CENI تعلن حصيلة المراجعة الاستثنائية للائحة الانتخابية :|: 5 نصائح للوقاية من ضربات الشمس :|: موريتانيا تشارك في الندوة 10 للتنمية المستدامة لأفريقيا :|: منتدى ألماني حول الهيدروجين الأخضر بنواكشوط :|: نقاش تعزيز التعاون بين موريتانيا وقطر :|: سفير موريتانيا بروسيا يحاضر عن النمو الاقتصادي في إفريقيا :|: افتتاح مؤتمر اتحاد المصارف العربية في بيروت :|: افتتاح مؤتمر اتحاد المصارف العربية في بيروت :|: مشروع مرسوم بإنشاء وكالة للأمن السيبراني :|: وصول أول رحلة للموريتانية للطيران إلى المدينة المنورة :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
 
 
 
 

بدا ه يا إمام السنة / د محمد المختار دية الشنقيطي

dimanche 17 mai 2009


د محمد المختار دية الشنقيطي .
بدا ه يا إمام السنة حقا بكتك الأمة كما فقدتك السنة وبرحيلك إن كشف ظهر شباب الأمة .
والدنا العلامة الشيخ بدا ه بن البصيري إمام لا كالأئمة وعالم فذ بوا كيه هم الساعين لتمسك بالسنة والعاملين على إحياء أمجاد الأمة وحقا يا إمامنا فقد كنت عالم أمة ورجل دولة وسياسة بقيم الدين سستها وعلى سياسة الفضيلة والحرية ربيتها فإلى الفردوس الأعلى يا مجدد الملة , وبحق ما تعلمت منك أنني حائر من أين أ بدء في الحديث عنك وبعد ما تجاوزت الصد مت من خبر وفاتك بجسمك وبقاء علمك فينا شاهدا بلسان صدقك والشباب المتمسك العامل بمنهجك ودعوتك فنم يا شيخنا قرير العين .
وعلى كل حال هذه شذرات من كتابي مشكلات الاجتهاد وقضيا التجديد في الفقه والفكر الإسلامي المعاصر دراسات في – التأصيل – والتجديد - والتحقيق والذي خصصت جزءا كبيرا منه لك ولجهودك المباركة نرسلها تعزية لي ولطلابك المحبين .
الإمام بدا ه السيرة والنشأة
وُلد والدنا و الشيخنا العلامة محمدو الملقب بداه ولد محمدو ولد حبيب ولد أحمدو ولد ولد البصيري سنة 1338 هــ سنة 1920م، بعد أربعة أشهر من وفاة والده، متسمّي باسمه، وتربّى في حجر جده لأمه الشيخ العلامة محمدو ولد حبيب الرحمن، وحفظ القرآن مبكراً وهو دون التاسعة من عمره، كما أخذ العلوم على جم كبير من العلماء، من بينهم الشيخ أحمد ولد أحمذيه الذي أخذ عنه علوم القرآن والتفسير، وظل إلى أيامه الأخيرة في الدنيا يثني عليه ويقول : "ذلك شيخي أحمدو..من مثل أحمد في العلماء.." وكنا نحن طلابه نقول : إذا قال الإمام بدا ه : قال أحمد ولد أحمذيه فقد انتهى الكلام وبلغ الاحتجاج مداه ، كما أخذ عن الشيخ المختار ولد أبلول العلامة المصلح والداعية الشهير والأديب الأريب، كما أخذ عن الشيخ محمد سالم ولد ألما العالم الجليل ، والشيخ محمد عالي ولد عدود البحر لامحدود، والشيخ سيدي الفالي ولد محمودا، وعُرف الشيخ منذ شبابه بالورع والصرامة في الحق والدفاع عن السنة والحرص على نشر الخير والدفاع عن الدعاة إلى الله والوقوف بحزم وصرامة وحكة وحكمة في وجه التيارات الفكرية والسياسية المناوئة للإسلام وقيم الأمة .
