* بقلم : محمد ولد محمد الأمين (العميد)
خرجنا في حدود الساعة العاشرة وتناولنا الإفطار الصباحي في مقهى قريب من المستشفى حتى وصلنا محطة الحافلات على الطريق ذاته التي تمر من أمام المعهد. بعد فترة انتظار وصلت حافلة وصعدنا إليها.
بعد 10 دقائق وصلنا للمعهد وتم تسجيلي فيه من طرف المكتب المختص وسلمت لي شهادة التسجيل...أحسست وقتها (الاثنين 15 كتوبر1996) بأنني أصبحت على بداية السكة في طريقي فعلا إلى تكوين مستقبلي العلمي والمهني ولكنني في الوقت ذاته أحسست بثقل العبء الذي ألقي على عاتقي بسبب هذه الرحلة الدراسية والذي تترجمه أسئلة كثيرة من بينها ما هي الظروف المتوفرة لي لتحمل هذا العبء؟كيف سأندمج في المجتمع الجديد؟ما هي أهم العراقيل الدراسية؟كيف سأتغلب عليها؟
اتكلت على الله وقررت مواجهة الواقع الجديد وحيدا بعد ما غادرني زميلي "م.أ.بديه" الذي كان قد عرفني على بعض طاقم الرقابة بالمعهد والمشرفين على إدارة الدروس وأوصاهم بي خيرا،كما فعل مع مشرف المطعم الجامعي الوحيد الذي يتناول فيه الطلبة الغداء.
ناولني أحد المشرفين على الدروس جدولي الزمني وقال لي:"أنت في السنة الأولى الفريق8 واليوم انتهت فترة دراستكم عليك أن تعود في الغد الساعة العاشرة صباحا". نظرا لتأخري عن الدراسة "فترة شهر" أجلت قضية السكن إلى وقت لاحق.وصرفت كافة مجهوداتي بداية في الإلتحاق بالدراسة.
في صباح يوم الثلاثاء 16 اكتوبر1996 حطت بي الحافلة العامة أمام بوابة المعهد كبقية الطلاب...كنت في انتظار أول حصة دراسية...كان الجو ماطرا والوقت باكرا في مثل ذلك الصباح الشتوي(8:30)...كانت الأجواء بكل تفاصيلها على غير ماعهدتها في ثانوياتنا بالوطن :"رذاذ المطر يتساقط وساحة المعهد تغص بالفتيات الجميلات الشابات أعمارهن مابين18و25سنة وهن يرتدين بنطلونات ضيقة ويلبسن معاطف تقيهن المطر وفوق رؤوس البعض منهن قبعات جميلة وبيدهن مظلات صغيرات للاحتماء بهن من المطر..كما كان هنالك بعض الطلبة أيضا وفي العمر نفسه .
كان الجميع يشترك خاصيات متعددو منها النظافة والهندام الأنيق واللطافة والتفاهم والوعي والسلوك المدني، بينما كانت بعض الطالبات تتميزن بالإثارة في اللباس وأسلوب الحديث. البعض من الطالبات كن غارقات مع زملائهن في أحاديث غرامية بجانب قصي في المقهى الخاص بالطلبة في ركن من ساحة المعهد والغالبية كانوا يراجعون دروسهم او يتناولون وجبة الإفطار الصباحي تحت شجيرات مورقة في الساحة.
كنت أتجول في هذه الساحة وأنا ألاحظ أن الجميع يتجنبني بلباقة...وفي الوقت ذاته ترتسم على وجوههم علامات الاستغراب كيف وصلت لهذا العالم الراقي،كما يرغب البعض وان بصورة التلميح في التعرف على ولكن لا يدري ما هو المدخل المناسب لذلك.
دخلت إلى المقهى بدوري وكنت ملفتا للانتباه بلباسي الصيفي والوقت شتاء، ناهيك عن بشرتي السمراء نسبيا بسبب لفح الشمس في الصيف بموريتانيا(لون بشرتي الطبيعي أبيض)،بالإضافة لذلك فهنالك اختلاف واضح بيني وبين أولئك الطلبة في أسلوب الحديث والحركة والتعامل مع المحيط المدني الراقي الذي نوجد به جميعا.
كان جميع الطلبة يشترون حاجياتهم بسهولة إلا أنا فقد بقيت واقفا على انزواء لا أدري كيف أطلب حاجتي"أنا لا أعرف اللهجة التونسية ولا أعرف من الفرنسية ما أطلب به حاجتي"،كانت أنواع القهوات والفطائر كثيرة بالإضافة إلى مشكلة التعامل مع صرف العملة المحلية "الدينار والمليم".
فجأة لاحت من إحدى الطالبات التفاتة ويبدو أنها كانت تراقبني من بعيد فرأتني منزويا فجاءت إلي وصافحتني بيدها" استغربت هذه المصافحة كثيرا لأنني لم أتعود أن تمد أجنبية يدها لرجل أجنبي في بلدي وفي محيطي الاجتماعي"ثم بعد ذلك أخذت مني دينار(يساوي آنذاك قيمة 150 أوقية والدينار يساوي 1000مليم تونسي) اشترت لي قهوة وفطيرة وأرجعت لي باقي الصرف وبدأت تلاطفني وسألتني من أي دولة أنا ثم ودعتني بلباقة وانصرفت. كنت أراقب.....
يتبع
ملاحظة : هذه المذكرات نشرت جامعة جورج تاون الأمريكية حلقات منها في كتاب مترجم يدرس بكثر من 250 جامعىة ومعهد حول العالم .