نقاش تعزيز التعاون بين موريتانيا وقطر :|: سفير موريتانيا بروسيا يحاضر عن النمو الاقتصادي في إفريقيا :|: افتتاح مؤتمر اتحاد المصارف العربية في بيروت :|: مشروع مرسوم بإنشاء وكالة للأمن السيبراني :|: وصول أول رحلة للموريتانية للطيران إلى المدينة المنورة :|: "الحصاد" ينشر بيان مجلس الوزراء :|: معلومات عن اجتماع الحكومة في مدينة نواذيبو :|: الرئيس : متأسف لأن سكان مدينة انواذيبو يطالبون بخدمات الكهرباء والماء :|: "الفاو" تنظم مؤتمرها الاقليمي بموريتانيا :|: انعقاد مجلس الوزراء بنواذيبو :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
 
 
 
 

موريتانيا.. الديمقراطية إذا وئدت !!/مصطفي عياط

samedi 25 avril 2009


بإعلان الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي قاد انقلابًا عسكريًّا في أغسطس الماضي أطاحَ فيه بالرئيس الموريتاني الْمُنْتَخَبِ محمد ولد الشيخ عبد الله، تَرَشُّحَهُ للانتخابات الرئاسيةِ الْمُقَرَّرَةِ في يونيو المقبل، فإن ربيع الديمقراطية الذي عاشَتْهُ البلاد، واستَمَرَّ لأقل من عامين، يكون قد وصل لنهايته، إذ إن أي حديث عن انتخابات نزيهة في ظل وجود الجنرال عبدشون عرب العزيز ضِمْنَ قوائم المرشحين، يُعَدُّ نوعًا من الأحلام الساذجة، الأمرُ الذي يُؤَكِّدُ وجاهةَ مَوْقِفِ مَنْ فَضَّلُوا منذ البداية التَّرَيُّثَ، وتَحَفَّظُوا عن التهليل لفجر الحرية الذي بزغ في موريتانيا، باعتبارِ أنّ الديمقراطيةَ أَعْقَدُ بكثيرٍ من مُجَرَّدِ تصويتٍ حُرٍّ، وصناديقِ اقتراعٍ شَفَّافَةٍ.

وكان البعض قد راهَنَ على أن انقلاب ولد عبد العزيز ربما يكون مُجَرَّدَ "وعكةٍ" عانتْ منها العديدُ من الديمقراطياتِ الوليدةِ في بدايتها، لكنها سَرْعَانَ ما تعافَتْ منها، واستعادتْ زَخَمَهَا مرةً أخرى، لكنّ ولد عبد العزيز سعى خلال الأشهر التي تَلَتِ الانقلابَ لترتيبِ الأوضاعِ لمرحلةٍ طويلةٍ من البقاء، وهو ما يعني عودةَ البلاد لحكم العسكر مُجَدَّدًا، حتى ولو كان القابض على زمام الحكم قد استبدل بَذْلَتَهُ العسكريةَ بأخرى مَدَنِيَّةٍ.

وبالنسبة لفريقٍ من الْمُحَلِّلين، فإن كل ما شهدته موريتانيا في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع في أغسطس 2005، كان مجردَ عَمَلِيَّةٍ "جراحيةٍ تجميلِيَّةٍ" قادَتْها النخبة الحاكمة، من جنرالات وسياسيين وزعماء عشائر، من أجل الإطاحةِ بِرَأْسِ النظام، الذي أصبح هدفًا لمحاولات انقلابٍ متكررةٍ، فضلًا عن سمعته السيئةِ كحاكمٍ ديكتاتوريٍّ، على أن يتم استبدالُهُ بوجهٍ أكثرَ قَبُولًا. ولم يكن لدى هؤلاءِ مانعٌ من أن يتم ذلك عبر عمليةٍ ديمقراطِيَّةٍ شكليةٍ، تجري بحضور مراقِبِينَ من الداخل والخارج؛ لِحَصْدِ المزيدِ من المصداقية، كل ذلك بشرطِ عَدَمِ المساسِ بمصالحِ ونُفُوذِ هذه النُّخْبَةِ، التي سوف تستمِرُّ في الإمساك بزمام الأمور، ولو من وراءِ ستارٍ.

"دفاتر قديمة"

ويُدَلِّلُ هؤلاء المحللون على وجهة نظرهم، بالإشارة إلى أن معظم الوجوه التي فازت في انتخاباتِ مَجْلِسَيِ البرلمان، النوابِ والشيوخ، ديسمبر 2006 وفبراير 2007 لم تخرجْ عن دوائِرِ هذه النخبة السياسية والعشائرية، وللمفارقةِ، فإنّ معظمهم كان من ذوي النُّفُوذِ والسَّطْوَةِ خلال حكم ولد الطايع.

أما فيما يتعَلَّقُ بانتخابات الرئاسة، فقد احتاج الأمرُ لمزيدٍ من التقليبِ في "الدفاتر القديمة"، حتى تم العثور على الوزير السابق محمد ولد الشيخ عبد الله، وهو شخصيةٌ مُتَدَيِّنَةٌ تحظى بالقبول الشعبي، وفي ذاتِ الوقت سهلةٌ طَيِّعَةٌ، يُمْكِنُ توجيهها من وراء الستار، وبالفعل نجح ولد الشيخ في الفوز عبر مرحلتين انتخابيتين، خاض خلال الثانية مواجهةً ضارِيَةً مع المعارض العتيد أحمد ولد داداه، وكان معلومًا للبعض أنّ هناك مَنْ يساند ولد عبد الله خُفْيَةً.

وهكذا سار هذا السيناريو كما خَطَّطَ له واضِعُوه، إلا أن ولد عبد الله، وبعد وصوله لكرسي الرئاسة، حاوَلَ مُمَارَسَةَ صلاحِيَّاتِهِ بشكلٍ كامل؛ حيث كلف الاقتصادي الزين ولد زيدان، الذي حَلَّ ثالِثًا في انتخابات الرئاسة، بتشكيلِ أوَّلِ حكومةٍ في عهده، وجاءتِ التشكيلةُ لِتَعْكِسَ الأجواء الإيجابية التي عاشتْها البلادُ حينئذ؛ حيث ضمت شخصياتٍ من مُخْتلف ألوان الطيف السياسي، كما سعى الرئيسُ لِتَعْزِيزِ استقلالِيَّتِهِ في مواجهة العسكر عَبْرَ تشكيلِ حزبٍ سياسيٍّ موالٍ لها، وبالفعل سَرْعَان ما هرول عشراتُ النُوَّاب للانضمام للحزب الوليد، الذي أصبح خلال أيامٍ حِزْبًا حاكمًا يمتلك الأغلبيةَ في البرلمان.

الولاء للعسكر

وفي خضم هذه التطورات المتلاحقة فات ولد عبد الله أنّ غالبية نواب الحزب هم في الحقيقة يَدِينُون بالولاء للعسكر أكثرَ من ولائهم له، وبالفعلِ حينما اشتدّ الخلاف بين الطَّرَفَيْنِ سارع هؤلاء النُّوَّاب للانسحاب من الحزب، مُنْحَازِين إلى جبهة العسكر، كما أن الآمال العريضةَ التي بَشَّرَ بها الرئيس في بداية حكمه لم تُثْمِرْ شيئًا على أرض الواقع، فمن سوء الحظ أنّ حكومته الأولى جابَهَتْ أزمةَ الارتفاع الرهيب في أسعار المواد الغذائية، التي ضربتْ مختلف دول العالم، وكان تأثيرها أعنفَ في دولةٍ فقيرةٍ ومستوردةٍ للغذاء مثل موريتانيا.

وفاقَمَ من الحنق الشعبي تجاه حكم ولد الشيخ التجاوزاتُ التي نُسِبَتْ إلى أسرة الرئيس والعديد من الْمُقَرَّبِين منه؛ حيث تَحَدَّثَ البعض عن تجاوزاتٍ مالِيَّةٍ منسوبةٍ إلى زوجة الرئيس وابْنِهِ، كما أن مسعى حكومة ولد زيدان لخصخصةِ الشركة الموريتانية للمعادن والحديد "أسنيم"، والتي تُمَثِّلُ أكبر مصدر للدخل القومي، قُوبِلَ بانتقاداتٍ عنيفةٍ من جانب أحزاب المعارضة، والتي طالبَتِ الحكومةَ بدلًا من ذلك بالتركيز على محاربة الفساد الْمُسْتَشْرِي في كافة مفاصل البلاد.

بالكاد أكملت حكومة ولد زيدان عامَهَا الأول؛ حيث اضطرت للاستقالة في مايو 2008، وتم تشكيل حكومةٍ جديدةٍ برئاسة "يحيى ولد أحمد الواقف"، لكنّ الأمور كانت قد بدأتْ في الخروج عن السيطرة؛ حيث أعلن العديدُ من نُوَّابِ حزب الرئيس (العهد الوطني للديمقراطية والتنمية "عادل") تَمَرُّدَهم عليه، وبدءوا يُعِدُّون العُدَّةَ لمساءلته برلمانيا، تمهيدًا لِعَزْلِه، وفي ذات الوقت صَعَّدت المعارضةُ من انتقاداتها للرئيس وحكومته، حتى أن بعض قادة المعارضة اعتبر أن الأوضاع في ظل حكم ولد الطايع لم تكن تختلفُ كثيرًا عما آلتْ إليه على يد ولد الشيخ.

رئيسٌ في مأزق

بدوره هدد ولد عبد الله بِحَلِّ مجلس النُّوَّاب، كما لجأت الحكومة للتضييق على الحريات العامة، وهو ما خَصَمَ كثيرًا من رصيد الرئيس شَعْبِيًّا، حتى انتهى الأمر باستقالة حكومة ولد الواقف قبل أنْ تُكْمِلَ شهرها الثالث في يوليو 2008، ثم أُعِيدَ تَكْلِيفُهُ مُجَدَّدًا بتشكيلِ الحكومة، إلا أن المواجهة كانت قد وصلتْ لنهايتها، إذ قرر ولد عبد الله خَوْضَ معركتِهِ الأخيرة بمواجهةٍ مباشرةٍ مع الجنرالَيْنِ النافِذَيْنِ محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الجمهوري، ومحمد ولد غزواني، رئيس أركان الجيش، اللَّذَيْنِ كانا يُمْسِكَانِ بكل خيوط اللعبة من خلف الكواليس؛ حيث قرر إقالتَهُما من منصبيهما، لكن وكما هي العادة في دول مثل موريتانيا، فإن الإطاحة بنظامِ حُكْمٍ مُنْتَخَبٍ بأكمله أسهلُ بكثيرٍ من زحزحةِ جنرال من منصبه، وبالفعل فقد أعلن الجنرالان الإطاحة بولد الشيخ، ووضعاه في السجن.

هذه الدراما السياسية، التي عاشتها موريتانيا لنحو ثلاث سنوات، يُمْكِنُ الخروجُ منها بعدةِ دروسٍ وعِبَرٍ، لعل أبرزَهَا أن الديمقراطية ليست فقط مجردَ انتخاباتٍ حُرَّةٍ وبرلمان مُنْتَخَبٍ، فالأمر يحتاج بدايةً لوجودِ نُخْبَةٍ سياسِيَّةٍ تُؤْمِنُ بالتَّدَاوُلِ السِّلْمِيّ للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، وهو ما كان مُفْتَقَدًا في موريتانيا؛ حيث كشف تطَوُّرُ الأحداث أن زعيم المعارضة أحمد ولد داداه شَجَّعَ سِرًّا العسكر على الإطاحة بالرئيس المنتخب، مع أن ولد داداه، ووَفْقًا للدستور الموريتاني، كان يحظى بامتيازاتٍ بروتوكوليةٍ ومالِيَّةٍ بوصفه زعيمًا للمعارضة، لكنّ الرجل استعجَلَ الوصول للحكم ولو عبر دبابات العسكر، وهو ما لم يتحَقَّقْ؛ حيث فَضَّلَ الجنرال ولد عبد العزيز أنْ يُدِيرَ اللُّعْبَةَ بنفسه ولصالحه هو شَخْصِيًّا.

نخبة انتهازية

ولد داداه لم يكن استثناءً في هذا الأمر، فالكثير من الساسة ونواب البرلمان تعاملوا مع انقلاب العسكر بمنطقٍ انتهازِيٍّ بحت، هذا فضلًا عمن شاركوا أصلًا في التمهيد للانقلاب؛ حيث اتخذوا من خلافهم مع ولد الشيخ مُبَرِّرًا لتأييد الانقلاب، مع أن أبسط قواعد الديمقراطية تنُصُّ على الاحتكام للمؤسسات المنتخبة، أو العودةِ للشعب مرة أخرى، إذا ما استحكم الخلاف بين أطراف العملية السياسية، لكنّ عدم الاقتناع الجَدِّيّ بقواعد الديمقراطية، دفعهم للقفز فَوْقَهَا، والعودةِ مرةً أخرى إلى المربع صفر.

وإضافةً إلى النخبة، فإن الشعب الموريتانِيَّ تعامَلَ مع الانقلاب بسلبِيَّةٍ شديدةٍ للغاية، مع أن الْمُفْتَرَضُ في الشعوب أنها خَطُّ الدفاع الأخير عن الديمقراطية، وذلك إذا ما انهارَتِ المؤسساتُ الأخرى المنوطُ بها هذا الدور، من قضاءٍ وبرلمان وأحزاب، إلا أنه في موريتانيا كانت الأوضاع مقلوبةً، فالأحزاب والبرلمان كانا جزءًا من المؤامرة على الديمقراطية، أما المؤسسة القضائية فهي شِبْهُ غائبةٍ عن المشهد، وحتى الشعب فإنه على ما يبدو نَظَرَ للأمر على أنه "لعبةٌ جديدة" بين أجنحة النُّخْبَةِ، وعزَّزَ من ذلك الموقف كونُ العملية الديمقراطية نشأتْ أساسًا بقرارٍ من السلطة، ولم تكن ناتجةً عن نضال شعبي.

ورغم أن سلسلة الانتخابات التي شَهِدَتْهَا البلاد خلال عامي 2006 و2007 لاقت إقبالًا شَعْبِيًّا كبيرًا، إلا أنه يمكن إرجاعُ ذلك إلى قدرة العصبيات العشائرية والسياسية على حَشْدِ الناخبين للتَّوَجُّهِ لمكاتب الاقتراع، لكن دون إيمانٍ حقيقِيٍّ بقيمة وجدوى الديمقراطية، كآليةٍ لإدارة المجتمع. ومن اللافت أن الخارج، بِبُعْدَيْهِ الإقليمي والدولي، لم يكن مُتَحَمِّسًا للدفاع عن الديمقراطية الوليدة في موريتانيا، فدول الجوار كانتْ تَخْشَى من انتقال عَدْوَاها إليها، ولذا فإنّ هناك دلائلَ عدةً على حصول العسكر على دَعْمٍ وتأييدٍ من إحدى دول الجوار، وحتى سلسة العقوبات التي فُرِضَتْ على النظام العسكري في أعقاب الانقلاب، كانتْ أشْبَهَ بِذَرِّ الرماد في العيون، أكثرَ من كونها أداةَ ضغطٍ حقيقية.

المصدر : الاسلام اليوم

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا