في عمق الصحراء الشرقية وعلى بعد 27 كيلومترا من سفاجا (إحدى مدن محافظة البحر الأحمر بمصر) تقع قرية "أم الحويطات" أو كما يطلق عليها حاليا "قرية الأشباح".
وأكثر ما يميز هذه القرية هو الهدوء الغريب الذي يخيم عليها بعد أن هجرها سكانها واضطرتهم الظروف لمغادرتها منذ نحو أكثر من عقدين من الزمان، تاركين وراءهم بيوتا متهالكة تحكي جدرانها حكايات من عصر مضى، ويتوسط البيوت مسجد لا يزال صامدا كما هو بمئذنته التي تقف متحدية زحف الصحراء.
أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، وتحديدا عام 1902 بدأت أعمال بحث مكثفة بالقرب من سفاجا، بهدف العثور على المواد الخام، وتمكن الجيولوجيون الأجانب بقيادة المهندس "آندي" من تحديد نسبة ضخمة من الفوسفات، وهو معدن مهم لصناعة الأسمدة.
وأدرك "آندي" الإمكانات الاقتصادية للمنطقة، خاصة مع قربها من البحر. وعهدت إليه القوات البريطانية مهمة تأسيس أهم قرية تعدينية في مصر، وتم إنشاء خط سكة حديد يربط بين "أم الحويطات" وميناء سفاجا لنقل المواد الخام ثم شحنها إلى إنجلترا.
وجلب هذا المهندس الكثير من العمال من مناطق متفرقة في مصر للعمل بالمناجم، حتى عاش بالقرية في أوج ازدهارها حوالي 16 ألف شخص، وهيأ لهم حياة متكاملة تضمن استمرار استخراج المعدن، بداية من نقل مياه الشرب وتوزيع حصص تموينية تكفي احتياجاتهم الشهرية من الدقيق والبقوليات والزيت واللحوم وغيرها من المواد الغذائية والكيروسين "الجاز" لإنارة اللمبات ليلا، وحتى إنشاء المدارس لتعليم أبناء القرية ومستشفى صغير لعلاجهم، وكذلك بناء المساجد للصلاة.
وبعد 23 في يوليو/تموز 1952 وانتهاء الاحتلال البريطاني، أصبحت "أم الحويطات" تحت القيادة المصرية ويتولى مسؤولية التنفيذ شركة فوسفات سفاجا، واستمر العمل بالمناجم إلى أن أُغلقت الشركة وتم إيقاف العمل بها في تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي لم يترك لسكان القرية خيارا سوى البحث عن سبل العيش في أماكن أخرى أو العودة لمسقط رأسهم، وبعضهم حصل على وحدات سكنية في "أم الحويطات" الجديدة مكافأة لعملهم في المناجم سنوات طويلة.
ولم يكن لأحد أن يسمع عن "أم الحويطات" المجهولة والمهجورة، وكانت ستظل مجرد ذكرى في قلوب أهلها فقط، لولا أنها تحولت إلى مزار سياحي قبل بضع سنوات وأصبحت تجذب رحلات السفاري ومحبي سياحة المغامرات.