروج عليها، فإن الدولة الحديثة تعرف مبدأ تدرج القواعد القانونية بحيث أن القاعدة الأعلى تحكم القاعدة الأدنى شكلا وموضوعاً،

فإذا جاءت قاعدة أعلي وقررت حقا معيناً وفرضت شكلا معيناً لممارسة هذا الحق فإن أي قاعدة أدني تخالف القاعدة الأعلى سواء من حيث موضوع الحق أو من حيث كيفية ممارسته، تعد قاعدة غير مشروعة لخروجها علي مبدأ تدرج القواعد القانونية حيث تسموا القاعدة الأعلى علي القاعدة الأدنى، وبالتالي فإن الدساتير التي تعتبر الشريعة الإسلامية مصدرها الأساسي أو الوحيد كما هو حال الدستور الموريتاني، إذا ما خالفت بعض موادها الشريعة الإسلامية تصبح غير شرعية لمخافتها لقواعد أسمي تستمد شرعيتها منها، حسب ما جا في ديباجة دستور1991

بل إنه يمكن أن يقال إن أساس فكرة الرقابة علي دستورية القوانين تعود بالأساس إلى نظرية أولئك الفلاسفة الذين كانوا يؤمنون بقانون طبيعي يسمو فوق سائر القوانين الوضعية، بحيث لا تملك تلك القوانين أن تخرج عليه فإن هي خرجت عليه عدت خارجة علي الناموس الطبيعي ولا تستطيع أن تلزم الناس إلا بالقهر والإكراه .

وكما يقول لورد دينيس لويد في كتابه " فكرة القانون الفكرة القائلة بان هناك من وراء النظم القانونية المعمول بها في مختلف المجتمعات، قانوناً أسمي يمكن علي أساسه أن نحكم علي القانون البشري الوضعي، هذه الفكرة قد أدت إلى نتائج مهمة في الكثير من مراحل التاريخ البشري الحرجة، ذلك أنها قد أدت إلى استخلاص نتيجة مؤداها أن هذا القانون الأسمي يجب ويلغي القوانين الفعلية لأي مجتمع معين حين يتضح أنها مخالفة للقانون الأسمي، وليس هذا فحسب بل إن هذه النتيجة يترتب عليها جواز إعفاء الفرد من واجبه تجاه الخضوع للقانون الفعلي، بل إنه يملك الحق الشرعي في التمرد علي سلطة الدولة الشرعية.

والدولة الحديثة – في الأغلب الأعم – دولة لها دستور، ولما كانت الجهة التي تضع الدستور هي السلطة التأسيسية ( pouvoir constituent )، وبما أن الدستور هو الذي يحدد سائر سلطات الدولة الأخرى ويحدد اختصاصاتها وكيفية ممارسة هذه السلطات، بما في ذلك السلطة التشريعية ويبين كيفية تكوينها وكيفية ممارستها لاختصاصها، فإن تلك السلطات التي حددها الدستور لا تملك الخروج علي ذلك الدستور الذي يمنحها سند وجودها وسند اختصاصها.

ولما كانت البرلمانات المنتخبة في الدولة القانونية الحديثة هي التي تتولى أساساً سلطة التشريع وسن القوانين . . فان هذه البرلمانات – باعتبارها سلطة التشريع – تلتزم بحكم الدستور ولا تستطيع الخروج عليه، فإن هي خرجت عليه تعين ردها إلى الطريق السليم.

ولكن كيف ترد السلطة التشريعية إلى الطريق القويم؟ ذلك هو جوهر فكرة رقابة دستورية القوانين.
والتشريع بالمعني الشكلي تستأثر به سلطة التشريع علي النحو السابق، أما التشريع بالمعني الموضوعي فإنه يتسع ليشمل كل قاعدة لها صفة العموم والتجريد، وعلي ذلك فإن التشريع بالمعني الموضوعي يشمل القوانين واللوائح الصادرة عن الجهة التي يحدد الدستور أو القانون حقها في إصدار مثل هذه اللوائح .

والحقيقة أن الناس في حياتهم العادية واليومية يتعاملون مع القواعد اللائحية أكثر من تعاملهم مع القواعد الواردة في القوانين، ومن ثم يصبح من المتعين أن تلتزم هذه اللوائح بحكم القواعد التي تسمو عليها والتي هي بمثابة سند وجودها سواء في ذلك قواعد القانون أو قواعد الدستور الذي هو أسمي القواعد القانونية في الدولة الحديثة.

ومن هنا نستطيع أن نقول أن فكرة تدرج القواعد القانونية والتزام أدناها بأعلاها وسمو أعلاها علي أدناهما، هي بدورها من الأفكار التي أدت إلى قبول وسيلة الرقابة علي دستورية القوانين باعتبار أن هذه الرقابة هي الوسيلة الفعالة لضمان الالتزام بكل القواعد السابقة حسب تراتبيتها،

وقد كان فقه الفقيه النمساوي الكبير كلسن في بدايات القرن العشرين واحداً من أهم المصادر التي قادت إلى قبول فكرة الرقابة ولعلها كانت وراء إنشاء أول محكمة دستورية متخصصة في الرقابة علي دستورية القوانين في العالم الحديث، وهي المحكمة الدستورية العليا في النمسا والتي أنشئت عام 1920

والخلاصة أن الدستور لا يمكن أن يخالف مصدره وإلا تعرض للإبطال وعدم النفاذ انطلاقا من الاعتبارات التي تم تفصيلها آنفا، كما أن القوانين لا يمكن لها أن تخالف الدستور لتلك الاعتبارات ذاتها.
النقطة الثانية :

إشكالية افتراض مخالفة بعض النصوص القانونية للدستور بعد صدورها؟

يؤخذ مما تقدم في التمهيد أن الرقابة السياسية السابقة في غاية القصور، وبالخصوص الرقابة الاختيارية التي تخضع لها جل القوانين والتي قلما يقام بها، وعليه تكون هذه القوانين معرضة كثيرا لمخالفة الدستور، ويبقي المواطن والقاضي ضحيتان في حالة مواجهتهما لقانون مخالف للدستور، فلا القاضي يستطيع الامتناع من تطبيقها ولا المواطن يستطيع الدعوي أو الدفع بعدم دستوريتها، وهو ما يحتم منحهما آلية لمواجهة هذه الحالة، من خلال رفع دعوي أصلية أو الامتناع لعدم دستورية القانون المنطبق علي النازلة.

لم يشر الدستور إلى امتداد مجال رقابة المجلس الدستوري للقوانين الاستثنائية أو الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على المادة 60 من الدستور، أو في الحالة الاستثنائية عندما تكون البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها المادة : 71 من الدستور.

كما أن القوانين الإستفتائية وهي تلك القوانين التي تعرض على الشعب ليدلي برأيه حولها بواسطة الاستفتاء، لا تخضع هي الأخري لرقابة الدستورية ذلك لأن المجلس الدستوري الفرنسي حسب اجتهاد مقارن لا يملك الفصل في صحة قانون يعد تعبيرا مباشرا عن السيادة الوطنية، فالشعب عندما يعبر عن إرادته فإن تلك الإرادة لا تخضع للرقابة و هي غير ملزمة باحترام الدستور.

يتواصل بإذن الله.

* باحث متخصص في العلوم الشرعية والقانونية

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا