إحالة ولد غده إلى محكمة الجنح :|: توقعات بخريف مبكر مع فائض في المجاميع المطرية :|: أيام تشاورية حول التعليم العالي والبحث العلمي :|: الرئيس يتسلم تقرير(الهابا) لسنة 2023 :|: وزارة التشغيل : ابتعاث 30 متدربا في مجال الغاز والنفط إلى الجزائر :|: تشكيل لجنة من ضباط الشرطة للتحقيق في مقتل طفل بأطار :|: الشرطة البرازيلية : العثور على جثث مهاجرين من موريتانيا ومالي :|: نواذيبو : استعدادات لعقد اجتماع مجلس الوزراء :|: قرار بغلق كافة نقاط تربية وذبح الدجاج :|: الأغلبية : لامانع من تزكية مستشارينا لمختلف مرشحي الرئاسة :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
 
 
 
 

كيف اخترقت روسيا حواسيب الولايات المتحدة؟

vendredi 16 décembre 2016

حين قام العميل أدريان هوكينز من مكتب التحقيقات الفدرالية FBI بالاتصال باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي D.N.C. في سبتمبر 2015 لنقل بعض الأخبار السيئة عن شبكة الكمبيوتر الخاصة بها، تم تحويله إلى مكتب المساعدة. كانت رسالته قصيرة غير أنّها تنذر بالخطر.

فمجموعة "ذا ديوكس"، كما يسميها المحققون الفدراليون، اخترقت نظام حاسوب واحد على الأقل. ذا ديوكس فريق تجسس سيبراني مرتبط بالحكومة الروسية. وعرف مكتب الـ أف بي أي ما الذي يحدث : فقد أمضى السنوات الأخيرة الماضية يحاول طرد ذا ديوكس من أنظمة البريد الإلكتروني غير السرية الخاصة بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية وحتى هيئة الأركان المشتركة، مع أنّها من أكثر الشبكات أماناً في الحكومة. ولم يكن يارد تامين، عامل الدعم التقني المتعاقد مع D.N.C.

الذي تلقى الاتصال، خبير في الهجمات الإلكترونية. فكان أول ما فعله، التحقق من ذا ديوكس على غوغل وإجراء بحث في سجل بيانات أنظمة الكمبيوتر في D.N.C. لإيجاد إشارات عن غزو سيبراني مماثل. لكنّه لم يبحث جيداً، مع أنّ العميل هوكينز اتصل مرات متعددة في الأسابيع اللاحقة، إذ إنّه لم يكن متأكداً من أنّ المتصل كان حقاً من المكتب الفدرالي وليس مجرد دجال، ووفقاً لما قاله في مذكرة داخلية، لم يكن يملك وسيلة للتمييز ما إذا كان الاتصال حقيقياً أو زائفاً.

أول علامة خفية

كانت هذه أول علامة خفية تشير إلى تجسس سيبراني وحرب معلوماتية هدفها تعطيل الانتخابات الأميركية الرئاسية 2016، وأول محاولة من هذا النوع تقوم بها قوة خارجية في تاريخ أميركا. وما بدأ كعملية جمع معلومات تحوّل، بحسب ضباط المخابرات، إلى جهد لإيذاء المرشحة هيلاري كلينتون وقلب الدفة لصالح ترامب. لقد حدثت فضيحة بهذا الحجم من قبل منذ 44 عامًا، حين تم اقتحام مكاتب D.N.C. القديمة للمرة الأولى في مجمع ووترغيت، فزرع السارقون أجهزة تنصت وفتحوا خزانة ملفات. ولكن هذه المرّة، حدثت عملية السطو عن بعد بقيادة الكرملين، حيث تم بعث رسائل إلكترونية مزيفة ورموز ثتائية.

وبعد إجراء مقابلات مع عشرات الأشخاص الذين استهدفهم الهجوم الإلكتروني، كشفت نيويورك تايمز عن مجموعة من الإشارات التي غفل عنها الجميع، وردود الفعل البطيئة، والاستخفاف المستمرّ بمدى خطورة الهجمات الإلكترونية. فهذا الموقف الغريب بين D.N.C. والأف بي أي يشير إلى أنّ أفضل فرصة لإيقاف الاقتحام الروسي قد ضاعت، والفشل في تحديد نطاق الهجمات قد قوّض الجهود المبذولة لتخفيف آثارها، وامتناع البيت الأبيض عن الرد بقوّة يعني أنّ الروس لم يدفعوا ثمن أفعالهم غالياً، وهو قرار كان ليشكل عاملاً مهماً في إيقاف الهجمات الإلكترونية المستقبلية.

فالنهج الهادئ الذي اعتمده مكتب التحقيق الفدرالي فسح المجال أمام القراصنة الروس ليتجوّلوا كما يحلو لهم في شبكة اللجنة الديمقراطية لمدة 7 أشهر تقريباً قبل أن ينتبه الديمقراطيون إلى الهجوم ويعيّنوا خبراء إلكترونيين لحماية الأنظمة. في هذه الأثناء، ركّز القراصنة على أهداف أخرى خارج D.N.C، مثل رئيس حملة كلينتون الانتخابية جون دي بودستا الذي تمت سرقة بريده الالكتروني بعد بضعة أشهر. حتى السيد بودستا، وهو مطّلع ذكي كتب لأوباما تقريراً في العام 2014 عن الخصوصية السيبرانية، لم يدرك فعلاً خطورة عملية القرصنة هذه.

الديموقراطيون غاضبون

ففي الأشهر الأخيرة، كان الديمقراطيون يشاهدون بغضب وعجز رسائلهم الالكترونية الخاصة ووثائقهم السرية تظهر على الانترنت يوماً بعد يوم، بعد أن حصل عملاء المخابرات الروس عليها، فتم نشرها على ويكيليكس ومواقع أخرى، ثم تناولتها وسائل الإعلام الأميركية، ومن ضمنها التايمز.

وفي خلال حملته الانتخابية، تكلّم ترامب بابتهاج عن بعض الرسائل الالكترونية المسروقة. وحصلت تداعيات مختلفة مثل استقالة ممثلة فلوريدا ديبي واسرمان شولتز، ورئيسة مجلس إدارة D.N.C. وأهم مساعديها. إذاً، تمّ تهميش قادة المعسكر الديمقراطي عندما كانت الحملة الانتخابية في أوجها، فبقوا صامتين، أكان بسبب فضح رسائلهم الخاصة المحرجة أو الانشغال بالتعامل مع هذا الاختراق الإلكتروني. وفي انتخابات الكونغرس، نشرت مستندات سرقها الهاكرز الروس من لجنة حملة الكونغرس الديمقراطية، فلطّخت سمعة البعض.

في الأيام الأخيرة، أصبح الرئيس المنتخب المرتاب ووكالات المخابرات والمعسكران السياسيان الأكبر في الولايات المتحدة، غارقين في جدال عام حول الدليل الذي يثبت أنّ بوتين وصل إلى أبعد من مجرّد التجسس الإلكتروني، ليخرّب الديمقراطية الأميركية ويختار الفائز في الانتخابات الرئاسية.
كلينتون ومعلوماتها السرية

ويظنّ عدد من مساعدي هيلاري كلينتون أنّ الهجوم الروسي أثّر في مجرى الانتخابات بشكل كبير، معترفين بعوامل أخرى قد ساهمت في العملية الانتخابية أيضاً، مثل ضعف السيدة كلينتون كمرشحة وخادم رسائلها الإلكترونية وتصريحات مدير الأف بي أي عن أنّ كلينتون أساءت استخدام معلومات سرية. وفي حين لا يمكن التأكد من التأثير الأهم لهذه القرصنة، فمن الواضح أنّ روسيا جرّبت سلاحاً قليل الكلفة وقوي المفعول في الانتخابات، من أوكرانيا إلى أوروبا، بعد أن تدرّبت على استعماله في الولايات المتحدة، وكانت فعاليته مدمّرة. فبالنسبة إلى روسيا، الضعيفة اقتصادياً وغير القادرة على استخدام ترسانتها النووية، تبيّن أنّ السلاح الأمثل هو القوة السيبرانية، إذ إنّه رخيص ولا يمكن توقّع حصوله ولا تعقّبه.

ووفقاً للأدميرال مايكل س. روجرز، مدير وكالة الأمن القومي وقائد القيادة الإلكترونية في الولايات المتحدة، لم يحدث ذلك عرضياً أو بالصدفة، ولم يتم اختيار الهدف عشوائياً، بل حصل نتيجة لمجهود واعٍ بذلته دولة قومية في محاولة لتحقيق تأثير معيّن. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأشخاص الذين سُرقت رسائلهم، قد أصابتهم صدمة وضرر مهني بسبب هذا الشكل الجديد من التخريب السياسي : تذكر نيرا تندن، رئيسة مركز التقدم الأميركي وداعمة مهمة لكلينتون، دخولها إلى مكاتب كلينتون الانتقالية المكتظة بالناس، لترى وجهها على شاشة التلفاز بينما كان النقاد يناقشون إحدى رسائلها المسرّبة حيث قالت إنّ حس كلينتون الفطري دون المستوى الأمثل، ما سبّب لها إحراجاً كبيراً.

والجدير بالذكرهو أنّ الولايات المتحدة شنّت أيضاً هجمات سيبرانية، وفي العقود الماضية، حاولت وكالة المخابرات المركزية C.I.A. أن تتدخّل في انتخابات أجنبية. غير أنّ الأطياف السياسية تعتبر الهجمة الروسية معلماً تاريخياً مشؤوماً، باستثناء شخص واحد : فالسيد ترامب رفض نتائج وكالات الاستخبارات وسيعتبرها قريباً "سخيفة"، مصرّاً أنّ القرصان قد يكون أميركياً أو صينياً لكنّ المخابرات لا يملكون فكرة عن ذلك. ولكن على الرغم من تشكيك ترامب، تضامن جون ماكين وليندسي غراهام وتشاك شومر وجاك ريد، وهم أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، للمطالبة بفتح تحقيق للتدقيق جيداً في هذه الحوادث وإيجاد حل شامل يوقف الهجمات السيبرانية، معتبرين أنّ هذه المسألة لا ينبغي أن تكون حزبية، لأنّ المخاطر التي تحدق بالبلاد كبيرة.
يظنّ عدد من مساعدي هيلاري كلينتون أنّ الهجوم الروسي أثّر في مجرى الانتخابات بشكل كبير

هدف سهل للاختراق

في الطابق السفلي من مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية، تحت صورة جدارية لأوباما 2012، خزانة ملفات فقد مقبض درجها السفلي، وعلى الحائط مقال من جريدة واشنطن بوست 1972 يشير إلى أهمية قطعة الأثاث القديمة هذه : تم اعتقال معاون الأمن في الحزب الجمهوري و4 غيره بتهمة التجسس. أما أندرو براون، المدير التقني في D.N.C.، فقد ولد بعد ذاك الاقتحام الشهير، وبينما كان يخطط للانتخابات هذه السنة، كان مدركاً أنّ D.N.C. قد تصبح هدفاً للاقتحام مجدداً، فأكّد أنّ اللجنة محمية ضد المقتحمين السيبرانيين.

لكنّ الحقيقة ظهرت لاحقاً، حين اعترف السيد براون والمسؤولون عنه أنّ D.N.C. مجموعة لا تتوخى الربح وتعتمد على الهبات، وميزانية الأمن لديها صغيرة، وبحسب السيد براون، لم يكن هناك مال كافٍ للقيام بما هو ضروري للأمن. فاللجنة كانت تملك خدمة فلتر البريد المؤذي العادية التي تصدّ البرمجيات الخبيثة ورسائل التصيّد. ولكن حين بدأ هجوم القراصنة الروس، لم تكن اللجنة تملك الأنظمة الأكثر تطوراً لتعقّب الاقتحام المشبوه، والسيد تامين الذي يعمل تحت إشراف السيد براون، والذي ردّ على اتصال عميل الأف بي أي، لم يكن موظفاً ثابتاً في D.N.C. بل هو متعاقد مع شركة MIS Department ومقرّها في شيكاغو، وكان عليه أن يفكّر وحده في ما ينبغي القيام به في هذا الوضع، فقد أخبره عميل الأف بي أي هوكنز، بأنّ حاسوباً واحداً على الأقل قد تمّ خرقه وطلب منه البحث عن برمجيات خبيثة تابعة لفريق "ذا ديوكس". لكنّ جزءاً من المشكلة هو أنّ العميل الخاص هوكينز لم يحضر شخصياً إلى D.N.C.

ولم يتمكّن من إرسال بريد إلكتروني تحذيري لأنّ ذلك قد ينبّه الهاكرز أنّ الأف بي أي على علم بأنّهم يخترقون الأنظمة الإلكترونية. وحين تفقد السيد تامين الأنظمة مستخدماً أدوات غير متطورة لدرجة كافية لم يجد شيئاً.

البرمجيات ترسل معلومات لموسكو

وفي نوفمبر اتّصل العميل هوكينز حاملاً أخباراً أكثر شؤماً، لقد كان الحاسوب المخروق في D.N.C. "يتّصل بمنزله، أي روسيا"، وكانت البرمجيات ترسل معلومات إلى موسكو. لم يعلم عدد كبير من المسؤولين الديمقراطيين أنّ أنظمة لجنة D.N.C. تتعرّض للاختراق.

وفي هذا السياق قال شون هنري، الذي قاد سابقاً القسم الإلكتروني في الأف بي أي، إنّه محتار لماذا لم يقم مكتب التحقيق الفدرالي بالاتصال بمسؤول أعلى شأناً في D.N.C. أو إرسال عميل إلى مقرّ الحزب شخصياً لكي يحصل على إجابة، خصوصاً وأنّ المقرّ لا يبعد سوى نصف ميل عن مكتب الأف بي أي، وأضاف : " هذا ليس دكاناً عائلياً صغيراً أو مكتبة محلية.هذه قطعة أساسية في البنية التحتية للولايات المتحدة لأنّها تتعلّق بعمليتنا الانتخابية ومسؤولينا المنتخبين والإجراءات التشريعية والتنفيذية".

برأيه، إنّها مشكلة خطيرة، كان ينبغي التصعيد وإبلاغ مسؤول أعلى حين لم تلقَ الأف بي أي إجابة. في مارس، اجتمع السيد تامين وفريقه مع الأف بي أي وتأكدوا أنّ هوكنز عميل فدرالي حقاً.

تدهور الأمور

لكنّ الأمور تدهورت أكثر، فقد ظهرت مجموعة أخرى من القراصنة الروس بدأت تستهدف الـ D.N.C. ولاعبين آخرين في عالم السياسة، وخصوصاً من المعسكر الديمقراطي. فقد تلقّى بيلي رينهارت، وهو مدير ميداني إقليمي سابق في D.N.C.، كان يعمل حينها لصالح حملة كلينتون الانتخابية، بريداً إلكترونياً يبلغه بأنّ أحداً استخدم كلمة السر الخاصة به ليدخل إلى حسابه على غوغل، وأنّ المحاولة مصدرها أوكرانيا، وأنّ غوغل أوقفت المحاولة ومن الضروري تغيير كلمة السر، ففعل ذلك في الساعة الرابعة صباحاً حين كان في هاواي، بدون أن يفكّر في هذا البريد، لكنّ ما لم يدركه حينها هو أنّه بإدخاله كلمة سر جديدة، منح الهاكرز الروس مفتاح الولوج إلى بريده الإلكتروني.

وحدثت أمور مماثلة مع عدد كبير من السياسيين الأميركيين، من بينهم بودستا، رئيس حملة كلينتون الانتخابية. والجدير بالملاحظة أنّ أحد مساعدي السيد بودستا، شكّك في مصداقية الرسائل المتلقاة، فسأل تقني الحاسوب تشارلز ديلافان عما إذا كان من الآمن الضغط على زر "تغيير كلمة السر" فردّ ديلافان "إنّه بريد شرعي، على بودستا تغيير كلمة المرور فوراً"، لكنّه أشار في ما بعد أنّه علم بأنّه بريد زائف ومؤذٍ لكنّه ارتكب خطأ مطبعياً لا يغتفر، فكتب "غير شرعي" بدون أن ينتبه. وفي خلال موجة القرصنة الثانية، تمكّن المخترقون من الولوج إلى بيانات لجنة حملة الكونغرس الديمقراطية، ثم إلى حاسوب أساس في D.N.C. وقد انتبه مكتب الأف بي أي لهذا الاختراق فأبلغ السيد تامين الذي لم يرَ سبباً يدفعه لدقّ ناقوس الخطر. ووفقاً لمذكرة السيد تامين الداخلية، حدث تقدّم بسيط في منتصف أبريل ، حيث قامت D.N.C أخيراً بعد 7 أشهر من تلقيها أول تحذير، بتركيب مجموعة أدوات رصد قويّة.

صقل تكتيكات للتخفّي

كان أمام الولايات المتحدة عقدان كاملان للتنبه والتحذير من أنّ وكالات المخابرات الروسية كانت تحاول اختراق أدقّ شبكات الكمبيوتر الأميركية، لكنّ الروس كانوا يسبقون الأميركيين بخطوة دوماً. تمّ رصد أول هجوم كبير لهم في أكتوبر 1996 حين اكتشف مشغّل الكمبيوتر في مدرسة كولورادو للمناجم وجود نشاط ليلي غريب على الكمبيوتر لا تفسير له. كانت المدرسة على اتصال بالقوات البحرية، فحذّر ذلك العامل معارفه هناك، ولكن تماماً كما حصل بعد عقدين في قضية D.N.C.، "في البداية لم يتمكن أحد من ربط الأمور ببعضها" وفقاً لتوماس ريد، وهو أكاديمي في كينغز كوليدج لندن كان يدرس الهجوم الحاصل. أطلق المحققون على هذه الهجمة اسم "متاهة ضور القمر" Moonlight Maze، وأمضوا سنتين يعملون ليلاً ونهارًا ويحاولون تعقّب كيفية انتقالها من القوات البحرية إلى وزارة الطاقة والقوات الجوية ثم إلى الناسا.

في النهاية، استنتجوا أنّ عدد الملفات المسروقة إذا تمّت طباعتها وتكديسها، ستتفوق بارتفاعها على نصب واشنطن التذكاري. كان ذلك أول دليل ينذر بالقادم : حملة تصاعدية من الهجمات السيبرانية حول العالم. لكنّ الروس بقوا متخفّين لفترة طويلة بفضل الصينيين الذين خاطروا أكثر فتمّ القبض عليهم بالجرم المشهود مراراً، فقد سرقوا تصاميم طائرة مقاتلة من طراز F-35، وأسرار الشركات الصانعة للفولاذ المدرفل، وحتى مخططات أنابيب الغاز التي تزوّد معظم مناطق الولايات المتحدة.

وفي انتخابات 2008 الرئاسية، اخترقت المخابرات الصينية حملات أوباما وماكينته الانتخابية وسرقت أوراق المراكز الداخلية والاتصالات، لكنّها لم تنشر أياً منها. وبالطبع، فعل الروس الأمر نفسه ولكن خلسة، بحسب ضابط مخابرات القوات الجوية كيفين مانديا الذي أمضى معظم أيامه يحارب الهجمات السيبرانية الروسية قبل تأسيس شركة أمن سيبراني، استعانت بها حملة كلينتون لتدعيم الأمن الإلكتروني في أنظمة حواسيبها. وتجدر الإشارة إلى أنّ الروس كانوا أسرع في تحويل اعتداءاتهم نحو أهداف سياسية.

روسيا واستونيا

في العام 2007، في هجوم سيبراني تلقّت جمهورية استونيا التي كانت سابقاً في الاتحاد السوفياتي والتي انضمّت إلى حلف الناتو، رسالة تفيد بأنّ روسيا قادرة على شلّ البلاد بدون غزوها. في السنة التالية، استخدمت الهجمات السيبرانية في حرب روسيا على جورجيا. لكنّ المسؤولين الأميركيين لم يتخيّلوا أنّ الروس سيتجرّأون على اختبار هذه التقنيات في الولايات المتحدة، وصبّوا جلّ تركيزهم على تفادي ما أسماه وزير الدفاع السابق ليون بانيتا "بيرل هاربور السيبرانية"، مثل تعطيل شبكة الكهرباء والهواتف المحمولة.

ولكن في العامين 2014 و2015، بدأ فريق قرصنة روسي يستهدف وزارة الخارجية بشكل منهجي والبيت الأبيض وهيئة الأركان المشتركة، وكان المخترقون في كل هجوم يلاقون نوعاً من النجاح، وفق خبراء سيبرانيين عملوا في الوزارة آنذاك. وأصبحت هجمات الروس أكثر خلسة، فخدعت كمبيوترات الحكومة لترسل بيانات معينة. كانت وزارة الخارجية عاجزة في مرّات متعددة لدرجة أنّها أطفأت أنظمتها بالكامل حتى تطرد المقتحمين منها.

حتى أنّ المسؤولين المسافرين إلى فيينا مع وزير الخارجية جون كيري من أجل المفاوضات النووية، اضطروا في مرحلة معيّنة إلى إعداد حسابات تجارية على جي ميل للتواصل بين بعضهم ومع الصحافيين المسافرين معهم. وقد تمّ إعلام الرئيس أوباما عمّا يجري، لكنّه اتّخذ قراراً ندم عليه الكثيرون في البيت الأبيض : لم يفضح الروس علناً ولم تفرض أية عقوبات بحقهم، والسبب كان الخوف من تصعيد الحرب السيبرانية والقلق لأنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى تعاون روسيا في المفاوضات بشأن سوريا.

الرد بقوة على الروس

وقد أكّد أحد المسؤولين في الوزارة أنّ الجميع وافقوا على الردّ بقوّة على الروس، لكنّ ذلك لم يحدث، لذلك صعّد الروس مجدداً، فاخترقوا الأنظمة الإلكترونية، ليس للتجسس فحسب، بل أيضاً لنشر ما وجدوه، ويسمّى ذلك في العالم السيبراني doxing أي نشر معلومات خاصة عن شخصية ما على شبكة الانترنت. كان هذا تغييراً وقحاً في التكتيك، نقل الروس من التجسس إلى التأثير على العمليات.

وفي فبراير 2014، نشروا مكالمة هاتفية تم اعتراضها بين سفير الولايات المتحدة في أوكرانيا جيفري بيات ومساعدة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند التي تتولّى الشؤون الروسية والتي تربطها علاقة مثيرة للجدل مع السيد بوتين. وكذلك، استخدم الروس استراتيجية "السرقة والتسريب" على منظمة المجتمع المفتوح Open Society Foundation برئاسة جورج سوروس، علماً أنّه تم التلاعب ببعض المستندات التي نشرت حتى يبدو الوضع كأنّ المنظمة كانت تموّل أعضاء المعارضة الروسية.

وفي العام الماضي، أصبحت الهجمات أكثر عدوانية. فقد قام الروس بقرصنة محطة تلفاز فرنسية ما دمّر معدّات رئيسة. وفي فترة الميلاد، شنّت هجوماً على جزء من شبكة الكهرباء في أوكرانيا، مغرقة قسماً من البلاد في ظلام حالك، ومعطّلة المولدات الاحتياطية، ومتحكّمة بالمولدات الأساس. وإذا نظرنا إلى ما حصل آنذاك، نستنتج أنّها كانت طلقة تحذيرية. ويلفت السيد سلماير، وهو خبير سيبراني سابق في وزارة الخارجية، إلى أنّ الاعتداءات لم تكن عبارة عن "عمليات عسكرية متكاملة"، لكنّها أظهرت مستوى متزايداً من الوقاحة.
شخص غير مخوّل، دخل إلى كمبيوترات اللجنة الديمقراطية بمستوى الأمن نفسه الممنوح لمسؤول النظام

كوزي وفانسي بير

قبل يوم من حفل عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض في أبريل، كانت السيدة داسي، الرئيسة التنفيذية لـD.N.C. ، تقوم بالتحضيرات اللازمة حين تلقّت اتصالاً طارئاً. فبعد تركيب نظام الرصد الجديد، تفقّد السيد تامين السجل الإداري لبيانات الدخول الخاص بـD.N.C. ووجد ما يثير الريبة : شخص غير مخوّل، دخل إلى كمبيوترات اللجنة الديمقراطية بمستوى الأمن نفسه الممنوح لمسؤول النظام.

وصلت اختراق أنظمة D.N.C. إلى درجة خطيرة في ذاك الأسبوع، حتى أنّ كلمة المرور كانت مسروقة، ومن الواضح أنّ ما سرق لم يكن مجرّد ملفات موجودة في خزانة واحدة بل أكثر بكثير. بناء عليه، تمّ إنشاء لجنة سرية على الفور تضمّ السيدة داسي والسيدة شولتز والسيد براون ومايكل سوسمن، الذي كان سابقاً مدعياً عاماً لجرائم الانترنت في وزارة العدل والذي يعمل حالياً في مكتب محاماة يهتم بالمسائل السياسية التابعة لـ D.N.C. وأهم ثلاثة أسئلة كتبها السيد سوسمن لعملائه في الليلة التي تمّ التأكد فيها من الختراق هي:1) ما هي البيانات التي وصل القراصنة إليها؟ 2) كيف تم ّذلك؟ 3) كيف نضع حدًا لذلك؟ كما أنّه طلب منهم عدم استخدام صناديق البريد الالكتروني الخاصة بـ D.N.C.، لأنّهم لا يملكون إلا هذه الفرصة الوحيدة لطرد الهاكرز خارجاً، وإذا عرف أولئك الأخيرون أنّ D.N.C. كشفتهم، سيحبطون هذه المحاولة وسيتّخذون إجراءات للاختباء أو حذف سجلات البيانات التي تثبت أنّهم تواجدوا في النظام.

مسح الكومبيوترات وتحديد الغزاة

وقامت D.N.C. فوراً بتوظيف CrowdStrike وهي شركة أمن سيبراني، من أجل مسح الكمبيوترات وتحديد الغزاة وبناء نظام حواسيب وهواتف من الصفر. وبيوم واحد، تمكّنت CrowdStrike من التأكيد على أنّ مصدر الاقتحام هو روسيا، فهذا النوع من الشركات يقوم بعمل مشابه للتحقيق القديم الطراز الذي كان يستخدم في مسرح الجريمة، ولكن هنا يتم استبدال رفع البصمات وعينات الحمض النووي... بأدلّة إلكترونية.

وكما يتعلّم محقق الشرطة كيفية تحديد الأساليب الواشية التي يستعملها السارق، استطاع محققو CrowdStrike التعرّف إلى العمل اليدوي المميز لكوزي بير وفانسي بير Cozy Bear and Fancy Bear، وهما فريقا قرصنة روسيّان، وجدتهما الشركة في شبكة كمبيوترات D.N.C. وقد لا يكون فريق كوزي بير، المعروف أيضاً بـ"ذا ديوكس" أو A.P.T. 29، مرتبطاً بخدمة الأمن الاتحادية F.S.B.، التي ورثت دور K.G.B. أي وكالة الأمن الرئيسة في الحقبة السوفياتية، لكنّ الاعتقاد السائد هو أنّ العملية تابعة للحكومة الروسية. ويشير ديمتري ألبروفتش، وهو من مؤسسي CrowdStrike والرئيس التقني فيها، إلى أنّ الفريق ظهر للمرة الأولى في العام 2014.

وبيّنت التحقيقات أنّ فريق كوزي بير دخل أنظمة D.N.C. أولاً في صيف 2015، من خلال إرسال رسائل إلكترونية مزيفة ومؤذية إلى وكالات حكومية أميركية وشركات حكومية لا تتوخى الربح في واشنطن، ومع فتح أي من هذه الرسائل، يمكن للروس اختراق الشبكة وانتشال المستندات المهمة والاحتفاظ بها لغايات استخباراتية. ويفسّر ألبروفتش، الروسي المولد، الذي انتقل إلى الولايات المتحدة منذ سن المراهقة،" أنّهم ما إن دخلوا إلى نظام D.N.C.، وجدوا بيانات قيّمة فقرّروا متابعة العملية".

ولم يظهر فريق فانسي بير إلا في مارس 2016، ومن المعتقد أنّه اخترق أولاً حواسيب لجنة حملة الكونغرس الديمقراطية، ثم انتقل إلى اللجنة الديمقراطية. إنّ فانسي بير، المعروف أيضاً بـ A.P.T. 28 والذي يُعتقد أنّه تحت إدارة وكالة المخابرات العسكرية الروسية G.R.U، هو فريق أقدم من ذا ديوكس، لاحقه المحققون الغربيّون لعقد من الزمن تقريباً، علماً أنّه هو الذي نجح في سرقة بريد السيد بودستا الإلكتروني.

امكانية كشف الهجمات السيبرانية

ويُعتبر "العزو" أي تحديد هوية الغازي السيبراني، فنًّا أكثر منه علماً، وغالباً يكون من المستحيل تحديد المعتدي بثقة تامة. ولكن مع الوقت، من خلال تجميع مكتبة من المراجع عن تقنيات القرصنة وأهدافها، أصبح من الممكن كشف الجهات التي تكرّر هجماتها السيبرانية، وفانسي بير مثلاً، هاجمت أهدافاً عسكرية وسياسية في أوكرانيا وجورجيا وفي منشآت الناتو، وبحسب السيد ألبروفتش هذا يبعد الشك في أي معتدٍ آخر، ويضيف : "لا مرتكب محتمل آخر غير روسيا يستفيد من كل أولئك الضحايا".

والغريب أنّ المحققين اكتشفوا أنّ الفريقين الروسيين لم ينسّقا هجماتهما، ويبدو أنّ مجموعة فانسي بير لم تكن تعلم أنّ فريق كوزي بير كان يفتّش في ملفات D.N.C لأشهر متعددة، فسرقت الملفات نفسها تقريباً. وفي خلال الأسابيع الستة التي تلت توظيف شركة CrowdStrike بسرية مطلقة، تمّ استبدال نظام الكمبيوتر في D.N.C. وأطفئت صناديق البريد والهواتف في عطلة نهاية الأسبوع، وقيل للموظفين إنّ الأنظمة تخضع للتطوير، فنُظّفت كل الأقراص الصلبة في أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ونُقلت المعلومات النظيفة إلى محركات أقراص جديدة. وكذلك، عرف مسؤولو D.N.C. أنّ لجنة حملة الكونغرس الديمقراطية قد خُرقت أيضاً، لكنّهم لم يبلغوا هذه المنظمة الشقيقة، التي كان مقرّها في المبنى نفسه، لأنهم خافوا من أن يتسرّب الخبر.

