قراءة في كتاب جمهرة رحلات الحج لمؤلفه الاستاذ / أحمد محمد محمود

تعتبر موسوعة جمهرة رحلات الحج لمؤلفها الأستاذ / أحمد محمد محمود من أبرز الموسوعات التي صدرت في موضوع الحج لحد الآن ، لما تتميز به من موضوعية علمية ومنهجية راقية ،وجودة في الأسلوب وسعي حثيث نحو الإحاطة بالرحلات الخاصة بالحج

وقد تم لحد الساعة انجاز أكثر من عشرة أجزاء من هذه الموسوعة الشاملة الهامة ،والتي صدرت اجزاؤها الأولى باسم رحلات الحج سنة 2009 ،كما صدرت اجزاؤها الأخرى سنة 2012 وما يزال المؤلف يواصل البحث والتنقيب سعيا لإصدار المزيد منها

جمعت هذه الجمهرة كما هائلا من الرحلات التي قام بعض علماء ومؤرخي ونبلاء المجتمع الإسلامي على مدي حقب تاريخية عديدة، كما شملت الكثير من رحلات الحج الخاصة بالغربيين الذين كان باعث بعضهم حب الاستطلاع والمغامرة واكتشاف المجهول، كما كان باعث البعض البحث العلمي والتعرف على الإسلام والمجتمعات المسلمة الشرقية أحيانا، والجاسوسية والعمل الاستخباراتي احايين كثيرة .... وقد اختار المؤلف عنوانا جميلا ومعبرا هو رحلات الحج المحرمة لتلك الرحلات التي قام بها بعض رحالة الغرب بهدف العمل الاستخباراتي الممهد للاستعمار الغربي للمنطقة العربية التي تعتبر الجزيرة العربية قلبها النابض ومركزها الروحي الأساسي .

تعطي موسوعة جمهرة الرحلات وصفا شاملا لسكان المناطق العربية التي زار الرحالة، والتي منها الجزيرة العربية وسوريا والعراق ومصر وفلسطين والأردن واليمن ولبيا ....

حيث اقتصر حديث جل رحالة المسلمين على وصف عناء الرحلة والتعبير عن شوق زيارة مكة والمدينة ،والحديث عن بعض أحكام الحج وذكر بعض الأعلام والمعالم الحضارية التي يمر بها الرحالة، بينما تميز الرحالة الغربيون بمحاولة الاستقصاء والإحاطة من خلال وصف ما شاهدوه مما يتعلق بالسكان والأرض،حيث وصفوا السكان في تفاعلهم الاجتماعي سلبا وإيجابا ،وفي عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية في الزواج والزينة والموسيقي والرقص ،وفي المأكل والمشرب والسلم والحرب كما وصفوا الأرض وما حوت من تضاريس ونباتات، إضافة إلى وصف انطباعي للأوضاع الاقتصادية والسياسية يقول الرحالة الالماني هورفمان في وصف غدامس " سكانها كثيرون جدا وهم من نوعية راقية وعاداتهم مقبولة تماما، يمتازون بالدماثة ولطف الحديث وهم شعب تجاري .... ويقول في سياق آخر متحدثا عن فزان ( ليبيا ) "وتمتاز نساء فزان بولع شديد بالرقص والطرب ومما يدهش المسافر المسلم ذلك المظهر المرح للمرأة والحريات العامة التي تمنح لها رغم كونها مسلمة" .

وتقدم جمهرة الرحلات معلومات وفرائد علمية هامة مثال ذلك ما أورده المؤلف عن كتاب الحكمة الذي هو المرجعية الروحية للدروز، فقد ذكر الرحالة الأمريكي وليام بويهدر سبروك ان الطبيب المسيحي نصر الله" حصل على نسخة منه من أحد مشايخ بعقل وقدمه للملك لويس الرابع عشر وتوجد نسخة منه في المكتبة الملكية وفي مكتبة الفاتيكان" نطلع من خلال موسعة رحلات الحج ( جمهرة الرحلات كما سماها المؤلف) على صورة مكة والمدينة، والمسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ،كما وردت في مذكرات الرحالة وخصوصا رحالة الغرب الذين انبهروا بقدسية المكان وبشعائر وأدبيات الحج، كما تقدم كما هائلا من المعلومات النادرة عن المجهود الذي بذل المبشرون المسيحيون بالتنسيق مع قوى الإستعمار التوسعي وتوضح كيف فشل هذا المجهود، ومن الأمثلة على ذلك ما قام به المبشر ارشيبا لد الذي قام 1900 برحلة تبشيرية استكشافية داخل الأراضي العربية حيث كان يجلد نسخ الإنجيل بأغلفة قرآنية يوزعها على سكان المناطق العربية التي يمر بها، ويصف هذا الرحالة ومن هم على شاكلته من الرحالة كيف كان الناس غير راغبين في مخالطتهم، وكيف حاول بعض الناس السعي إلى قتلهم حين يتأكدون أنهم جاؤوا لتحقيق أهداف خبيثة ويعلق المؤلف على مجهودات هؤلاء الرحالة الاستخباراتيين " "أثبت الواقع أن رحلات المبشرين المسحيين في الجزيرة العربية لم تحقق نتائج ايجابية بين أمة تدين بالإسلام ولا تركع إلا لله الواحد القهار وبقيت إلى اليوم جزيرة العرب لا يجتمع فيها مع دين الوحدانية ، دين الإسلام خاتم الأديان السماوية دين آخر والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة "

وتعبر الكثير من المذكرات التي دونها الرحالة الغربيون والتي كشف عنها المؤلف النقاب لأول مرة عن دسائس القوى الاستعمارية وما بذلت من جهود ظاهرها البحث العلمي والتعرف على العالم الغربي والإسلام وباطنها المكر والسعي إلى احتواء المنطقة العربية والسيطرة على اقتصادها وتدمير مرتكزاتها الدينية والثقافية .

وقد ترجم المؤلف لأبرز رحالة المغرب العربي من أمثال الرحالة أحمد المصطفي بن اطوير الجنة ومحمد يحي بن ابوه اليعقوبي الشنقيطيين والدكتور عبد الهادي التازي المغربي ومحمد بيرم الخامس التونسي

وقد امتازت تعليقات المؤلف واستطراداته وتحليلاته بالعمق والطرافة وعبرت عن خلفيته الإعلامية والثقافية، ولا غرابة في ذلك فهو كاتب صحفي جمع بين المهنية والموهبة ومثقف موسوعي فقد تخرج من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1964 ثم عمل قي عقل الإعلام منذ 1962 ولغاية 2001 وقد مارس كل الوظائف الإعلامية من متعاون إلى منتج إلى رئيس تحرير إلى مدير، فقد رأس تحرير جريدة عرب انيوز ( أول يومية انجليزية صدرت عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق ) . كما تولى رئاسة تحرير جريدة المدينة المنورة عام 1976 ثم عين مديرا عاما لمطابع دار العلم 1983 ثم مديرا عاما لشركة تهامة للإعلانات والعلاقات العامة بجدة 1986 ثم رئيسا لتحرير جريدة المسلمون الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر إلى غير ذلك من الوظائف الإعلامية التي اكسبته خبرة إعلامية وثقافية واسعة .

ونشير في الأخير إلى أن هذا الكتاب صدر في ثوب قشيب وبطبعة جيدة وإخراج مهني راق عن مطبعة المحمودية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية .