عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تحمل تداعيات كبيرة على الأسواق والاقتصاد العالمي.
على مدار فترة رئاسته الأولى، أثارت سياساته الاقتصادية، مثل خفض الضرائب، والتخفيف من اللوائح التنظيمية، وتطبيق الحواجز التجارية، تأثيرات واضحة على الأسواق المالية.
ومع عودته من جديد يتوقع المحللون أن يشهد الاقتصاد الأميركي تحولاً ملحوظاً في سياسات الاقتصاد الكلي، الأمر الذي سينعكس بدوره على الأسواق العالمية، بما في ذلك أسواق الأسهم، والعملات، والسلع.
كيف يتأثر الاقتصاد العالمي بسياسات ترامب؟
بحسب تقرير لرويترز، فإذا نفذ ترامب جزءاً بسيطاً فقط من تعهداته - من زيادة التعريفات التجارية إلى تحرير التجارة، والمزيد من حفر النفط والمزيد من المطالب على شركاء أميركا في حلف شمال الأطلسي، فإن الضغوط على المالية العامة والتضخم والنمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة سوف تشعر بها كل أركان العالم.
نقل التقرير عن كبير مستشاري الاقتصاد في مجموعة يونيكريديت، إريك نيلسن، قوله: "إن تعهدات ترامب المالية مثيرة للمتاعب بشكل خطير - بالنسبة للاقتصاد الأميركي والأسواق المالية العالمية - لأنها تتعهد بتوسيع العجز المفرط بالفعل بشكل كبير في نفس الوقت الذي يهدد فيه بتقويض المؤسسات الرئيسية".
وشدد على ضرورة"أن نستنتج أن ترامب يشكل تهديدا خطيرا - وحتى الآن لم يتم تقديره بشكل كاف - لسوق الخزانة الأميركية وبالتالي للاستقرار المالي العالمي".
وتشكل الرسوم الجمركية على الواردات ، بما في ذلك رسوم جمركية عالمية بنسبة 10 بالمئة على الواردات من جميع الدول الأجنبية ورسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة على الواردات من الصين، ركيزة أساسية لسياسات ترامب ومن المرجح أن يكون لها أكبر تأثير عالمي.
يشير التقرير إلى أن الرسوم الجمركية تعوق التجارة العالمية، وتخفض نمو المصدرين، وتثقل كاهل المالية العامة لجميع الأطراف المعنية. ومن المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، مما يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى العمل بسياسة نقدية أكثر صرامة.
كما نقل التقرير عن روجير كوادفليج من بنك إيه بي إن أمرو: "إن أغلب الضرر سوف يلحق في ظل فرض تعريفات جمركية شاملة على الواردات".
الصين والمكسيك في مرمى النيران
بالنسبة للأسواق الناشئة التي تعتمد على التمويل بالدولار، فإن مثل هذا المزيج من السياسات من شأنه أن يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يشكل ضربة مزدوجة تضاف إلى الصادرات المفقودة.
ويوضح التقرير أن القوى نفسها التي قد تدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع قد تؤثر على الأسعار في أماكن أخرى، وخاصة إذا فرض ترامب رسوما جمركية كبيرة على الصين كما وعد.
وباعتبارها أكبر دولة مصدرة في العالم، فإن الصين تسعى بشدة إلى إحياء النمو ، لذا فقد تسعى إلى إيجاد أسواق جديدة للسلع التي يتم استنزافها في الولايات المتحدة، وتتخلص من منتجاتها في أماكن أخرى، وخاصة أوروبا.
ومن المرجح أن تتفاعل البنوك المركزية بسرعة مع تدهور معنويات الأعمال بسرعة، وخاصة بالنسبة للاقتصادات المفتوحة المعتمدة على التجارة.
كما من المرجح أيضا أن تتخذ الحكومات إجراءات انتقامية ضد أي رسوم جمركية تفرضها الولايات المتحدة على الواردات، وهو ما من شأنه أن يعيق التجارة بشكل أكبر ويؤثر بشكل أعمق على النمو العالمي.
ومن الممكن أن تكون المكسيك الأكثر تضررا نظرا لخطاب ترامب بشأن إغلاق الحدود، والذي يأتي في ظل آفاق محلية متدهورة بالفعل.
بينما على الجانب الآخر، من بين الفائزين المحتملين، قد تتمتع البرازيل بتجارة أكبر مع الصين نظرا لأن بكين استبدلت جميع وارداتها من فول الصويا الأميركي بأخرى برازيلية عندما اشتعلت التوترات التجارية خلال رئاسة ترامب الأولى.
ولكن أوروبا قد تعاني أيضا من ضربة إضافية تتمثل في ارتفاع تكاليف الدفاع إذا قرر ترامب تقليص الدعم لحلف شمال الأطلسي. فلقد اعتمدت القارة على الوجود العسكري الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع عدم وجود نهاية في الأفق للحرب في أوكرانيا، فسوف تضطر أوروبا إلى سد أي فجوة قد يخلفها انسحاب الولايات المتحدة.
ولكن الدين الحكومي في أوروبا يقترب بالفعل من 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم فإن التمويل أصبح مضغوطا وستكافح الحكومات لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني من الحواجز التجارية وفي الوقت نفسه تمويل الإنفاق العسكري.
الأسواق تترقب
ومع هذه التفاعلات المختلفة، تثار تساؤلات مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حول تأثير سياساته على الأسواق المختلفة، بما في ذلك النفط والذهب والدولار والعملات المشفرة.
في أسواق النفط تتأثر الأسعار بتوجهات سياسة الطاقة الأميركية، بينما قد يعكس الذهب، كملاذ آمن، تقلبات الاقتصاد العالمي في ظل أي تحول سياسي. فيما يخص الدولار، فإن السياسات الاقتصادية المتعلقة بالفائدة والإنفاق الحكومي قد تلعب دوراً بارزاً في تحديد قيمته، بينما تظل العملات المشفرة عرضة للتأثيرات التنظيمية والسياسية التي قد تصاحب فترة حكمه، بينما قدم نفسه كداعم لتلك العملات خلال حملته الانتخابية.
ما الذي ينتظر قطاع الطاقة مع "عودة ترامب"؟
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أشار خبير اقتصاديات الطاقة المقيم في لندن، نهاد إسماعيل، إلى أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية يعد أمرًا إيجابيًا للطاقة الأحفورية، مقارنةً بسياسة الرئيس جو بايدن الذي فرض قيودًا صارمة على مشاريع البحث والتنقيب في النفط والغاز، وألغى مشروعات توسع صناعة الغاز الطبيعي المسال رغم النمو الكبير في الطلب على الطاقة في أوروبا وآسيا.
وأوضح أن بايدن قدّم تحفيزات مالية ضخمة لقطاع الطاقة المتجددة، إلا أنه سعى في الوقت ذاته إلى تقييد الاستثمارات في مشاريع الطاقة الأحفورية.
في المقابل، سيسعى ترامب إلى دعم شركات النفط الصخري وتعديل أو إلغاء التشريعات المعادية للنفط والغاز التي أقرها بايدن.
أضاف إسماعيل أنه في أول أسبوع من دخوله البيت الأبيض في يناير 2021، ألغى بايدن مشروعًا هامًا مثل خط أنابيب "كيستون إكس إل" (Keystone XL)، الذي كان من المقرر أن ينقل 830 ألف برميل يوميًا من حقول ألبيرتا الكندية إلى ولاية تكساس الأميركية، بهدف تقليل الاعتماد على النفط المستورد من الشرق الأوسط وغرب إفريقيا.
وبررت الإدارة الأميركية إلغاء المشروع بالحرص على حماية البيئة. وبيّن إسماعيل أن التوقعات تشير إلى أن إدارة ترامب ستعيد إحياء هذا المشروع وتستكمل بناء الخط.
وأوضح أيضًا أن إدارة بايدن علّقت 17 مشروعًا لمحطات الغاز الطبيعي المسال في ولايات لويزيانا وتكساس، بينما من المتوقع أن تقوم إدارة ترامب بمراجعة هذه القرارات وإلغائها، نظرًا لأن النفط والغاز يعتبران من الركائز الأساسية لاقتصاد الولايات المتحدة.
وأضاف أن إدارة بايدن فرضت حظرًا على عمليات الاستكشاف والتنقيب في الأراضي الفيدرالية، في حين من المنتظر أن تصدر الإدارة الجديدة التراخيص اللازمة لاستئناف التنقيب، حتى في الولايات ذات الظروف الجغرافية والجيولوجية الصعبة مثل ولاية ألاسكا.
كما أشار خبير اقتصاديات الطاقة إلى أن الولايات المتحدة تعد أكبر منتج للنفط في العالم وأكبر مستهلك له أيضًا. كما أنها تُصْدِرُ النفط الخفيف إلى أوروبا وتستورد النفط الثقيل من الشرق الأوسط وفنزويلا سابقًا، بالإضافة إلى كونها أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال لأوروبا بعد التوقف شبه الكامل للغاز الروسي نتيجة الحرب في أوكرانيا.
ولذلك، يعد قطاع الطاقة الأحفورية عنصرًا حيويًا ومؤثرًا في الاقتصاد الأميركي، وسيظل المصدر الرئيسي للطاقة التقليدية لعقود قادمة. وأكد أن فوز ترامب يعني استمرار الاستثمار في الطاقة الأحفورية مع تشجيع الإنتاج النفطي دون قيود.
كيف يُمكن أن تؤثر عودة ترامب على الأسواق والعملات؟
للإجابة عن هذا السؤال، أكد كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" في أستراليا، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن البيانات التاريخية على مدى أكثر من 80 عامًا تظهر أن الانتخابات الأميركية لا تؤثر بشكل جوهري على المدى المتوسط والطويل على الأسواق والعملات.
قد تحدث بعض التقلبات المؤقتة، ولكن دائمًا ما يتم تصحيحها من خلال الآلية الذاتية للأسواق.
وأوضح أن البيانات الاقتصادية تشير إلى تفاوت كبير في الأسواق سواء من حيث المواد أو الأسهم أو السندات، ولكن هذا التفاوت غالبًا ما يكون مرتبطًا بشكل أو بآخر بهيكلة الكونغرس الأميركي.
أشار الشعار إلى أن ما يميز انتخابات هذه المرة هو فوز الحزب الجمهوري بزعامة الرئيس السابق ترامب، وهو ما سيؤثر بشكل كبير في تسهيل تطبيق سياسات ترامب الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أن تأثير هذه السياسات على الدولار ليس من السهل تحليله، حيث سبق لترامب أن أشار إلى استهدافه خفض سعر صرف الدولار لتعزيز الصناعات الأميركية وتشجيع التصدير إلى الأسواق العالمية، وقد أصبح لديه الآن دعم من خلال الكونغرس لتنفيذ هذه السياسات.
وفيما يخص العملات الرقمية، أكد الشعار أن ارتفاعها في الآونة الأخيرة لم يكن مدفوعًا بالاعتبارات الاقتصادية المباشرة، بل جاء بدعم من رؤية ترامب لتشجيع دخول الولايات المتحدة إلى مجال العملات الرقمية، خلافًا لفترته الأولى في الحكم. وأضاف أن الأسواق بشكل عام رحبت بفوز ترامب، ومن المتوقع أن تعود الأمور إلى مسارها الطبيعي قريبًا.
وماذا عن الذهب؟
ومع فوز ترامب، تثار تساؤلات حول مستقبل مسارات الذهب، خاصة في ظل مواقف الرئيس المنتخب الداعمة لخفض الفائدة، وفي المقابل مواقفه المرتبطة بمدى قوة الدولار وتأثيرها على المعدن النفيس، الذي تراجع في أول رد فعل على فوزه بنهاية تعاملات الأربعاء.
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال رئيس الأسواق العالمية في "Cedra Markets"، جو يرق، إن وصول الرئيس ترامب إلى سدة الرئاسة سيكون له تأثير ملحوظ على العملات والأسواق والذهب.
وأوضح يرق أن معظم بنوك الاستثمار تتوقع أن يتأثر الدولار بقوة ملحوظة في المرحلة المقبلة، في ضوء السياسة الحمائية التي يتبناها ترامب، بما في ذلك فرض رسوم على الواردات.
وأضاف أن الأسهم ستشهد أيضًا نشاطًا في ضوء السياسات التي يستهدف بها ترامب خفض الضرائب على الشركات، ما سيعطي دفعة كبيرة للمستهلك الأمريكي.
أما بالنسبة للذهب، فقد أشار يرق إلى أن وعود ترامب بحل الأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية ستؤدي إلى تحسن الأوضاع بشكل عام، مما قد يدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الذهب كملاذ آمن في ظل استقرار الأوضاع.
هل تعيد "رئاسة ترامب" شبح الحرب التجارية؟
في سياق آخر، وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية 2024، تجددت المخاوف بشأن احتمال تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما كان الحال خلال ولايته الأولى.
يتوقع أن يعود ترامب إلى سياساته الحمائية، مثل فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، في محاولة لتعزيز الصناعات الأميركية وحماية الوظائف.
هذه السياسات قد تؤدي إلى توترات اقتصادية جديدة، ليس فقط مع الصين ولكن مع دول أخرى، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. في ضوء ذلك، يعكف المستثمرون على مراقبة التطورات السياسية والاقتصادية عن كثب لتقييم تأثيراتها على الأسواق العالمية.
في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عودة ترامب إلى الرئاسة ستؤثر بشكل كبير على السياسة التجارية الأميركية، حيث من المرجح أن يعيد فرض سياسات اقتصادية مشابهة لفترة حكمه السابقة، خاصة فيما يتعلق بالتجارة العالمية. وأكد أن ترامب معروف بسياساته الحمائية التي تركز على مبدأ "أميركا أولاً"، والذي يهدف إلى حماية الصناعات والوظائف الأميركية من خلال فرض تعريفات جمركية وعقوبات تجارية على الدول المنافسة، وخاصة الصين.
وأشار إلى أن عودة ترامب إلى الرئاسة قد تُسهم في تصاعد التوترات التجارية مع الصين، حيث من الممكن أن تُجدد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل أكثر حدة، مع فرض رسوم جمركية إضافية أو قيود تجارية جديدة. وأضاف أن ذلك قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي ويُجبر الصين على اتخاذ تدابير مضادة.
وأكمل الإدريسي أن عودة سياسات ترامب الحمائية قد تضر بسلاسل التوريد العالمية، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف والقيود التجارية، ما ينعكس بشكل سلبي على الشركات العالمية التي تعتمد على الإنتاج والتوريد من دول متعددة. كما أن الاقتصادات الناشئة ستتأثر سلبًا، حيث ستؤدي هذه السياسات إلى تراجع الاستثمارات الخارجية، مما قد يعطل تدفق رأس المال إلى الدول النامية.
واختتم الإدريسي بأن تحولات في التحالفات التجارية ستكون من ضمن التأثيرات المتوقعة، حيث سيدفع ذلك الدول الأخرى إلى تعزيز تحالفاتها التجارية بعيدًا عن الولايات المتحدة، مما يفتح المجال أمام تحالفات جديدة قد تُعيد تشكيل التوازنات الاقتصادية العالمية.
خلال عهده الأول من عام 2017 حتى 2021، لجأ ترامب مرارا لفرض رسوم جمركية عقابية في أي نزاعات مع شركاء بلاده التجاريين.
وفي حملته الانتخابية في 2024، تعهّد فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية نسبتها 60 بالمئة ورسوم إضافية نسبتها 10 بالمئة على السلع القادمة من باقي بلدان العالم.
سكاي نيوز عربية