لئن تهافت السياسيون بهذه العمليات الانتحارية معتبرينها بطولة من أجل البطولات، فإن تصنيف الدين لهذا النوع من الجرائم البشعة سيبقى ثابتا ولو طبل بعضهم لبعض، واتبعوا الأهواء، ولم يأبهوا لغير ما يخدمهم دنيويا وسياسيا...
نعم قتل الإنسان لنفسه إن كان في فرنسا أو آمريكا أو روسيا والصين على سبيل المثال... قد يعتبر بطولة بمفهوم الإلحاد والشرك والكفر، وكل من يسير في موكب أولئك الذين ليس لهم مطلب إلا هذه الحياة الدنيا.... يقول سبحانه وتعالى :(وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى : ٢٠)...
ف"بوعزيزي" في دستور هؤلاء المذكورين آنفا.. بطل خالد في تاريخهم..
أما نحن من نعتقد أننا مسلمون فبطولاتنا يحددها الشرع القويم المستمد من كتاب الله العزيز.. وسنة أفضل الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ف باسم السياسة قولوا ما تشاؤون عن بوعزيزي المنتحر وأمثاله.. أيها المطبلون لهذه القضية الانتحارية....
أما باسم الإسلام فكفوا عن العبث... كفوا رجاء.. فديننا لن يشوبه تحريف، ولن يخالطه تزييف... لا وكلا...
وهيا أيها المؤمنون، هدانا الله جميعا، نتذكر جزء يسيرا مما قال الشارع في حق هؤلاء المنتحرين قتلة النفوس، المرتكبين إحدى أبشع الجرائم في حق الإنسانية دينيا وخلقيا، واقتصاديا، واجتماعيا...
فإن كان الله تعالى قد نهانا عن قتل الأولاد خشية فاقة أوفقر.. فالنهي بالأحرى عن قتل النفوس، تطبيقا للقاعدة الأصولية "أحروي قطعي" ومثالها : من يعمل مثقال ذرة خير يره.. فأحرى أن يعمل قنطارا... يقول سبحانه وتعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء : ٣١)..
ويقول تعالى في حق قتل النفس المتعمد.. (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (الإسراء : ٣٣)... ويقول تعالى :(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء : ٩٣)
وهو إطلاق يشمل قطعا نفس القاتل.. وهل فوق حرق الإنسان لنفسه جهارا نهارا على رؤوس الاشهاد
إنها جرأة ومجاهرة بهذه الكبيرة فاقت كل القياسات... فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
أما النسبة للأحاديث النبوية الشريفة التي تؤيد هذا المعنى، فمنها :
عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (َمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ) (صحيح البخاري- الجنائز)..
عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ - رضى الله عنه - فِى هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا ، وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِى عَبْدِى بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » (صحيح البخاري – الجنائز)..
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ . قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ...) (صحيح البخاري- الجهاد)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »( صحيح مسلم- كتاب الإيمان)
فاتقوا الله يا أيها الملبسون المتشدقون ... ولا تلووا عنق الدين.. اتقوا الله.. فالنصوص صريحة في حق قاتل النفس أنه من أهل النار وأنه من الأشقياء والعياذ بالله... ولو كانت نتائج قتله لنفسه رفع الطغيان والظلم... فالله يسلط الظالم على الظالم.. والفاجر على الفاجر.. والشواهد التاريخية أكثر من أن تحصر.. والغاية الشريفة لا تبرر إطلاقا الوسيلة الدنيئة المذمومة...
واتقوا الله يا أيها المومنون اتقوا الله... واحذروا من تحليل حرام أو تحريم حلال.. فالحلال بين.. والحرام بين..
إنا نبرأ إليك مما فعله بوعزيزي التونسي أو أمثاله من المصريين والجزائريين والموريتانيين أو غيرهم... فهم قتلة نفوس.. والنصوص صريحة في حق قاتل النفس... ولقد غدوا جميعا وصمة عار في جبين أمة الإسلام...
اللهم ونبرأ إليك ربنا، من كل عالم يحاول أن يلوي عنق الدين في هذه القضية.. ونبرأ إليك من كل جاهل لا يحق له غير التقليد التام، يحاول العبث بالنصوص ويتجرأ على التأويل والتفسير معلنا أن هؤلاء المنتحرين شهداء، أو أنهم يلتمس لهم مخرج حسن، حتى... فهيهات ثم هيهات، وما أبعد هؤلاء المنتحرين من كل ذلك.... وشتان ما بين الثريا والثرى... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
..
المكتب الإعلامي لرابطة شباب رباط الفتح