د. نعيم ولد لبات
مختص في إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية
في عالم إدارة الموارد البشرية، يظل العنصر البشري محورًا أساسيًا يساهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمنظمات. و تختلف الآراء حول كيفية تصنيفه بين كونه أصلًا استثماريًا أو التزامًا ماليًا، خاصة مع أفكار بعض الكتاب مثل روبرت كيوساكي ، الذي يطرح مفهوم الالتزامات المالية ويربطه بالأعباء التي تتحملها العائلات في تربية الأطفال. من جهة أخرى، يرى العديد من متخصصي إدارة الموارد البشرية أن العنصر البشري، سواء كان عاملاً أم غير عامل، يمثل أصلًا يجب الاستثمار فيه، ويعتبرونه ركيزة أساسية لنمو المنظمات و تحقيق الميزة التنافسية على المدى الطويل.
و في الفكر المحاسبي التقليدي، يُنظر إلى الأصول كأشياء يمكن أن تساهم في توليد الإيرادات أو العوائد على المدى الطويل. وفي هذا السياق، يُعتبر العنصر البشري واحدًا من أهم الأصول التي تمتلكها أي منظمة. فعندما يتم الاستثمار في تدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم، ينعكس ذلك بشكل مباشر على جودة العمل والإنتاجية، وبالتالي على أداء المنظمة ككل. فمثلما تحتاج الأرض إلى الماء لزراعة النباتات، يحتاج العنصر البشري إلى التعليم، والتدريب، والتوجيه لزيادة فعاليته. وهنا فإن الفرق بين الأصول والالتزامات لا يكمن في مجرد تكاليف الاستثمار، بل في العوائد المحتملة التي يمكن أن تتحقق على المدى البعيد.
وقد تستفيد المنظمات من العنصر البشري من خلال تحسين الإنتاجية وتعزيز الابتكار، مما يساهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية. كما أن استثمار المنظمات في موظفيها لا يقتصر فقط على الفوائد المباشرة، بل يمتد ليشمل التأثيرات الاقتصادية الكبرى. فالتعليم والتدريب لا يساعدان الأفراد على النمو المهني فحسب، بل يسهمون أيضًا في تحسين المستوى الاقتصادي للمجتمع بشكل عام.
على سبيل المثال، الأطفال الذين يتلقون تعليمًا جيدًا يصبحون أفرادًا منتجين يسهمون في نمو الاقتصاد الكلي . هذا النوع من العوائد يُعد طويل المدى ويشمل الزيادة في معدلات النمو الاقتصادي، وتحسين نوعية الحياة، وزيادة دخل الأفراد.
وتقدم أفكار روبرت كيوساكي تحديًا فكريًا للعديد من التصورات التقليدية حول كيفية النظر إلى المال والموارد. في كتابه "الأب الغني والأب الفقير"، يوضح أن الالتزامات هي أي شيء يستنزف المال من جيبك . لكن في المقابل، يرى العديد من المتخصصين في إدارة الموارد البشرية أن العنصر البشري لا يمثل عبئًا ماليًا أو التزامًا بل هو أصل يُحقق قيمة مضافة للمنظمة.
إن تصنيف العنصر البشري على أنه "التزام مالي" يتعارض مع المفهوم المحاسبي التقليدي للأصول، إذ لا يمكن اعتبار الموظفين مجرد تكاليف ثابتة، بل هم استثمار يعزز استدامة النمو والابتكار داخل المنظمات.
ختامًا، يبقى العنصر البشري أصلًا استثماريًا وليس التزامًا ماليًا، سواء من الناحية المحاسبية أو من منظور "كيوساكي" فالإستثمار في العنصر البشري يُعتبر استثمارًا في المستقبل؛ فهو يسهم بشكل مباشر في تعزيز النمو الاقتصادي، ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمنظمات. ومن ثم، فإن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية تُمثل أداة أساسية لضمان استثمار فعّال في هذا الأصل الأكثر أهمية الا وهو الإنسان.