بقيت ثلاثة أيام وكان ذلك يعني ضرورة بدء مراسيم الوداع ..وما أدراك ما تعنيه مراسيم الوداع ..إنها بمثابة الميلاد من جديد بالنسبة لي وفي بيئة جديدة تماما من ناحية،ومن ناحية أخرى تعني البكاء على أطلال كثيرة علي وداعها في تونس ومفارقة أخلة أثروا في وربما ساهموا في صناعةمستقبلي من خلال النصح والمساعدة تارة،وإنارة الدرب بفقرات من تجاربهم التي كانت ساطعة في دروب الحياة الجامعية.
كان مجرد التفكير في مراسيم الوداع يقلقني كثيرا لأنه يعني الصراع مع المجهول بالنسبة لي كما يعني، أيضا الانتقال لطور معاكس من الحياة وفي بيئة مغايرة تماما.
بدأت مراسيم الوداع بمجموعات من الاصدقاء الذين رافقوني خلال مشواري طيلة الخمس سنوات وهم معرفون لدينا بجماعة "العمارة18 بحي الحديقة" ثم تلت ذلك جماعات لأخرى متفرقة في منازل متعددة بحي الحديقة وما جاورها من حي بن خلدون وزرت زميلي حبيب الله في المرسى وودعت زملاء كثر آخرين.
أما وداع العاصمة تونس فاقتصر على اخراج صور لأماكن سياحية طالما عشقتها واستعراضها مع إدارة "شريط الذكريات للوراء على استمتع بلحظات خالدة فيها ومن بين تلك الأماكن :" ساحات بلاس باستير، وحدائق ثامر والبلفديروساحة 7نوفمبر في باردو ومحطات برشلونه والجمهورية وباب الفله و48 ديسمبر وتونس البحرية .
طبعا لم أنس أماكن سياحية من قبيل شارع 7 نوفمبر "لحبيب بورقيبه" وسط العاصمة والمرسى والكرم وسيدي بوسعيد بالعاصمة، ومرسى القنطاوي في سوسة.
كماشملت أماكن كانت لها محطات في "شارع ذكرياتي الأولى"من قبيل"الوردية الرابعة" ببن عروس" وحي منفلوري وحي السيدة وحي بن خلدون، حيث سكنت لخمس سنوات كانت هي فترة صناعة هذه اليوميات.
كانت كل تلك الأماكن تجمعني معها ذكريات لا تنسى القاسم المشترك بينها هو السعادة وصناعة التاريخ والذكريات.
ودعت أخيرا زميلي الخليل وجماعته ثم كان آخر من صافحته وعبرة الوداع تخنقني هو أستاذي وزميلي عمار وأخته،بعدما أديت له كتبا ثمينة تقديرا له على مساعدتي وأختيه على وجه الخصوص في مشواري الدراسي.
في ذلك اليوم كانت عقارب الساعة أسرع رغم شدة الحرارة.وكانت سيارة التاكسي تغذ السير بي لتقربني من المجهول وأنا أستغرق في بحر من الحسرات على مغادرة ربوع العاصمة تونس ولسان حالي مثل طفل فرق بينه وأمه للأبد !
وصلت مطار تونس قرطاج الساعة الواحدة زوالا يوم 10يوليو 2001وكان الجو احتفاليا حيث الرحلة المسافرة خاصة بالطلبة العائدين،بعد حوالي ساعة حلقت بنا الطائرة في سماء تونس الحبيبة إيذانا بالوداع الأخير لتلك الربوع الخضراء.
كانت الرحلة ممتعة ولم نشعر بطولها كالمعتاد(5ساعات) نظرا لأجواء المتعة التي كنا نشعر بها خاصة المتخرجون الذين مازالوا يعيشون على فرح تحقيق النجاح وأحلام اليقظة بالمنصب الرفيع والمكتب الوثير.
في حدود الساعة السابعة مساء....
بقلم :محمد ولد محمد الأمين (نافع)
ملاحظة :
للتعليق والملاحظات :
oulnafaa.mohamed@gmail.com
هذه المذكرات واقعية نشرت جامعة " جورج تاون" الأمريكية مقتطفات منها في بعض كتبها المدرسية المترجمة باللغة الانجليزية التي تدرس بغالبية جامعات العالم(راجع الحلقات السابقة بالموقع زاوية رأي).