* بقلم : محمد ولد محم الأمين (العميد)
بعد التسجيل والبدء الفعلي للدراسة عشت مشاكل كثيرة- عدا عن صعوبات الدراسة- لازمتني ولفترة طويلة ونغصت على فرصة الاستمتاع باكتشاف الوطن الجديد, وصعبت من مهمتي الدراسية فماهي؟
على سبيل المثال كانت من تلك المشاكل مشكلة النقل وكانت سهلة حيث تم اقتطاع اشتراك نصف سنوي لي في الحافلات العمومية والخاصة بالطلبة صالح كل يوم ماعدا أيام العطلة الأسبوعية ولكن وجه الصعوبة فيها كان يدور حول ضرورة سكني قرب خطوط الحافلات التي تنقل إلى خطوط أخرى توصل إلى المعهد(10 كلم تقريبا هي المسافة بين حي بن خلدون حيث أسكن ومنفلوري حيث يوجد المعهد).
أما المشكلة العويصة والمؤرقة الثانية فكانت تتعلق بالسكن - ضروري من أجل التفرغ للدراسة- وهو من الأمور الصعبة في هذه البلاد رغم أن تونس العاصمة فيها الكثيرمن الأحياء الجامعية الراقية والكبيرة جدا حيث تتسع لآلاف الطلبة (للطالب الأجنبي حق السكن سنتين بالحي الجامعي مقابل سنة واحدة لنظيره التونسي )ولكن مع ذلك تبقى قضية سكن الطلاب من أكثر الصعوبات التي تعترضهم هذا إذا كانوا تونسيين.
بسبب كثرة الطلبة سنويا، ناهيك عن صعوبة السكن في المنازل الخاصة إذا كانوا أجانب وارتفاع ثمن الكراء والخوف من عدم وجودها على خطوط حافلات نقل الطلبة .
بقيت مع أولئك الزملاء الطيبين في منزلهم فترة تناهز شهرا وكانوا جادين في الحصول لى على مسكن في أحد الأحياء الجامعية رغم أنني أتيت متأخرا كثيرا"الطلبات لها توضع في شهر سبتمبر" ولكنهم مع ذلك لم يقنطوا من وجود سكن جامعي لي.
وقد تكفل بتلك المهمة الجسيمة – هنالك- مشكورا الدكتور في علوم الشريعة"أ. ولد السعد" الذي كان على معرفة طيبة بمديرة الخدمات الجامعية للشمال "مدام سميرة" كما نعرفها وهي مسؤولة عن السكن الجامعي في قسم كبير من العاصمة ووعدته بتسجيلي وزميل معي للسكن في حي جامعي جديد سيفتتح في شهرنوفمبروقد قمت بإعداد الملف الخاص بالسكن"شهادة التسجيل الجامعي وأوراق الهوية"بمتابعة من زميلي ذلك –كان كثيرا ما يلاطفني للتخفيف عني من الغربة.
في منتصف شهر نوفمبر تم افتتاح الحي الجامعي الجديد "الوردية 4" وهو حي سكني يقع في أقصى جنوب العاصمة تونس "ولاية بن عروس" مع الإشارة إلى أن تونس العاصمة تضم 3 ولايات آنذاك هي "ولاية تونس الكبرى "وسط العاصمة وما جاوره وولاية أريانة في الشمال وولاية بن عروس في الجنوب" وزيدت عليهما حديثا ولاية رابعة هي "منوبة"."
.كان ذلك الحي صغيرا وهادئا وسكانه قلة ولكنهم متمدنون، وفي وسطه شيد ذلك المسكن الجامعي ذي الطوابق الخمس وأضفى عليه حركية جديدة"يقع هذا الحي على بعد15كلم عن المعهد ولكن كان كل شيئ جاهز فحافلات النقل الخاصة بالطلبة متوفرة حيث تسير رحلات على مدار ربع ساعة من الساعة 7:00 وحتى8:30صباحا ثم بعد ذلك بمعدل رحلة على رأس كل ساعة. . ذهبت إذن مع زميل جديد آخر"م. ف.ولد عبد الله" وبصحبة الزميل الدكتور"أ.ولد السعد" لديوان الخدمات الجامعية للشمال وبجهود خاصة "لولد السعد" حصلنا على السكن الجامعي أخيرا ".لم يكن لنا الحق فيه لأننا وصلنا متأخرين عن موعد دفع الأجانب ملفاتهم الخاصة بالسكن.
كانت لحظة كبيرة وهامة بالنسبة لي عندما وصلنا للحي الجامعي ودفعنا رسوم التسجيل وسلمت لنا مفاتيح الغرفة رقم 18 في الطابق الثالث..كانت غرفة جميلة وواسعة فيها سريران وغطاءان وكانت الجدران بيضاء لامعة والنوافذ جميلة خضراء الصبغ وللغرفة شباك للتهوية يطل على مدخل الحي الجامعي وبعض المنازل المجاورة له.
عدنا للزملاء الطيبين في المنزل بحي بن خلدون وباركوا لنا جميعا الحصول على السكن الجامعي.. كنت قلقا وحزينا في أعماقي بسبب قرب الرحيل عنهم إلى المنزل الجديد ..أولئك الزملاء الطيبون الذين سهروا على ضيافتي وتهوين كل مصاعب الغربة أمامي وساعدوني ماديا ومعنويا على تخطي كل العراقيل منهم أيضا الدكتورفي التسيير"م.ولد عبد الدائم" والدكتور في الطفيليات " ش. أبابه ولد احمد سالم، والدكتور في القانون عبد الله ولد احبيب والدكتور أحمد ولدالسعد والدكتور في القانون محمد فال ولد المجتبي محمد ولد عبد الله والدكتور محمد الأمين ولد بديه "فلهم مني كل العرفان بالجميل والتقدير.
كما كان من أسباب قلقي أيضا تخوفي من المجهول الذي ينتظرني في ذلك الحي النائي وخاصة في الحي الجامعي حيث لا يوجد به من الموريتانيين إلا أنا وزميلي من بين مئات الطلبة التونسيين والأجانب وهو ما يعني العودة من جديد إلى مربع الغربة الأول.
لكن ما العمل إضافة إلى صعوبة تحمل المسؤوليات الخارجية "المعاملات" مع الناس وأنا لم أتعرف على لهجتهم ومسميات الأشياء الضرورية لديهم أحرى عاداتهم و.. كنت أوطن نفسي على الرحيل والاعتماد على الذات في مونولوجي داخلي قائلا"لقد تركت خلفي أهلي وعلي تحمل المسؤولية.
*ملاحظة : هذه المذكرات نشرت حلقات منها من طرف جامعة جورج تاون الآمريكية في كتاب مترجم بالانجليزية يدرس في أكثر من 250 جامعة ومعهد حول العالم.