انتهت أول حصة حضرتها من مادة الترجمة وقامت الأستاذة بجولة بين صفوف الطلبة لتنظر هل كتبوا أم لا؟ وعندما وصلت إلى لاحظت أنني غير سريع الكتابة بالفرنسية وقد بقيت علي فقرات لم أستطع اكمالها قبل محو السبورة شأني شأن بعض الطلبة الآخرين فقالت لنا:"يجب عليكم أن تحسنوا مستواكم في اللغة الفرنسية والا فلن تستطيعو ان تتابعوا حصة الترجمة وهي مادة اساسية(ضارب3) وهنا انتهت الحصة وخرج الجميع يتنفسون الصعداء.
بعد الخروج سألت بعض الطلبة الذين لم يكتبوا كل الدرس مثلي عن السبب فأجابوا:"نحن فلسطينيون لانعرف الا اللغتين العربية والانجليزيةمع مستوى مبتدئ من الفرنسية(أنا لااعرف وقتها الا العربية ومستوى ضعيف للغاية من الفرنسية على الرغم من حصولي دائما فيها على نتائج لاتقل عن 16 درجة حتى في الباكلوريا).
انظلاقا من القول:"كل غريب للغريب نسيب"بدأت أنسج علاقات صداقة مع الأجانب الموجودين في القسم معي (عراقيون وفلسطينيون)وكونا فريقا متعاونا داخل القسم وكنا نتفاهم تارة باللغة العربية وتارة أخرى باللهجة المصرية"كلنا نعرف منها الكثير"ومع مرورالأيام الأولى بدأت أشعربالقرب منهم وكانوا هم أيضا سعيدون بالقرب مني والتعرف على بلادي.
هكذا بدأت أدخل أجواء الدراسة شيئا فشيئا..وبعد مرورالشهر الأول وتحسيني للباسي ومظهري اشتريت لباسا أنيقا شتويا وأزلت عني صبغة اللون الأسود التي كان سببها لي لفح الشمس الحارقة في الصحراء بموريتانيا.وذلك بكثرة الاستحمام وجودو المناخ الشتوي،كما تعلمت بعض الكلمات الضرورية في المعاملة من اللهجة التونسية وغيرت الكثيرمن السلوكيات البدوية التي كنت اتصف بها غلى سلوك مدني (الخطاب- اللباس- النظام)وبعد شهرين من هذه التحولات بدأت بواكير الاندماج مع الطلبة التونسيين تجد طريقها إلى النور بالنسبة لي.
توطدت العلاقات بيني وزملائي الطلبة الفلسطينيين والعراقيين وأدى ذلك إلى تقرب اصدقائهم التونسيين مني وعندما لاحظوا أنني استطعت الحفاظ على علاقات ودية مع أولئك الطلبة (الأجانب)بدأ التونسيون من زملائي في الفصل ينفتحون على ويتقربون مني ويرغبون في صداقتي"من خصائص الشباب التونسي المثقف الانفتاح على الأجانب وحب التعرف عليهم وعلى بلادهم".
بعد التسجيل والبدء الفعلي للدراسة عشت مشاكل كثيرة- عدا عن صعوبات الدراسة- لازمتني ولفترة طويلة ونغصت على فرصة الاستمتاع باكتشاف الوطن الجديد, وصعبت من مهمتي الدراسية فماهي؟...
* ملاحظة : هذه المذكرات نشرت جامعة جورج تاون الآمريكية حلقات منها في كتاب مترجم بالانجليزية يدرس في أكثر من 250 جامعة ومعهد حول العالم .