وفي سنة 1957نزل الشيخ الإمام بداه ولد البصيري في سهل نواكشوط، حينما لم يكن ساكنتها يبلغون مئة شخص، واستقر به المقام في القرية التي ستكون في ما بعد عاصمة موريتانيا نواكشوط بعد أن ظل لسنوات يسأل الله تعالى أن "ييسر الله له منزلاً في الحضر يقرأ فيه كتبه"، ولما نزل الناس عليه في بلدته وأدرك بحسه أنها ستكون مركز عمران واجتماع قرر بزهده وتصوفه السني الرحيل منها غير أن السكان أحالوا بينه وبين رغبته ، وأمام إلحاح من ساكنة القرية آنذاك وتهديدهم باللجوء إلى القضاء لثنيه عن الرحيل عنهم قرر البقاء معهم ولهم فأقام الشيخ عند ذلك بتأسيس محظرته ومسجده منارة إحياء السنة وتجديد الدين لينطلق في البدء من بيت صغير من الطين لكنه كبير في معناه فقد أشعاع منه نور المحظرة الشنفيطية وأ حيا منه معلم بناء أمة و تاريخ علم من أعلام الإسلام والمسلمين.
وانطلق الشيخ العلامة المجدد بدا ه يدرس ويفتي ويصلح بين الناس، وكان يحب طلابه غاية الحب، ويداعبهم بما يظهر مكانتهم عنده وحمايتهم أمام الناس ومن ذلك أن كاتب هذه السطور كان يلقبه ويناديه "صويد الناس"ويعني ذلك عند الإمام بدا ه أن طالبه هذا كان يعرف نفسه بأنه من الإخوان المسلمين فيد لعه الإمام بهذا القلب تعبيرا عن تقديره له وإعجابه بخط الجماعة التي ينسب الطالب نفسه لها وكان الإمام بدا ه يأسف إلى درجة الحزن كلما غادر أحد الطلاب المحظرة، قبل أن يستكمل النظام الدراسي القديم الذي رءى فيه الإمام وسبة لبناء الشخصية العلمية ، كما ظل الإمام في مسجده محافظا طيلة حياته على دروسه العامة، وخصوصاً درس التفسير الذي بدأه في مساجد البادية، بعد ما أجازه شيخه العلامة أحمدو ولد أحمذيه في تفسير القرآن الكريم ، وذلك من خلال كتابه المنظوم الذي أجازه فيه وهو "مراقي الأواه في تفسير كتاب الله"، وهو كتاب منظوم في أكثر من سبعة آلاف بيت، جمع فيه صاحبه زبدة التفسير من سبعة كتب من كبار كتب التفسير، وكان الشيخ "بدا ه" يولي درس التفسير عناية خاصة ومكانة عالية كمنهج لتربية الناس على القرآن ونشر العمل به بينهم، وعلى الرغم من موسوعيته الفائقة، فقد كان يجتهد في تحضير درسه ، وظل محافظاً عليه إلى سنواته الأخيرة في نواكشوط قبل أن يقعده المرض.
درس الشيخ الوالد العلامة بدا ه كل فنون المعرفة الشرعية فقهاً وتفسيراً ولغة ومنطقاً وبلاغة، و كان مدينة علم مسوّرة بالإيمان والإحسان، وكان صورة طبق الأصل من الرعيل الأول، فيه تدقيق الفاروق عمر رضي الله عنه وعلمه وموسوعية مالك وحرصه على السنة ، ونحو ى بارز هضم نحو ي ابن مالك واستدراكات ابن بو نة عليه"الإحمرار" وفصاحته وبلاغته وزهد الإمام علي رضي الله عنه ، وفيه من البخاري ومسلم ما يغريك ويعلمك منهجما ويعرفك عمليا على صحيحيهما وطرقهما في التصحيح والتدوين والفقه ، وكان الإمام بدا ه في الأصول فذا لايبارا وربما فاق إمام الحرمين في منهجه والغزالي في أصوله وابن حزم في مباحثه ، وكما هضم في التربية والجهاد منهج سلطان العلماء وفارس الزهاد العز بن عبد السلام على مقامه في الصدع بالحق في سبيل دينه .
وفي الترقي في مقامات الإحسان و علم السلوك والجهاد نفس نافس الجنيد وعبد الله بن المبارك ، وكان الإمام بدا ه أبا للدعاة إلى الله جميعا ومأواهم وإمامهم والحامي لهم من تغول الناس وسيف السلطان ؛ فالشيخ الإمام بدا ه بعلمه وحكمته وموسوعيته العلمية هو الطود الشامخ للإسلام وقيمه والحامي لدعاته والمربي لشباب أمته والملاذ الآمن الناصح للمظلومين من أبناء شعبه كما كان الناصح الأمين للحكام في بلده من غير خوف ولا طمع وإنما كان ذلك كله بحكمة الدعاة وحنكة العلماء وعزة المؤمن الذي لا يخاف في الله لو مة لائم فهو الإمام القدوة المهاب والعالم الرباني المجدد الحصيف في فتا ويه والتي لا يطلقها إلا بعد إحاطته بتفاصيل الجزئيات التي تتشكل منها الوقائع فلا يفتي أبدا فيما غاب عنه تفاصيله من الوقائع والأحداث وكان يقول عند ما يسأل عما يجري خارج قطره وخاصة إذا تعلق الأمر بما يجري بين الحكام والدعاة يقول في رد جميل بليغ يعي صاحبه ما يقول ويدرك ما وراء سؤال السائل : أنا فقيه أهل موريتانيا نفتي في شأنهم وما يتعلق بهم , أما غير أهل موريتانيا فلهم دعاتهم وفقهائهم , أدري بتفاصيل شأنهم فاليفتو نهم في مسائلهم وما يجري بين دعاتهم وحكامهم فا الدعاة أدرى بما يفعلون وما يقولون والحكام أقدر على فهم ما يريدون..

أصول التفكير الفقهي وقواعد التجديد عند الإمام بدا ه ولد البصيري الشنقيطي
لاشك عند الدارس للحياة العلمية والسياسية المعاصرة لبلاد شنقيط "موريتانيا" وما حولها من مناطق الشمال والغرب الإفريقي لا شك أنه يدرك وبلا تردد ولا ارتياب أن الإمام بدا ه بن البصيري كان من أعظم المجددين في تاريخ الفقه الإسلامي وأنه صاحب مذهب التجديدي فريد في عصره سجل به إسمه في سجل الخالدين المبدعين في تاريخ الفكر الإسلامي ولعلنا نستطيع هنا إبراز بعض ملامح منهجية التجديدي عند شيخنا الإمام بدا ه بن البصيري وذلك من خلال المحاور التالية البارزة العلمية والعملية في حياة الإمام المجدد الكبير شيخنا بدا ه بن البصيري مبتدئين بعرض ملامح منهجه الذي حول فيه فقهه من النظرية إلى التطبيق ومن الدعوة إلى الممارسة تربية وتعليما وسلوكا ربما وخرج جيلا على أسسه شعاره في ذلك : الفعل أبلغ من القول والإيمان أصله قول وعمل :
1 – الممارسة والتطبيق في حياة وفكر الإمام بدا ه بن البصيري :
أولا : الشعار الواضح الذي رفعه الإمام بداه من أول يوم له في الدعوة والتدريس في وجه كل الحكام الذين تعاقبوا على حكم بلده : "إما أن تتركوني أقول ما أراني الله أنه الحق أو أترك لكم المنبر" .
ثا نيا : أخذه على نفسه عهدا أن يكون المنبر حرا وللحق وضد الظلم والظالمين , مدرسة للتعليم ومنبرا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ورباطا للتربية والتعليم والجهاد .
ثالثا : موا قفه الواضحة من القضايا الكلية في محيطه وخاصة موقفه من حرب الصحراء الغربية وفتواه الضمنية بعدم مشرو عتها وذلك ما عبر عنه بقوله : " الأحوط أن تغسلوا موتاكم وتصلون عليهم " نافيا بذلك عنهم صفة الشهداء , ومعتبرا الحرب فتنة سياسية بين طائفتين مسلمتين تريد إحداهما السيطرة على الأخرى .
رابعا : مواقفه الشهيرة من التيارات الفكرية العلمانية ومن العلمانية كفكرة ومنهج وهي المواقف التي عبرت عنها وقفته الحازمة في وجه دستور 1982 المعروف بدستور ولد ابنيجاره وفتواه المدوية التي أطلقها بحرمة تمريره والشعار الذي رفعه تلامذته وأنصاره هي مقولته الشهيرة : "دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلادين عار الدنيا ونار الجحيم" ويعبر الإمام بداه عن رفضه لآراء الحداثين واليسارين والعلمانين بقوله : " ذلك فكر أو عمل تلامذة مسيه- ومسيه كلمة بالفرسية تعني رجال الحكم في النظام الفرنسي- " وهو يردد قول الله تعالى (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) .
خامسا : مواقفه الرافضة للحركات اليسارية , والحركات التنصيرية , وفتاويه القاطعة بحرمة التعاطي معها وهو يردد قول الله تعالى )) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) والإسلام عقيدة وشريعة لغة وعبادة .
سادسا : موقفه الداعم لأهل حماه في سوريا ورفضه لتبريرات النظام السوري وإدانته له وتخصيه خطب الجمعة لذلك ورده الحازم في الموضوع على الرئيس محمد خونه ولد هيدالة ووزير إعلامه عند ما حاوراه في المضوع بعد احتجاج الحكومة السورية فقال للعقيد هيداله : " أنا لا أخاف منك ولا من غيرك ولا أبصر شيئا مما تستند إليه وإذا كنت ستتحكم فيما أقول وما أرى فخذ المنبر ودعني أذهب لشأني " .
سابعا : مواقفه الصارمة الواضحة من النظام العسكري الطئعي حينما قرر مواجهة الإسلاميين وحاول بعض تلامذة الإمام من أنصار النظام أن يستدرجوا الإمام فجاءوه برسالة من أجهزة الدولة تحذر من خطر الإسلاميين فرد عليهم بقوله :" إن الإسلاميين خير للبلاد من الشيوعيين والبعثين وسيرى رئيس الدولة مصداق ذلك " .
ثامنا : رفضه الفتوى للحكومة بكون أصحاب حركة أو انقلاب 16 مارس 1981م محاربون ورد على العسكريين الحاكمين قائلا : " لن نفتي بما تريدون .. العسكر مثل كلاب الفلاة , كلما اجتمع ثلاثة أكلوا واحدا منهم , ولن أفتي فتوى عامة حتى يأتي كل متغلب فيقتل صاحبه ويقول إنه محارب ..." اعتماد على قاعدة :" سد الذرائع" و"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " .
تاسعا : موقفه الحازم والصارم والواضح من النظام العسكري الطائعي ذي التوجهات اليسارية التطبيعية مع الكيان الصهيوني ووقوفه في وجه سياساته واحتضانه للمناوئين له والداعين إلى إسقاطه .
عاشرا : وقوفه بكل حزم وصراحة في وجه الفتنة العنصرية المعروفة بأحداث 1989 م أو أحداث موريتانيا والسينغال واعتباره إياها فتنة عنصرية بين شعوب مسلمة متجاورة تماما كما حدث مع الصحراوين يحركها المتربصون العنصريون من شياطين الإنس .
الحادي عشر : وقوفه الصارم في وجه حملة نظام العقيد الفاسد المفسد ولد الطائع على الإسلاميين 1994م وقوله في وسائل إعلام النظام وبالصوت الجهوري الواضح المدوي : " إن الإخوان المسلمين لا يقتلون النفس التي حرم الله ولا يزنون وأنهم برآء من كل ما يرمون به " وظل صوته عاليا بالمطالبة بإطلاق سراح المسجونين من الأئمة والدعاة وشباب الحركة الإسلامية , ورد على مدير أمن الدولة عند ما جاء يستفسر عن تزكيته للأئمة والدعاة فسحب منه الورقة التي كانت في يده وقال له : " كنت أرى أن على من أبتلي بما بتليت به أن يستتر بستر الله وأن لا يواجه الناس كاشفا عن وجهه , وأما التزكية فأنا أكتبها , ولست ممن يخفي موقفه أو يتراجع عنه " .
الثاني عشر : حينما طبع العقيد الفاسد المفسد ولد الطائع علاقاته مع إسرائل واشتدت المواجهة بين نظامه وبن الحركة الإسلامية في موريتانيا ظهرت خطب الإمام بدا ه معبرة بشكل واضح عن تلك المواجهة , وحين طلب منه بعض تلامذته من أنصار النظام أن يهدأ من نبرة خطبه رد عليهم بقوله :"والله ما وقفت على هذا المنبر وتذكرت غير الله ولا أخاف أحدا أهادنه".
2 - ملامح منهجه التجديدي في الفقه والفكر :
سلك الإمام بدا ه في حياته العلمية والدعوية منهجا يستعيد خطى شيخ الإسلام بن تيمية الذي قرأ الإمام بدا ه كل ما كتبه وما كتب عنه وكان يقول رادا على الشانئين لمنهج ابن تيمة ومدرسته الفقهية والدعوية يقول الإمام بدا ه نحورا القول :" ابن تيمية وابن القيمي نهجهما في الدين جد قيمي ويقول :
تقيّ الدين أحمدُ لا يُبارى بميدان العلوم ولا يُجارى
برئتُ إلى المهيمن من سماعي مقالاتٍ يُسبُّ بها جهارا
ومع هذا فإنه كان يستدرك عليه ويناقشه ويقف منه موقفه من أئمة الإسلام وفقهائه وذلك ما تشهد عليه أجزاء الفتاوي الخمسة والثلاثين التي امتلكها الإمام بدا ه وقرأها وعلق عليها جزءا جزءا .
بخط يده تماما كما قرأ للإخوان المسلمين وكان يعبر عن إعجابه بفكر ومنهج مؤسسهم حسن البناء ورسائله وكان يطلب من تلامذته أن يقرأو عليه مؤلفات تلامذة البنا وأتباع مدرسته وكان يقول دائما : " أنا من الدعاة وأنا أبو الدعاة , وكل العاملين للإسلام أبنائي " .
ويذكر الجميع وقفته الحازمة ضد المساس بجماعة الدعوة والتبليغ ومقولته الشهيرة : " إنهم قوم
ربا نيون ألو بركة وسمت , ومن لم يخرج معهم , فلا أقل من أن يدعهم وشأنهم " برغم من بعض التحفظات التي كانت عنده على بعض منهجهم وقد ناقشني في ذلك كثيرا وطلب مني فيه بعض التوضيحات تماما كما كان يفعل معي مع الشيعة وكتبهم ووفودهم التي تزور البلد .
خاض الإمام بدا ه بن البصيري وبجدارة العالم وحكمة الداعي المصلح المربي حربا لا هوادة فيها ضد الجمود عند الفقهاء الجامدين وكان شعاره مع المقلدين هو قوله لهم : "ثقوا بأنكم ستُسألون في قبوركم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس عن أي أحد آخر".ويقول لهم :" إن رخص الشريعة لا تعطى إلا لمن يعمل بعزائمها. وهو شعار كان يطبقه هو في حكمته العالية وجداله الراقي مع المعاندين وكان الإمام بدا ه حريصا كل الحرص على ألا يسلك طلبته منهج التبكيت مع الخصوم ويقول لهم في شأن ما يرددونه من مقولاته للمعاندين : "تلك مقولات قلتها وأنا في حال جدال وغضب انتصارا لدليل والبرهان" ثم يقول لهم :" أن العلم يقرب شقة الخلاف والجهل يزيدها".
وفد خصص لحوارهم وإقناعهم كتبا كثيرة من أقدمها وأشهرها كتابه المسمى "أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك " وكتابه الحجر الأساس الذي يقول فيه نظما :
والعلما إن ذكرت فمالكْ نجم ولا خلاف عند ذلكْ
مذهبه من أحسن المذاهب ولست عنه أبدا بذاهب
وهما من أميز كتبه التي عالج فيها أهم القضايا الفقهية وأسس فيها لمنهج فقهي تجديدي عبر فيه عن حقيقة وطبيعة الفقه المالكي الذي كان يقول عنه وهو يناقش الجامدين : مداعبا لهم ومحاججا : أنا المالكي لأني أعرف أصول مالك وأعمل بها وأنتم لا تعرفونها وإنما تقلدون. وهو في كتبه سعى سعيا حثيثا إلى ربط فقهيات المذهب بأدلتها الشرعية وقواعدها الفقهية الاستنباطية راجعا بالفروع إلى عصور ازدهاره فقه المذهب وألقه عند الأئمة المؤسسين الكبار وهو بهذا المنهج يمارس الاجتهاد ويدعوا إلى ممارسته ونبذ التقليد من غير بينة والتعصب من غير دليل جاعلا لكل عمله ودعوته منهجا متماسكا أصيلا يقوم على تعظيم كتاب الله وسنة نبيه والاستدلال بهما على غيرها فلقد كان الإمام بدا ه عظيم الصلة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم داعيا لفهمهما وتدبرهما وإنني لأشهد له بأنه كان له منهج فريد مع القرآن حافظ عليه طيلة حياته كلها فكان يقرؤ كل صباح قبل أن يصلي الفجر سبعة أحزاب من القرآن بصوته الشجي العذب ، وظل يحافظ على هذا الورد إلى آخر أيامه واقفا متدبرا عند كل أمر أو نهى كما كان يقف طويلا عند. مقاصد القرآن ويبصر عظمة الله في كتابه ويبصر من يستمع لقراءته بجعجعته الوجلة الخابتة الباكية المبكية بصوته عند ما يقرأ بعض الآيات من مثل قول الله عز وجل : ((قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ))، فيبكي بكاء وا جلا ويبكي من خلفه فكان الإمام بقراءته تلك يجعل المستمع له يدرك ويحس معنى الشهود مثلا ومسئوليته بين يدي الله عن ذلك الشهود وتلك الشهادة، وبذلك ينقل الإمام مستمعيه بصوته الشجي الذي يقرأ المعاني العالمة والتي تنقل المستمع إلى عالم الملكوت في ربانية قل أن يوجد لها نطير في زمن سطوة الجهل وانتشار المادية .
وكان الإمام بدا ه في منهج التربية العملية صوا ما قواما إلى درجة تجعلك تظن أنه لا يكاد يفطر وربما ختم القرآن في يوم وليلة صومه ذلك نعم فو الله لقد كنت يا شيخنا شحنة من الإيمان ووهجا من القرآن وقبسا من السنة تسر به النفوس وتنتعش به القلوب وتقتات منه العقول في ورع قل نظيره وتواضع لا مثيل له , أتذكر له مرة أنه كان في درس من دروس التفسير فتطرق لأحكام الذكاة – وأحكام المتردية- وأورد أقوال لفروع المالكية واختار القول بقول يعزى لمالك في ظاهره ما يبدوا أنه خلاف ما ثبت في السنة فوقف شاب لم يبلغ العشرين من العمر واعترض على ما اختاره الإمام وكان المسجد غاصا بالحضور من الفقهاء وطلاب العلم فاشمأز الحضور من اعتراض الشاب فرد عليهم الإمام : " إن الحق مع الشاب والحق أحق أن يتبع" , وأذكر له كذلك : موقفا آخر من مواقفه التي لا تحصى ولا تعد والتي تعبر عن مدا تواضعه في عزة العالم وحكمة الداعي المربي :وذلك أنني في مطلع الثما ننيات من القرن الماضي وأنا في عمر الصغير بدأت القي بعض الدروس في الجامع الكبير بمقاطعة الميناء "المعروف بجامع فطر" فاعترضت مجموعة من الفقهاء التقليدين بزعامة ابن عم الإمام " أجبنان" فشكاني أجبنان إلى الإمام فستد عاني الإمام واستدعى ثلاثة منهم ثم قال لي "اذهب فدع كما شئت وأنا من ورائك وعلي بالرحمة ما تدعوني على رأس جبل إلا ولبيت دعوتك للدعوة " ثم التفت على الفقهاء وقال لهم : " أما كفاكم أن تركتم أنتم الدعوة وتذكير الناس بالخير وتحذيرهم من التنصير والعلمانيين علي بالرحمة لدعوة هؤلاء الشباب خير للمسلمين من ملئ الأرض من مثلكم , سكتم عن الدعوة وهجرتم العمل بالقرآن والسنة وتريدون منع غيركم من ذلك وصد هذا الشباب عن الخير والخير كله في الشباب " ثم أسمعهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول :" أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة وإني بعثت بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ثم تلا قوله تعالى : (( فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )).
لقد كان الإمام بدا ه بن البصيري مدرسة في الإيمان والعلم والتربية تتجاوز المنطق بالعرفان وأدوات الخطاب بالإيمان وتلج النفوس في يسر وسهولة : مربيا ومعلما ومبشرا ومنذرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا في ذكاء قل نظيره وفطنة تحتوى دقائق حياة الناس بكل تفاصيلها فقد كان كاتب هذه السطور من بين الطلاب المكلفين من الإمام بدا ه برصد ما يجري في البلد إعلاميا وثقافيا وسياسيا وعرضه عليه في نهاية الأسبوع وقبل خطبة الجمعة وذلك ليتناول في الخطبة ما يراه هو مستحقا للعرض والتحليل والتناول على المنبر من هموم الناس ومستجدات الحياة وفق ما يتوفر لديه من معطيات وحاجيات وترتيب في الأولويات .
فبهذا المنهج وتلك الربانية أقام الإمام بدا ه كذلك حربا لا هوادة فيها على الأسوار والحصون المفتعلة التي أقيمت بين مدارس الفقه الإسلامي مسطرا في الوقت ذاته الحجج والبراهين على منهجه ودعوته وذلك في عدد من كتبه لعل من أبرزها وعلى سبيل التمثيل لا الحصر : تنبيه الخلف الحاضر على أن تفويض السلف لا ينافي الأخذ بالظاهر – : أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك – : حجر الأساس في شرعة خير الناس – : القول المفيد في ذم قادح الإتباع وما دح التقليد.
إلى غير هذه الكتب من كتبه الكثيرة وخطبه البليغة والتربية العملية العلمية التجديدية لطلابه ومحبيه فإلى الفردوس الأعلى يا إمام السنة وعالم التجديد في هذه الربوع من دار الإسلام ووالله إننا بفراقك لمحزونون ولكننا لا نقول إلا ما يرضي رب العالمين.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا