من أحاجي الصغار أن الطريق أو المسلك مهما طال لن يكون له ظل ، وتلك حقيقة عقلية لا مراء فيها ، لكن الذي لم يكن يدركه الصغار عندنا أن "الطول بلا ظل" سيأتي عليه اليوم الذي يتجاوز المسالك والطرق ليشمل حتى البشر ، ولأن الظل في الاصطلاح يعني امتداد المنفعة إلى ما بعد الأصل ، فإنه يمكن تصور كيف صارت كل الأشياء عندنا بلا ظل .
فكم من مسؤول فينا صاحب يد طويلة لا يرى ظلها لخفة فيها وهي تمتد لنشل قوت المساكين ، وحين تعود لأصلها تلتصق الراحة بالمنكب حتى لا يتجاوز الظل فم صاحبها . وكم من خطيب فينا يذهلك ببيانه حين يريد " تجميل " نفسه أو الرفع من قدر الخفافيش ، حتى إذا تعلق الأمر بالظل لم يخرج لسانه الطويل إلا ليشارك في لعق عرق المساكين الواقفين تحت لهيب الشمس .
وكم من تاجر فينا لا يطفف إلا في حدود ما شرع لنفسه من تربح يجعله بسرعة البرق ضمن " أصحاب الذكر" ممن عروا الأرض حتى من الظل . المعارضة عندنا طويلة عريضة ، إن عددت أطيافها (خاصة على الورق ) وجدت أرقاما فلكية ، أسماؤها قد تكون من الأسماء التي عجزت الملائكة عن معرفتها أو أن الله لم يشأ أن يعلمها لملائكته لحكمة يعلمها تعالى تتعلق بما ينفع الناس . ومع ذلك إن بحثت عن ظل لهذه المعارضة لن تجد غير أطياف من ورق . حكومتنا " الموقرة " من فرط خوفها علينا من برد الظل لم يعد لها من ظل لأنها حكومة " شفافة " .
لكن ظلا واحدا سيبقى شامخا شموخ أصله ، لأنه ليس طيفا ولا هو من ورق ، إنه ظل ذلك الجندي الذي يقف وعيناه على كل حبة رمل في أرضنا يحرسها ويرفع هامته كي يتسع الظل لنا جميعا ، وإن كنا غير جديرين بأن تظلنا تلك الهامة ، لأننا حين تغيب الشمس ننسى حاجتنا للظل بل ونتنكر لفضل صاحبه ، ولأن ذاكرتنا ضعيفة ومثقوبة ولم تعد تحتفظ بذكرى شهدائنا بالأمس في أكثر من مكان ، فهل يكن أن نسأل أنفسنا عما إذا كنا سنسكت مثل عادتنا عن مأساة الدر كي ( اعل ولد المختار ) الذي اختطف وهو يحمل بندقيته دفاعا عنا بينما كان ساستنا أو مهرجونا يفرغون حمولتهم في دورات المياه , هل بلغ العجز بحكومتنا حد عدم القدرة على معرفة أي شيء عن مصير هذا الجندي الذي يدفع ثمن إخلاصه لنا نحن الذين أثبتنا أننا لا نستحق هذا الإخلاص ؟ . وهل بلغ بأحزابنا كره تدخل العسكر في السياسة حد " التشفي " في مأساة إنسانية كمأساة هذا الجندي ، وإلا فأين سيل بيانات التنديد التي كانت تمطرنا بها عند كل نهيق لحمار أو مواء لقط ؟ .
لك الله يا ولد المختار ..... كم كنت جوادا حين جدت علينا بروحك وجدنا عليك بتخاذلنا وصمتنا ، وكم كنت شجاعا حين كنت تتحسس بندقيتك ومقلتاك في وجوه الغادرين ، وكان كل منا يتحسس مؤخرته ويسأل نفسه هل أصيبت ؟ . كم كنت نبيلا حين قررت أن تضحي وحدك وتنقذ رفيقك ، ونحن هنا يا سيدي يبيع بعضنا أخاه بحبة قمح !.
لقد افتقدنا يا سيدي ظلك الذي يحمينا من لهيب الشمس المحرقة ، فمتى ستعود ؟
محمد فال ولد القاضي
الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة
هاتف / 22 21 37 76
memoireetjustie@yahoo.fr