الناطق الرسمي : تأثرت بعض الخدمات الآساسية في الحوض الشرقي بسبب تزايد أعداد اللاجئين :|: مباحثات موريتانية كونغولية :|: توقعات بارتفاع أسعارالنفط العالمية :|: مدير : الحكومة صادقت على إنشاء آلية وطنية لضمان احترام حقوق الضحايا :|: بيان صحفي حول المصادقة على خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالأشخاص :|: تعيينات في شركة سنيم :|: "الحصاد" ينشر بيان مجلس الوزراء :|: انعقاد مجلس الوزراء في دورته الأسبوعية :|: الرئاسة تحذر من حسابات مزيفة تنتحل اسم وصفة الرئيس :|: ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟ :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

الموعد الأنسب لممارسة الرياضة في رمضان
من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
تعيينات هامة في قناة الموريتانية
الاعلان المشترك : شراكة استراتيجية تؤسس لعلاقة جديدة *
توقيف لصوص سرقوا 60 مليون أوقية من شركة بنواكشوط
الوجيه والسياسي عبد الحي ولد محمد لغظف يطالب من مقاطعة تامشكط بمأمورية ثانية لرئيس الجمهورية
ما أقصروأطول ساعات الصيام في رمضان 2024/1445؟
دولتان عربيتان بين أكبرمنتجي ومصدري الطماطم عالميا
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
 
 
 
 

معادلة صعبة .. خفض التضخم دون التضحية بالنمو الاقتصادي

هشام محمود (الاقتصادية)

mardi 14 mars 2023


قبل بضعة أيام أعلن إريك ثيدين محافظ البنك المركزي السويدي، أن البنك سيعطي كبح التضخم أولوية على النمو الاقتصادي.

لم يكن هذا التصريح الأول من نوعه بهذا الشأن من أحد محافظي البنوك المركزية، لكنه بلا شك كان التصريح الأكثر وضوحا ومباشرة فيما يتعلق بأولويات عديد من البنوك المركزية هذا العام على الأقل.

تصريحات إريك ثيدين سبقها تلميحات من كبار المسؤولين في البنك الفيدرالي الأمريكي بأن استراتيجيتهم في 2023 ستعلي مكافحة التضخم على أولويات من بينها النمو الاقتصادي، لكنها كانت في نهاية المطاف مجرد تلميحات لم ترق أبدا إلى مستوى التصريحات الواضحة وضوح ما صرح به البنك المركزي السويدي.

وفي حقيقة الأمر فإن قضية ترتيب الأولويات الاقتصادية لهذا العام، كانت دائما في مقدمة الجدل الاقتصادي منذ أن ارتفعت معدلات التضخم العالمي لمستويات غير مسبوقة، إذ بلغت في الولايات المتحدة وبريطانيا مستويات لم تشهدها منذ 40 عاما.

مع هذا فإن المشكلة لم تكن أبدا متعلقة بمكافحة التضخم وسعي البنوك المركزية للسيطرة عليه، وإنما كانت مرتبطة بالثمن الواجب سداده مقابل ذلك، فهل من المقبول مثلا أن يأتي الحد من التضخم على حساب زيادة معدلات البطالة. فرفع أسعار الفائدة باعتبارها الوسيلة المثلى من وجهة نظر محافظي البنوك المركزية للسيطرة على التضخم، تعني تقليص القدرة على التوسع الرأسمالي وزيادة الوظائف لدى القطاع الخاص، فارتفاع تكلفة الإقراض يعني في أحد جوانبه رفع معدلات البطالة، فهل يعد هذا الخيار جيدا ومقبولا مجتمعيا، ثمن آخر قد يضطر الاقتصاد الوطني إلى دفعه إذا ما واصلت البنوك المركزية معركتها لمكافحة التضخم برفع أسعار الفائدة، فأعباء الدين الداخلي والخارجي قد تزداد مما يهدد بانكماش اقتصادي.

المؤشرات الاقتصادية والتصريحات الصادرة من قادة البنوك المركزية في العالم تشير إلى أنهم منحوا مكافحة التضخم الأولوية على غيرها من التحديات الاقتصادية، لكن هل الاقتصاد العالمي سيكون قادرا على دفع الثمن الواجب سداده للجم التضخم والسيطرة عليه؟ وما الثمن المتوقع دفعه لكبح التضخم والسيطرة عليه؟ وهل يمكن ان تؤدي تلك السياسات إلى إيجاد أوضاع اقتصادية سليمة ومتوازنة؟.

"الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من الخبراء حول مدى صحة تلك الأولويات وكيفية انعكاسها على الاقتصاد العالمي؟ وإلى أي مدى يمكنها تحقيق نتائج مفيدة للمستهلك؟ وما الفترة الزمنية التي يتوقع أن تحقق فيها جهود كبح التضخم نتائج تبرهن على أننا نسير في المسار الصحيح؟

الدكتور ديفيد إليوت رئيس سابق للجنة الاستشارية لبنك إنجلترا، أحد الأنصار البارزين لفكرة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الراهنة مع التضخم، ومدافع رئيس عن فكرة أنه يجب التضحية بالغالي والنفيس من أجل لجم التضخم وإعادته إلى مستويات لا تتجاوز 2 في المائة.

ويبرر موقفه ذلك لـ"الاقتصادية" بالقول "ارتفاع معدلات التضخم يعني عمليا تراجع مستوى معيشة المواطنين وتآكله، وبعيدا عن المشكلات الاجتماعية الناجمة عن هذا الوضع، وما قد ينتج عنه من عدم استقرار اجتماعي نشهده في زيادة معدلات الإضرابات المطالبة بزيادة الأجور في وقت تعجز فيه كثير من الدول خاصة في الدول الغربية على زيادة معدلات الأجور، فإن مواصلة معدلات التضخم الارتفاع وعدم السيطرة عليها سريعا قد تؤديان إلى عواقب اقتصادية وخيمة تصيب الاقتصاد الكلي بأضرار قد يصعب إيجاد حلول عاجلة لها في الأجل المنظور".

حول أبرز تلك المخاطر يشير الدكتور ديفيد إليوت قائلا "ارتفاع معدلات التضخم وفي ظل التزامات الدول والحكومات تجاه مواطنيها، يعني عمليا اللجوء إلى زيادة الإقراض وإلى عجز وخلل في الميزانية العامة، وعلى المدى الطويل ستصبح الحكومات عاجزة عن تمويل عديد من القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة".

ويضيف "لهذا يجب أن تمنح السيطرة على التضخم الأولوية القصوى في الوقت الراهن، حتى وإن كان ذلك على حساب معدلات النمو، فرفع أسعار الفائدة وزيادة الضرائب سيعملان على خفض الطلب الاستهلاكي ومن ثم الحد من معدلات التضخم وإعادة الاقتصاد تدريجيا إلى الاقتراب من وضع التوازن".

ويتوقع الدكتور ديفيد إليوت أن هذا النهج سيحقق نتيجة طيبة بنهاية العام الجاري وبحد أقصى منتصف العام المقبل، وسيكون هذا مؤشرا على أن البنوك المركزية تسير في الاتجاه الصحيح.

بطبيعة الحال لا تلقى وجهة النظر تلك قبولا عند قطاع كبير من الاقتصاديين، الذين يرون في رفع أسعار الفائدة وزيادة الضرائب خطرا لا يقل شراسة عن التضخم.

الخبيرة المصرفية باتي كريس ترى أن التضحية بالنمو الاقتصادي من أجل التضخم سيوجد تشوهات اقتصادية أكثر عنفا وضررا للاقتصاد الكلي، بل ستربك الأسواق، خاصة سوق الأسهم بطريقة لا تقل إن لم تزد على الضرر الذي يلحقه التضخم بالاقتصاد. وتعتقد أنه من الضروري تبني سياسة أكثر توازنا في كبح التضخم مع الحفاظ على معدلات نمو إيجابية قادرة على دفع الاقتصاد للأمام.

وتقول لـ"الاقتصادية" إن "التضحية بالنمو الاقتصادي لمصلحة السيطرة على التضخم، والسيطرة على التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، يعني عمليا تراجع سوق الأسهم، ومع تراجع معدل العائد على الاستثمار في الأسهم سيفضل المستثمرون إيداع أموالهم في البنوك، وهذا سيؤدي إلى تآكل مكامن القوة الاقتصادية".

لا تنفي باتي كريس أن شبح التضخم يقلق الجميع، لكنها ترى أن البنوك المركزية ستفشل في السيطرة عليه وقد تدفع نمو الأسعار إلى أعلى إذا حاولت التصدي له على حساب النمو الاقتصادي.

وتضيف "ما لم تبدأ الحكومات في طرح سياسات أكثر حكمة للميزانية، فإن تدهور الاختلالات المالية نتيجة تجاهل النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى زيادة تلك الاختلالات، ومن ثم تنامي الضغوط التضخمية وليس السيطرة عليها، واهتمام البنوك المركزية بالتضخم فقط يضع العربة امام الحصان، فيجب أن تركز على رفع معدلات النمو الاقتصادي أولا وليس السيطرة على التضخم، بخلاف ذلك ستنشأ حلقة مفرغة من ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية، وارتفاع التضخم والركود الاقتصادي وزيادة الديون".

وتقول "زيادة أسعار الفائدة لمواجهة التضخم ستؤدي إلى التشدد النقدي وسيؤدي ذلك إلى حدوث ركود تضخمي ومالي ضار بالاقتصاد العالمي ككل".

تبدو وجهة النظر السابقة محل نقاش وجدل بين الخبراء، وبينما يوافق البعض على منطقيتها بصفة عامة، فإن آخرين يعتقدون أنها تحمل كثيرا من التعميم وتصل إلى نتائج مطلقة تتجاهل التفاوت النسبي بين الاقتصادات المختلفة.

الدكتور جاكسون جاسبر أستاذ الاقتصادي الدولي في جامعة إكسفورد يعلق لـ"لاقتصادية" قائلا "من الصعب وضع خطة واحدة قابلة للتطبيق بالنسبة لجميع الاقتصادات بصرف النظر عن درجة تطورها، بالطبع يمكن أن نضع قواعد عامة محددة مثل رفع سعر الفائدة الذي يؤدي إلى تراجع التضخم، لكن علينا أن نرى مدى نجاعة تطبيق تلك القاعدة لكل اقتصاد على حدة، فما يصلح للاقتصادات المتقدمة قد لا يصلح للاقتصادات الناشئة، وحتى إن صلح للاقتصادات الناشئة فإن التكلفة الاجتماعية له قد تكون مرتفعة وضارة بما يدفعنا إلى ضرورة البحث عن حلول أخرى".

لذلك فإن المخاوف الراهنة بأن يؤدي تركيز البنوك المركزية على فكرة التصدي للتضخم على حساب النمو الاقتصادي إلى إيجاد حالة من الركود الاقتصادي مخاوف مشروعة وطبيعية لكن ليست بالضرورة واقعة الحدوث.

من هذا المنطلق يشير الدكتور جاكسون جاسبر إلى أن رفع أسعار الفائدة ووفقا لتصريحات جيروم باول محافظ الفيدرالي الأمريكي ستؤدي إلى زيادة البطالة في الولايات المتحدة، وأن ما لا يقل عن مليوني شخص سيفقدون وظائفهم إذا رفع سعر الفائدة إلى 4.6 في المائة بحلول نهاية هذا العام، وسيزيد عدد من سيفقدون وظائفهم أكثر من ذلك بكثير إذا تم رفع أسعار الفائدة إلى 6 في المائة وهي النسبة المطلوبة إذا أراد الفيدرالي الأمريكي خفض معدلات التضخم إلى 2 في المائة.

ويضيف "لا شك أن ارتفاع معدلات البطالة واحدة من المشكلات الاقتصادية الكبرى ومؤشر على الاتجاه نحو الركود الاقتصادي، على الرغم من ذلك تستطيع الولايات المتحدة تحمل هذا المسار نسبيا نتيجة نظام إعانات البطالة، بينما يصعب على اقتصادات أخرى ناشئة أن تتبنى خيار خفض معدل التضخم مقابل رفع معدلات البطالة لغياب أنظمة إعانات البطالة لديها ولأن ذلك قد يحمل تكلفة اجتماعية وسياسية مرتفعة".

من هذا المنطلق يرى البعض أن خيار مكافحة التضخم أولا عبر سلسلة متتالية من رفع معدلات الفائدة وتجاهل النمو الاقتصادي في الوقت الراهن قد يفاقم حالة عدم المساواة الموجودة حاليا في الاقتصاد العالمي، وسيكون الأشخاص الذين سيتحملون أكبر التضحيات مع تباطؤ الاقتصاد هم من سيفقدون وظائفهم.

يقول لـ"الاقتصادية" سوني بليك الباحث الاقتصادي "إن أعوام الجائحة جعلت الفئات شديدة الثراء أكثر ثراء، وتلك الفئات تستطيع تحمل التداعيات الاقتصادية الناجمة عن رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، أما الفئات الاجتماعية الفقيرة فستعاني، ومن ثم رفع راية مكافحة التضخم على حساب النمو الاقتصادي تتطلب إعادة النظر فيها، خاصة أن مستويات التضخم تتراجع في كثير من الاقتصادات".

ويضيف "أن معدل التضخم المستهدف في أغلب الاقتصادات المتقدمة يبلغ نحو 2 في المائة، ولا يوجد شيء مقدس اقتصاديا حول تلك النسبة، كما أنها في ظل الظروف الراهنة تبدو غير واقعية، وخفض التضخم إلى 2 في المائة سينجم عنه كثير من الألم لكثير من الفئات في المجتمع وحتى لكثير من الاقتصادات الناشئة، إذ ستتطلب رفع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة للغاية الأمر الذي يترك بصمات سلبية على قدرة الاقتصادات الناشئة على الاقتراض من الأسواق الدولية".

من هذا المنطلق يدعو قطاع ملحوظ من الاقتصاديين إلى البحث عن حلول وسط تعمل على خفض التضخم دون التضحية بالنمو الاقتصادي، وينادي البعض برفع المعدلات الضريبية على الشركات الدولية الكبرى التي تزيد حصتها على نسبة 30 في المائة من الأسواق أو التي حققت أرباحا استثنائية نتيجة الاختلالات السوقية الراهنة.

والمؤكد أن قضية التضخم قضية مؤرقة للجميع لكن أن يتم مواجهتها عبر رفع أسعار الفائدة فقط لربما تكون نتيجته عديد من العثرات الاقتصادية التي تزيد الطين بلة على الأمد الطويل، وتوجد ضغوطا مالية لربما لا تستطيع الطبقات الفقيرة والأسواق الصاعدة تحملها.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا