النيابة العامة تستأنف الحكم في قضية قتل الصوفي :|: حزب التكتل يدين سجن ولد غده :|: مواعيد الافطارليو م18 رمضان بعموم البلاد :|: وزيرالدفاع وقائد الاركان بزويرات ..قبل زيارة الرئيس :|: منظمة الشفافية تندد باعتقال رئيسها وتطالب بإطلاق سراحه :|: تكوين لمفوضي وضباط الشرطة حول القوانين المجرمة للعبودية :|: منظمة الشفافية تندد باعتقال رئيسها :|: اتفاق مع شركات عربية لاستغلال حقلي "باندا" و "تفت" للغاز :|: توقيف 10 منقبين على خلفية أحداث “الشكات” :|: الناطق الرسمي : تأثرت بعض الخدمات الآساسية في الحوض الشرقي بسبب تزايد أعداد اللاجئين :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

الموعد الأنسب لممارسة الرياضة في رمضان
من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
تعيينات هامة في قناة الموريتانية
الاعلان المشترك : شراكة استراتيجية تؤسس لعلاقة جديدة *
توقيف لصوص سرقوا 60 مليون أوقية من شركة بنواكشوط
الوجيه والسياسي عبد الحي ولد محمد لغظف يطالب من مقاطعة تامشكط بمأمورية ثانية لرئيس الجمهورية
ما أقصروأطول ساعات الصيام في رمضان 2024/1445؟
دولتان عربيتان بين أكبرمنتجي ومصدري الطماطم عالميا
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
 
 
 
 

غزة.. و الاستثناء الإسرائيلي في القانون الدولي/ محمد السالك ولد ابراهيم باحث و خبير استشاري

lundi 21 juin 2010


"هناك تناقض دائم بين حقوق الإنسان والسياسة الخارجية لدولة ما، حتى في فرنسا" ب. كوشنير

إنها في الواقع جريمة حرب بمفهوم القانون الدولي الإنساني، تلك العملية العسكرية الدموية للكوماندوس الإسرائيلي ضد " أسطول الحرية". و المسؤولية الجنائية المترتبة على هذه الجريمة تقتضي أن يحاكم و يعاقب مرتكبوها أمام العدالة. " أسطول الحرية" مبادرة رتبتها منظمة غير حكومية تسمى "الحملة المدنية الدولية لحماية الشعب الفلسطيني" (CCIPPP). لقد آثر ركاب السفينة " مرمرة" و زملاؤهم في بقية الأسطول نقل إمدادات إنسانية لإغاثة سكان قطاع غزة ممن بقوا على قيد الحياة رغم الحصار الجائر و رغم حرب "الرصاص المصبوب"(Plomb durci) الهمجية التي قادتها إسرائيل ضدهم في ديسمبر - كانون الأول 2008 و يناير - كانون الثاني 2009. لكن العالم كله قد أصيب بصدمة عنيفة من جراء وحشية القرصنة الإسرائيلية، حيث عبرت جميع الشعوب عن غضبها وشجبها لتلك الحادثة المؤسفة. فإلى متى تستمر دولة إسرائيل في خرق القانون الدولي و الإفلات التام من العقاب؟ بل لماذا هذا الاستثناء الإسرائيلي في القانون الدولي؟

في الواقع، لا يخلو القانون الدولي كما هو معروف من تأثير إشكالية العنف في العلاقات الدولية و من التباين في تأويل مفاهيم الحق والعدل والقوة والمنفعة. ومع ذلك ، فقد شكل ظهور مفاهيم جديدة مثل "حق التدخل الإنساني" أو "واجب التدخل" في سياق القانون الدولي الإنساني، باجتهاد من البروفسور ماريو بتاتي و صديقه الدكتور برنارد كوشنير- من خلال كتابهما المشترك "واجب التدخل" الصادر سنة 1987- تغيرا جوهريا في مجال ممارسة القانون الدولي. فقد بشر هؤلاء بأن "حق التدخل الإنساني" واجب قانونيا حتى و لو كان ضد إرادة و سيادة الدول. و رغم غرابته و انتقائيته، كان ينظر إليه آنذاك باعتباره "توجها تقدميا" في القانون الدولي.

ولكن، بعد 20 سنة، تبدو ممارسة القانون الدولي الإنساني كما لو كانت تسير إلى الوراء. و في هذا السياق، يعد الموقف العدائي لدولة إسرائيل تجاه القانون الدولي حالة نموذجية. وهكذا يشكل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في قطاع غزة - كحالة تراكمية عبر الزمن- خرقا جوهريا للقانون الدولي. فبموجب القانون الدولي، قد يكون الاحتلال حالة مؤقتة، ربما فقط ضمن الوقت اللازم لاستعادة السلام في حالات الصراع و النزاع المسلح. و لكن، لا شيء في القانون الدولي يمكن أن يبرر حالة الاحتلال لما يزيد على 43 سنة، إلا إذا كانت إرادة المحتل لمحو الشعب الفلسطيني من الوجود بشكل منهجي. و ذلك بالضبط هو ما تقوم به إسرائيل. إن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 أغسطس 1949، تلزم دولة إسرائيل - كقوة احتلال- بتأمين الحماية للسكان الفلسطينيين. و لكن الدولة العبرية - على العكس من ذلك تماما – قد عاقبت جماعيا أهالي قطاع غزة بفرض حصار اقتصادي و إنساني عليهم. كما قامت كذلك بعمليتها العسكرية سيئة الصيت المعروفة بـ "الرصاص المصبوب" في ديسمبر 2008 و يناير 2009 ضد أولئك السكان الذين لم يكونوا للأسف في وضعية تمكنهم لا من حماية أنفسهم و لا حتى من الفرار.

غزة .. حصار جائر :
من لا يعرف الموقع الجغرافي الحرج لقطاع غزة، لا يكمن أن يتصور حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني هناك. لذا، أوردت هنا حرفيا نص التعريف الذي "أعطته" لقطاع غزة منظمة غير حكومية دولية هي" أطباء العالم" في بيان صحفي بتاريخ 07/10/2008. "إن قطاع غزة هو برميل بارود سياسي و إنساني. إنه سجن مفتوح بمساحة 40 كيلومترا في 10، يتكدس فيه أكثر من 1.5 مليون شخص يخضعون لحظر دولي شديد القسوة منذ ربيع 2006، عالقين بين فكي كماشة حركتي فتح و حماس ". أما النتائج الكارثية للحصار الإسرائيلي على غزة فهي متوفرة لمن يريد الإطلاع على تفاصيلها على الموقع الإلكتروني لصحيفة لو فيجارو الفرنسية : "الحصار بالأرقام".

كما يتوجب هنا أيضا تقديم توضيحات بشأن الوضع القانوني لقطاع غزة بموجب القانون الدولي. إن بيان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون في 15 سبتمبر 2005 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعوى أن قطاع غزة قد أصبح إقليما حرا وذا سيادة، إنما كان مجرد مسرحية خادعة. فمن أجل تبرير إنهاء التزاماتها القانونية كسلطة احتلال، لجأت إسرائيل إلى "إخراج" عملية إجلاء المستوطنين والجنود الإسرائيليين من قطاع غزة سنة 2005 باعتبارها إنهاء للاحتلال الإسرائيلي للقطاع.

و لكن المعيار الحاسم في القانون الدولي لتحديد ما إذا كان إقليم ما محتلا أم غير محتل هو "السيطرة الفعلية" على الإقليم. إن "السيطرة الفعلية" لا تقتضي بالضرورة وجودا عسكريا مباشرا. و ما من شك في أن إسرائيل ما زالت هي القوة المحتلة التي تمارس "السيطرة الفعلية" على قطاع غزة. و الدليل على ذلك هو أن إسرائيل :

• ما زالت تسيطر على المعابر الستة للوصول إلى قطاع غزة ؛
• ما زالت تسيطر على قطاع غزة من خلال عمليات التوغل العسكرية الدورية ؛
• ما زالت تحظر السكن في أجزاء معينة من قطاع غزة ؛
• ما زالت تسيطر على كامل أجواء قطاع غزة ؛
• ما زالت تسيطر على كامل المياه الإقليمية لقطاع غزة ؛
• ما زالت تسيطر على سجلات مراقبة الحالة المدنية للفلسطينيين : الجيش الإسرائيلي هو من يحدد الحالة المدنية لسكان غزة؛

إذا، في ضوء الاعتبارات القانونية ذات الصلة الواردة أعلاه، لا يزال قطاع غزة أرضا محتلة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. و ما دامت دولة إسرائيل قوة محتلة فإن الشعب الفلسطيني في غزة لا يزال يتمتع بحقه المطلق و غير القابل للتصرف في الحماية القانونية التي تكفلها اتفاقية جنيف الرابعة المذكورة آنفا.

لهذه الأسباب، لا بد من تحليل سلوك و تصرفات إسرائيل في قطاع غزة وتقييمها وفقا لأحكام هذين الفرعين من القانون الدولي من أجل تحليل الوقائع و تحديد المسؤوليات الناجمة عنها من الناحية الجنائية.

واستنادا إلى هذا المبدأ، فإن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 3 سنوات ، يتعارض مع الالتزامات القانونية لدولة إسرائيل بموجب أحكام القانون الدولي باعتبارها دولة موقعة على اتفاقية جنيف الرابعة. إن هذا الحصار هو ممارسة مهينة و هو أقرب إلى عقوبة جماعية لا إنسانية، محظورة بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. بل إن على إسرائيل أيضا كقوة احتلال واجب القيام بكل شيء لمنع وقوع الأزمات الإنسانية التي يعاني منها قطاع غزة بسبب الحصار. و هذا هو ما تنص عليه بالضبط المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة.

جميع البيانات متواترة و كل التصريحات الموثقة للوكالات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة وغيرها تجمع بشكل لا لبس فيه على أن الحصار المفروض على قطاع غزة تسبب في نقص في جميع أنواع الموارد و الخدمات و البضائع، مما أدى إلى وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة. و بالرغم من أن إسرائيل كانت قد صادقت على أحكام الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والثقافية لسنة 1966، إلا أنها ظلت ترفض دوما تطبيقها في الأراضي المحتلة، كما تتذرع المحاكم الإسرائيلية بعدم اختصاصها في مقاضاة أعمال الجيش التي يقوم بها لاعتبارات أمنية. إن التدابير التي اتخذتها إسرائيل من إغلاق المعابر، والحد من إمدادات الوقود لتوليد الكهرباء، وتخريب المجال المصرفي و تفاقم أزمة الغذاء والبطالة المستفحلة، الخ... إنما تشكل انتهاكات واضحة و فاضحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، و لاسيما أحكام الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والثقافية مثل الحق في الحياة (المادة 6) ، والحق في الغذاء الكافي (المادة 11) ، والحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية (المادة 12) ، والحق في التعليم (المادة 13) ،... كما زاد حصار غزة من مخاطر سوء التغذية و نقض أغذية الأطفال. و من المعلوم أن حق الأطفال في ظروف معيشية لائقة و في الصحة هي من بين المبادئ المنصوص عليها في المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، و هي ذات الاتفاقية التي صادقت عليها دولة إسرائيل.

ضرب أسطول الحرية.. فطفح الكيل :
وكما لو أن كل هذا التمادي لم يكن ليكفي إسرائيل في مسارها للتلاعب بقواعد القانون الدولي الإنساني، ذلك القانون العزيز على قلب السيد ماريو بتاتي، الذي كان أحد أساتذتنا المبجلين لمادة القانون الدولي و العلاقات الدولية مع السيدين الفاضلين دومينيك كارو و إيف دوديه، بالمعهد الدولي للإدارة العمومية بباريس مع نهاية التسعينيات. و هو نفس القانون الدولي الإنساني الذي كان عزيزا كذلك إلى قلب صديق آخر للعميد ماريو بتاتي هو السيد برنارد كوشنير، ذلك الطبيب الفرنسي الجريء الذي حمل مبكرا لواء قانون التدخل الإنساني الشهير، منذ أن ركب البحر لإنقاذ لاجئي القوارب الفيتنامية قبالة الساحل الفيتنامي على متن سفينة تسمى "جزيرة النور" ... و هي سفينة تذكرنا اليوم بمأساة سفينة أخرى هي مرمرة و أسطول الحرية.

من خلال هجومها على أسطول الحرية، أرادت إسرائيل مجددا أن ترمي عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية الأربع لمؤتمر جنيف 1958 و بالاتفاقية الدولية لخليج مونتيغو- باي 1982 التي تشكل العمود الفقري للقانون الدولي للبحار.

كل شيء يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الضربة الإسرائيلية كانت مرتبة. و يتضح ذلك من خلال محاولة إسرائيل التأثير على وسائل الإعلام الدولية لنقل و تداول روايتها الخاصة بالأحداث و ترويج ادعاءاتها و كذا التعتيم الإعلامي و مصادرة الصور و أجهزة البث التي كانت على متن الأسطول. لقد حاولت إسرائيل التهرب من خطيئتها أول الأمر. و عبثا روجت أعذارا واهية كالقول بأن نشطاء أسطول الحرية مجرد أناس يبحثون عن الشهرة و أنهم.. غاوو مشاكل لأنهم كانوا يعرفون جيدا أن إسرائيل لن تسمح لهم بالمرور بسبب الحصار و قد تعمدوا الإثارة فقط. لكن تلك التبريرات الواهية ما لبث أن سقطت.. عندما تكشفت أمام العالم وقائع الجريمة الكاملة التي اقترفتها إسرائيل. جريمة بأبعاد وسائل الإعلام الدولية التي غطت الحدث أولا بأول. هذه المرة.. يبدو أن الكيل قد طفح بالإسرائيليين.. عندما أقدموا بكل رعونة على مهاجمة أسطول الحرية في المياه الدولية.. شيء ما قد هز العالم و هو يشاهد بشاعة الجريمة الإسرائيلية على الشاشات الصغيرة.. لم يعد الرأي العام العالمي يصدق أكاذيب إسرائيل.

لقد وقعت الاتفاقيات الدولية لقانون البحار و صودق عليها في جنيف سنة 1958 و تمت مراجعتها بعد ذلك في مونتيغو باي سنة 1982. وهي تحدد قانونيا محاصصة المناطق البحرية (المياه الداخلية و الإقليمية والمنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري ، وأعالي البحار، والنظم الخاصة بالمضائق الدولية والدول الأرخبيلية) ، كما تنص على الحقوق والواجبات الملزمة للدول في هذه المجالات، بما في ذلك الملاحة واستغلال الموارد الاقتصادية، فضلا عن حماية البيئة البحرية. و طبعا، لا يتوقع أن تكون إسرائيل، التي لا تعترف بالمياه الوطنية الفلسطينية، من الدول الموقعة على هذه المعاهدات الدولية.

و تعتبر قواعد القانون الدولي للبحار مقبولة من طرف جميع بلدان العالم و هي مشروعة. فمثلا، تمتلك أي دولة ساحلية حق المطاردة في أعالي البحار بشرط أن تكون انطلاقتها قد وقعت داخل مياهها الإقليمية. كما يتوجب على أي دولة ساحلية أيضا جملة من التزامات مثل تقديم المساعدة والإغاثة إلى أي شخص يتعرض للخطر، و قمع و التعاون في قمع القرصنة، و نقل العبيد، والاتجار بالمخدرات، إلخ...

لقد وقع العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية داخل المياه الدولية. و على الرغم من أنها لم تصادق على اتفاقية مونتيغو باي ، فإن إسرائيل لا تملك إي سلطة في المياه الدولية لأعالي البحار. و إن مما لا شك فيه أن أحكام القانون الدولي البحري تكفل حرية التنقل وحظر قيام أي دولة بأعمال عسكرية، كما أن لهذه الأحكام القانونية قيمة عرفية، و هي بالتالي ملزمة لإسرائيل. إن أحكام القانون الدولي في هذا المجال هي في غاية الوضوح، حيث تنص على ما يلي :

المادة (87). - أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول [...]و يتضمن : أ) حرية التنقل.
المادة (88) - يجب أن تكون مناطق أعالي البحار محفوظة للأغراض السلمية.
المادة (89) - لا يجوز لأي دولة أن تدعي إخضاع أي جزء من أعالي البحار لسيادتها.

و تأسيسا على ما سبق، يشكل مجرد التدخل العسكري الإسرائيلي ضد أسطول الحرية انتهاكا واضحا للقانون الدولي حتى لو لم يتسبب في إراقة دماء. و حيث لا يمكن لدولة إسرائيل - بأي شكل من الأشكال- أن تدعي بأن لها أي سلطة على ركاب السفينة مرمرة الذين ينتمون إلى أكثر من 40 جنسية، فهي قد قامت بقتل أو جرح بعضهم، بينما تسببت للبعض الآخر بالترهيب و التعذيب و التنكيل والسرقة و التجريد من الممتلكات و الحرمان من الحرية. و إذا، يتضح بأن ما حدث كان أخطر بكثير. فقد اقترن هذا الانتهاك الخطير للقانون الدولي بأعمال قرصنة دموية تسببت في وقوع ضحايا. و في هذه الحالة، فإن القانون الدولي شديد الوضوح، إن استخدام العنف ضد أسطول الحرية - عدا عن كونه جريمة نكراء بحد ذاته- فهو كذلك ظرف مشدد لمخالفة إسرائيل للقانون الدولي بتدخلها العسكري ضد أسطول الحرية.

إن التصريحات الحالية حول النظر في إجراء تحقيق دولي لتحديد ما إذا كان العمل الإسرائيلي يعد جريمة أم لا، هي مؤسفة وسخيفة. و هي علاوة على ذلك، وسيلة للتقليل من خطورة الحادثة و لتمييع جريمة إسرائيل في انتظار العثور لها على مخرج. إذ لا يمكن مناقشة تدخل مسلح في أعالي البحار عندما تقوم به قوة محتلة ضد قافلة إغاثة إنسانية لصالح سكان يتعرضون لحصار اقتصادي وإنساني تفرضه عليهم نفس القوة المحتلة. و إذا كان هناك ما يحتاج إلى مناقشة حقا، فهو ضرورة التركيز على ترتيبات تحقيق جنائي دولي لتقصي الحقائق و الإطلاع على أركان و أدلة الجريمة الكاملة التي ارتكبتها إسرائيل.

للأسف، سبق أن تعرضت قواعد القانون الدولي للبحار للمخالفة في مناسبات عدة. فقد أغرقت فرنسا سنة 1985 سفينة " راينبو واريور"التابعة لمنظمة السلام الأخضر "غرين بيس" و لكن من دون ضحايا. و قد كانت السفينة حينذاك في المياه الإقليمية النيوزيلندية من أجل الاحتجاج على التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادي. ولكن، حتى فرنسا تمت معاقبتها آنذاك بغرامة مالية ثقيلة، انتهت للتو من دفع أقساطها. و سيكون من المدهش حقا أن تفلت إسرائيل من مقاضاة المحكمة الدولية لقانون البحار في هامبورغ لها عن الجرائم المرتكبة.

لقد وضعت هذه الحادثة مصداقية القانون الدولي وشرعية المؤسسات القضائية الدولية على المحك. ففي القانون الدولي كما في القانون الوطني تعتبر الأحكام التي تصدر عن القضاء جزء أساسيا تراكميا من القانون. فإذا ما قرر العالم أن يغض الطرف اليوم عن دولة إسرائيل و يتركها تضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولي و تفلت من العقاب لأي عذر كان، فإن ذلك قد يشكل غدا ذريعة لدول أخرى لكي تحذو حذوها. إن الإفلات من العقاب يشجع دائما على ارتكاب المزيد من الجرائم و بدون أي مبالاة.

في مواجهة هذه الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبات جنائية، يتعين اليوم على كل الشرفاء في جميع أنحاء العالم أن يبادروا باستخدام جميع الوسائل المشروعة و أن ينسقوا جهودهم لإيجاد آلية دولية للعمل المشترك فيما بينهم. و ينبغي أن تضم هذه الآلية خبراء في القانون الدولي و نشطاء من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان و هيآت المجتمع المدني من أجل دراسة كافة السبل و الوسائل القانونية المتاحة وطرق رفع الدعاوى الأنسب لتقديم المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أمام العدالة الدولية للمسائلة عن جرائمهم ضد الإنسانية.


* ملحوظة :
أصل هذا المقال منشور باللغة الفرنسية على موقع الإنترنت لشبكة البحث و التحليل الدولية "أقطاب متعددة" في جنيف MULTIPOL حيث أن الكاتب عضو محرر فيها. و المقال الأصلي موجه أساسا للرأي العام و النخب الغربية و قد عرب و نشر تعميما للفائدة.

* باحث و خبير استشاري
medsaleck@gmail.com

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا