كانت ثمة أيضالائحة طويلة من الممنوعات على الطلبة وقت الامتحانات أتذكر منها منع التجمع في الساحة قبل اوبعد الامتحان او حمل اية وثائق او تبادلها اوي اية معلومات أو تجمعات او حديث شفوي او بالهاتف،كما يحظر الخروج قبل نصف وقت الامتحان(ساعة على) الأقل ويحظر الدخول بعد مضي ربع ساعة على توزيع المواضيع.
كانت هذه الاجراءات المشددة في الرقابة وأجواء الامتحان صعبة علي لانها جديدة على وتقلقني نفسيا ليس لأنني متعود على الغش ولكن كثافة الرقابة وصرامتها كانت لاتترك متنفسا حتى وان كان الطالب على كرسي واحد.
ومن الظروف الصادمة الاخرى التي تعرضت لها خلال عامي الأول كثرة المواد واختلاف ضاربها وصعوبة الحصول على نقاط في التي بالعربية منها تعوض التي باللغة الفرنسية ووجود مواد لغوية جديدة علي لأول مرة "الانجليزية- الترجمة".
وكان انعدام وجود طلبة موريتانيين يدرسون بالعربية مثلي في السنة الأولى صعوبة أخرى ناهيك عن غياب أي نوع من الدعم المعنوي(المراجعة، التشجيع) من زملائي الموجودين في السنوات الرابعة والثالثة والثانية والبالغ عددهم 8 من ناحية لانشغالهم بدراستهم التي هي في معظمها تطبيقات وورشات وتقارير خارجية وداخلية ومن ناحية أخرىلما لمسته لدى البعض منهم تكبر على لا أدري ما اسبابه وثمة سبب رئيسي آخرهو صعوبة التواصل لأنني لا أعرف العربية وهم يدرسون باللغة الفرنسية.
وقد اكتشفت مفارقات كثيرة في تلك الآونة بعضها يتعلق بالطلاب الموريتانيينوالتونسيين :ففيما يخص تعامل الطلبة الموريتانيين مع الطلبة الجدد بالمعهد فقد اكتشفت أن المعهد كان أصلا يدرس باللغة الفرنسية منذ انشائه سنة1967 واجري على مقرره اصلاح تربوي يقتضي بتدريس بعض المواد بالعربية منذسنة1993 ومعظم الطلبة الموجودين فيه كانو يدرسون قبل قدومي ليه باللغة الفرنسية (الدولة الموريتانية توجه إله اصلا الناجحين الأوائل من شعبة الآداب المزدوجة).وقد عزلني اولئك الطلبة نظرا لأقدميتهم هناك ومعرفتهم باللغة الفرنسية وتخلفي نسبيا عن "لوك" التحضر كما يرونه بالعاصمة تونس–حسب مافهمت بعد ذلك.
أما المفارقة المتعلقة بالطلبة التونسيين بالمعهد فهي أنها كانت المرة الأولى(بالنسبة للجيل الجديد) التي يصل إلى المعهد فيها موريتاني من أصل عربي "أبيض البشرة ولايعرف الا العربية" ومازلت أتذكر كيف كانوا يتجمعون حولي متعجبين ومتسائلين :"هل انت متأكد أنك من موريتانيا؟ أليست بلدا افريقيا سكانه لايتكلمون الا الفرنسية؟ فكيف تعرف انت العربية ولاتعرف الفرنسية؟ كمالم انس الأسئلة التي كانوا يمطرونني بها من قبيل هل موريتانيا عربية؟ ألست بلدا افريقيا يتكلنم سكانه الفرنسية؟ أين تقع موريتانيا؟
والمفارقة الثالثة هي انعدام أي دور للسفارة هنالك والطلبة في التعريف ببلدهم جغرافيا وثقافيا على اعتبار ان الجميع سفراء وان اختلفت الاختصاصات والدليل هو هثل هذه الأسئلة على الرغم من التواجد القديم للموريتانيين كطلبة ومتدربين وسياح في هذه البلاد أليس هذا تقصيرا لامبرر له؟
كانت هذه اذن هي الأجواء العامة للدراسة في السنة الأولى "شاب في العشرين من عمره معزول في غرفة نائية بحي جامعي لامؤنس له من أبناء جلدته يقضي سحابة يومه في التحول بين قاعات المعهد ومتابعة الدروس التي لايفهم الكثير منها بسبب عامل اللغة أما ليله فيقضيه عاكفا على المعاجم عله يفكك رموز والغاز سطور قليلة من تلك المواد الطويلة والصعبة ومابين حضور الدروس في المعهد والمراجعة ليلا معاناة لاتنتهي بحثا عن الاندماج في الفصل والمسكن والشاعر والأدهى مع الزملاء الموريتانيين"القدامى" في المعهد وأماكن أخرى عله يقوي جانب لحمته بوطنه اتقاء لغوائل الأيام والليالي.
سارت قافلة الدراسة وكنت أحاول ان اطعم هذا الجو الكئيب الذي أفسد علي متعة الساحة واكتشاف البلد بمايتيسر من لحظات المرح رغم قلتها وندرة من يساهم في صنعها بالاضافة إلى عوامل اخرى تتعلق بنقص السيولة وانعدام من يذهب معي للتسفسح من الموريتانيين(يكون موثقوقا وعارفا بالأماكن السياحية واسعار النقل والخدمات الأخرى كالمقاهي والمطاعم وغيرها).ناهيك عن ضيق النهارفي فترة الشتاء تلك (10 ساعات تقريبا) وصعوبة التحرك في العطلة الأسبوعية لكثرة مصاريف النقل وارتفاع اسعار الكثير من الخدمات في العطلة الأسبوعية
رغم كل ذلك فقد ....