تسابق بين كلينتون وساندرز

حدث كلّ ذلك، في فترة التسابق المرير بين كلينتون وساندرز للفوز بالترشيح الديمقراطي، وكان في الأصل يشتّت انتباه السيدة شولتز والرئيسة التنفيذية لـ D.N.C.. وفي هذا الإطار، صرّحت في إحدى المقابلات قائلة : " لم تكن هذه مجرد عثرة في الطريق، فالعثرات تحدث دائماً. لقد اخترقت وكالتا تجسس روسيتان شبكتنا وسرقتا ممتلكاتنا، ولم نعرف بعد ماذا أخذتا بالتحديد، لكن ّما علمناه هو أنّهما حققتا ولوجاً واسع النطاق إلى شبكاتنا. فخيّم قدر هائل من عدم اليقين، وكان هذا قاسياً".

عقد المديرون التنفيذيون ومحاموهم أول اجتماع رسمي مع المسؤولين البارزين في الأف بي أي في منتصف يونيو، بعد 9 أشهر من اتصال المكتب الفدرالي بعامل الدعم التقني. ووفقاً للمشاركين، كان من بين الطلبات الأولى آنذاك : أن تقوم الحكومة الفدرالية بـ"عزو" سريع يلوم رسمياً المرتكبين ويعلن تورّط الحكومة الروسية بالاعتداء، بهدف توضيح أنّ القرصنة لم تكن عادية بل تجسساً أجنبياً. ويذكر السيد سوسمن أنّهم طلبوا من الأف بي أي "إبلاغ الشعب الأميركي بذلك، في أقرب وقت" لأنّ الروس اخترقوا أنظمة اللجنة الديمقراطية بينما كانت الانتخابات الرئاسية جارية.
الخوف من تسرب الأخبار حول القرصنة

دور وسائل الإعلام

في منتصف يونيو ، وبناءً على نصيحة السيد سوسمان، قرر قادة الحزب الديمقراطي اتخاذ خطوة جريئة : خوفاً من تسرب الأخبار حول القرصنة، قرروا نشر خبر الهجوم الالكتروني على اللجنة الديمقراطية الوطنية، في جريدة الواشنطن بوست، معتبرين أنهم بهذه الطريقة الاستباقية يمكنهم الظهور بموضع الضحية للاختراق الروسي، فيكسبون تعاطف الناخبين. ولكن صدمة جديدة مربكة كانت تنتظرهم في اليوم التالي. فقد ظهر على الانترنت أحد يطلق على نفسه اسم "غوسيفر 2.0" وادعى بأنه هو الذي اخترق اللجنة الديمقراطية الوطنية، وعرض وثيقة سرية خاصة باللجنة تفصّل سجل السيد ترامب بالإضافة الى وثائق أخرى ليثبت من خلالها صحة ادعاءاته.

وكتب : "هذه مجرد عينة صغيرة من الوثائق التي قمت بتنزيلها من شبكة الديمقراطيين". وأضاف في جملة أكثر خطورة قائلاً إنه أعطى "الجزء الأساس من الوثائق، أي آلاف الرسائل الإلكترونية والملفات، الى موقع ويكيليكس الذي سينشرها قريبا". كان من السيئ أصلاً أن يتمكن المخترقون الروس من التجسس على شبكة اللجنة الديمقراطية لأشهر. أما الآن، فإن نشر الوثائق قد حول عملية تجسس عادية إلى وضع أخطر بكثير : تخريب سياسي وتهديد لا يمكن التنبؤ به أو السيطرة عليه ضد حملات الحزب الديمقراطي.

استعار غوسيفر 2.0 لقب لص كمبيوتر قديم، وهو روماني أطلق على نفسه اسم غوسيفر، تمّ سجنه لاختراقه كمبيوترات خاصّة بالرئيس السابق جورج دبليو بوش ووزير الخارجية السابق كولن باول وشخصيات أخرى معروفة. ويبدو أنّ نيّة المخترق الجديد هي الإثبات أنّ الخبراء السيبرانيين في اللجنة الديمقراطية وشركة CrowdStrike مخطئان في إلقاء اللوم على روسيا. أسمى غوسيفر 2.0 نفسه "المخترق المنفرد" وسخر من CrowdStrike لأنّها اعتبرت من اخترق الأنظمة، هاكرز "متطورين".

تقويض القصة

لكنّ المحققين على شبكة الانترنت قوّضوا قصّته بسرعة. بدون التفكير مطولاً، قام لورنزو فرانشسكي بيتشيري، وهو كاتب في Motherboard، الموقع التقني والثقافي لـVice، بالتواصل مع غوسيفر 2.0 من خلال رسالة مباشرة على تويتر، "وكانت المفاجأة أنّه ردّ فوراً"، ولكن بغضّ النظر عمّن كان يتواصل معه، فقد بدا وكأنّه يسخر منه، فحين سأله الكاتب لماذا فعلت ذلك، أجاب قائلاً إنّه أراد أن يفضح المستنيرين، وإنّه يحبّ غوتشي، كما أنّه روماني.

هذا أعطى السيد لورنزو فكرة، فاستخدم ترجمة غوغل وأرسل إلى المخترق المزعوم بعض الأسئلة باللغة الرومانية. ولكن حين أصبح في وضع غير متّصل بالشبكة، سأل لورنزو متحدثين محليين، فأخبروه أنّ غوسيفر 2.0 استخدم على الأرجح ترجمة غوغل وأنّه بالتأكيد ليس رومانياً كما يدّعي. كذلك، وجد الباحثون السيبرانيون أدلّة أخرى تشير إلى أنّ روسيا هي الفاعلة. فمستندات مايكروسوفت وورد التي نشرها غوسيفر2.0 قد عدّلها شخص يسمّي نفسه باللغة الروسية فيليكس إدمندوفيتش، وهو اسم حركي يكرّم مؤسس الشرطة السرية السوفياتية فيليكس إدمندوفيتش دزيرجينسكي، بالإضافة إلى تحذيرات وتعليقات على النص من الواضح أنّها إصدار لمايكروسوفت وورد باللغة الروسية.

وبعد فترة، حين تمكن السيد لورنزو من التواصل مجدداً مع غوسيفر 2.0، تبيّن أنّ نبرته تغيّرت وكذلك أسلوبه، فلم يعد مستهتراً أو غير مبالٍ، بل أصبح يجيب بطريقة مقتضبة وأكثر تحوطاً، وكأنّ مجموعة من الناس تحاول التغطية عما يجري.

نشر خطة المعركة

وتوصّل خبراء الكمبيوتر إلى الاستنتاج نفسه في ما يخصّ المعلومات المنشورة على موقع DCLeaks.com، حيث قام "ناشطون مخترقون" hacktivists بنشر المزيد من المستندات المسروقة، لابعاد الشبهات عن القراصنة الإلكترونيين الروس، وبالإضافة إلى نشر غوسيفر2.0 مستندات على موقعه، فقد أرسل قسماً إلى مدوّنات ومواقع أخرى. وقبل المؤتمر الوطني الجمهوري في كليفلاند، نشر غوسيفر خطة المعركة التي ستعتمدها اللجنة الديمقراطية والميزانية اللازمة لمواجهتها. كانت هذه معلومات من ذهب للمطّلعين الجمهوريين. وكذلك، قبل المؤتمر الوطني الديمقراطي في فيلادلفيا، بدأ ويكيليكس ينشر المواد المسروقة ، مثل آلاف الرسائل الإلكترونية ومرفقاتها، التي فضحت تفضيل بعض الديمقراطيين لهيلاري على ساندرز، وكان بعضها محرجاً ومهيناً ما أثار غضب ممثلي ساندرز قبل الوصول إلى فيلادلفيا، حتى أنّ السيدة شولتز، قدّمت استقالتها تحت الضغط عشية المؤتمر.

أما المرشح الجمهوري ترامب، فكان سعيداً بالضربات المستمرّة التي تلقّاها خصومه، فاستعان بتويتر وخطبه الدعائية ليسلّط الضوء على إصدارات ويكيليكس. وفي 25 يوليو كتب التغريدة الآتية : "النكتة الجديدة في البلدة هي أنّ روسيا سرّبت رسائل الديمقراطيين الكارثية، التي لم يكن ينبغي أن تُكتب أصلاً، لأنّ بوتين يحبّني". لكنّ ويكيليكس لم يقف عند هذا الحد، ففي 7 أكتوبر، أي قبل شهر من الانتخابات، نشر الموقع آلاف الرسائل الالكترونية الخاصة بالسيد بودستا، مدير حملة كلينتون الانتخابية.

في اليوم نفسه، قامت الولايات المتحدة باتهام الحكومة الروسية رسمياً بأنّها وراء الاختراقات الالكترونية، وذلك في بيان مشترك أصدره مدير المخابرات الوطنية ووزارة الأمن الداخلي، وكذلك واجه ترامب أسوأ ضربة حتى اليوم حين تمّ نشر تسجيل له، يتفاخر فيه بالاعتداء جنسياً على النساء. صحيح أنّ فيديو ترامب حساس أكثر من بريد بودستا، لكنّ إطلاق ويكيليكس لفضائح الديمقراطيين يومياً في آخر شهر من الحملة الانتخابية، شكّل مادة دسمة بالنسبة إلى التقارير الإخبارية المختلفة.

لقد أفصحوا عن خطب كلينتون وكشفوا عن التشنجات الداخلية في الحملة، بما في ذلك رسالة السيدة تندن التي ذكرت فيها إنّ حس كلينتون الفطري دون المستوى الأمثل، ما أحرجها إلى أقصى الدرجات وأجبرها على الاختفاء عن شاشات التلفاز بعد أن كانت تظهر في السابق على المحطات المختلفة كداعمة مهمة لحملة كلينتون. واعتبرت، مثل غيرها من الديمقراطيين الذين نُشرت رسائلهم، أنّ ويكيليكس كان يحاول جاهداً تدمير حملة كلينتون، ولو كان الهدف من نشر البيانات هو الشفافية فحسب، لكان نشر الرسائل الالكترونية دفعة واحدة بدلاً من فضح بين 1800 و3000 بريد إلكتروني يومياً.

وتجدر الملاحظة أنّ حملة ترامب كانت على علم مسبق بمخططات ويكيليكس. فقبل أيام من نشر رسائل بودستا، أرسل روجر ستون، وهو ناشط جمهوري في حملة ترامب، تغريدة مثيرة عن قدوم ضربات جديدة، لكنّه أوضح في مقابلة أن لا علاقة له بالتسريبات، وعلم من صديق أميركي له علاقات مع ويكيليكس، أنّ الرسائل الإلكترونية اللعينة ستصل.


عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا