وزير : تكلفة الكهرباء تبلغ 7 أضعاف ما يدفعه الصينيون :|: الرئيس السنيغالي يؤدي زيارة لموريتانيا :|: الناطق الرسمي :اختيار الرئيس السنيغالي زيارة موريتانيا رسالة خاصة :|: مجلس الوزراء : تعيينات في عدة قطاعات "بيان" :|: وزيرالمالية يستعرض الوضعية الاقتصادية لموريتانيا :|: صندوق النقد : الاقتصاد الموريتاني سيسجل نموا بـ 5.1 % :|: الناطق الرسمي :حدودنا مع مالي مضطربة :|: مجلس الوزراء : تعيينان بوزارة الثقافة :|: نواذيبو : الدرك يوقف نحو 20 شخصا ويحتجز نحو 12 كلغ من الكوكاكيين :|: وزيرة : معدل تمدرس البنات وصل 85 % :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
 
 
 
 

الهجرة غير الشرعية :بين \"أمننة\" الرهانات الاجتماعية و إشكاليات التنمية

lundi 8 février 2010


حمدي ولد الداه : باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية

سرا جاء المهاجرون أو في وضح النهار، وشرعية كانت أم غير شرعية، ستظل الهجرة في نظر أوروبا والغرب ذلك الشبح المخيف وستبقى زوارق المهاجرين وتوابيتهم وأشلائهم الغارقة تطارد الأوروبيين حتى في أكثر قلاعهم تحصينا ومتانة وأمنا،

ولن يتوانى المتطرفون الغربيون عن تصوير الهجرة باعتبارها التهديد الأسوأ والأشد للثقافة الغربية ومكتسباتها الحضارية، وباعتبار أن مابات يعرف لدى هؤلاء المتطرفين ب"الجراد الأسود" هو الخطر المحدق الذي ينبغي حماية بناء المجتمعات الغربية منه،

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ماهي الظروف التاريخية والفكرية الحاسمة التي تحولت من خلالها الهجرة كظاهرة إنسانية من رهان اجتماعي إلى آخر أمني؟

ربما يكون من السهل في ظل التحولات القيمية المرافقة للعولمة أن تصبح مسألة اجتماعية ما رهانا أمنيا، محددا للسلوك ، من خلا الممارسة الاستدلالية الاستطرادية للفاعلين الاجتماعيين، إذ بفضل قوة صيغة مضمون الكلام يتم تقديم رهان اجتماعي على أنه يتعلق ضمنا أو صراحة بالأمن وبالتالي يحصل على معالجة غير تقليدية مقارنة بالرهانات الاجتماعية الأخرى التي تبقى غالبا خاضعة لمعالجات سياسية واقتصادية روتينية، من هنا فقد أصحبت الهجرة بالفعل رهانا أمنيا بينما خضعت في السابق لمعالجات اقتصادية، (العمالة الأجنبية) لتنتفي بذلك صفة الموضوعية المطلقة عن مفهوم الأمن نفسه، وليصح مجرد صورة لواقع مهدد.

جدلية الأنا والآخر..

وسواء تعلق الأمر بجوانب موضوعية أو أخرى ذاتية للأمن فإنه بالنظر إلى السياق التاريخي والمناخ الفكري الذي ظهرت فيه "أمننة" قضية الهجرة. سيكون من السهل الوقوف على حقيقة مفادها أن ما كان بالأمس القريب ظاهرة إنسانية ساهمت في إعمار الأرض وفسرت جوانب التنوع والاختلاف والتجانس في الحضارة البشرية، قد أصبح اليوم رافدا من روافد الإختال وتهديدا وجوديا من شأنه أن يعيق تطور وصيرورة هذه الحضارة.

هكذا على الأقل أراد أحد الكتاب الأكثر شهرة في الغرب التعبير عن حجم الخطر الذي يهدد الحضارة الغربية حين أعلن بداية تسعينات القرن الماضي عن ما أسماه "الحرب الثقافية الباردة" ودق ناقوس الخطر الأوروبي حينها معتبرا أن الهجرة والمهاجرين سيشكلون العائق الأكبر أمام تطور الغرب وأنه بات من الضروري الوعي بحساسية التهديدات التي تواجه الهوية الغربية. ولم تمضي سوى شهور قليلة على مقال "باري بوزان" حتى ظهر مقال آخر أسال من الحبر بقدر ما أثار من الجدل وهو الذي اختار له صاحبه "صمويئيل هنتغتون" أن يكون بعنوان "صدام الحضارات" متنبئا فيه بملامح الصراع الحضاري الجديد، ومحددا الهوية الثقافية باعتبارها جوهرهذا الصراع.

وبالرغم من أن كلى الكاتبين أراد تشخيص وضع قائم وفك رموز مرحلة واحدة، وبالرغم أيضا من اختلافهما النسبي حول تعريف الهوية التي تتحدد عند بوزان من خلال مقاربة "المركز والأطراف" في حين يذهب في تعريفها هنتنغتون إلى انتهاج مقاربة أنتروربولوجية، إلا أنهما اتفقا على تحديد وتهويل الخطر الذي يحمله الاحتكاك الحضاري المنبثق عن الهجرة، الأمر ذاته الذي كان "فرانسيس فوكوياما" قد أشار إليه في "نهاية التاريخ " وإن كان هذا الأخير قد قرع على طبول الليبرالية الرأسمالية معتبرا إياها أساسا للهوية الغربية التي تبقى في نظره النموذج الحضاري الأكثر ملائمة وقدرة على البقاء. ومهما يكن من أمر فإن الثلاثة قد أجمعوا إن بحكم خلفياتهم الثقافية وولائهم ل"أناهم الكبرى" "الغرب" أو لخوفهم وحقدهم الغريزي على "الآخر"، على أن ما يتهدد تلك الأنا الكبرى التي ينتمون إليها ليس إلا الآخر نفسه، ذلك الآخر الطفيلي حينا والعدائي أحايين أخرى، وبين المتملق الطفيلي والمنافس العدائي يبدو من البديهي أن يوصف المهاجرون ب"الجراد الأسود" بينما لن يكون من اللافت البتة أن يرافق الإرهاب كعلامة مسجلة كل من ينتمون إلى الحضارة الإسلامية بدعوى أن" للإسلام حدودا دموية".

وإذا كانت الأحداث المتلاحقة والمتسارعة المرافقة للعولمة قد ساهمت في توسيع الهوة بين الأنا الغربية والآخر غير الغربي، بدءا من انفجاري "نايروبي" و"دار السلام" مرورا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من عمليات إرهابية وصولا إلى أحداث "الضواحي الباريسية" في فرنسا، فإن هذه الوقائع في مجملها أيضا قد حفزت صناع القرار الغربيين على طرح قضية الهجرة والمهاجرين من جديد وتضييق الخناق على منافذ الهجرة بحجة أن خطر الإرهاب والجريمة المنظمة ينمو ويتعاظم في أحضان الهجرة نفسها، بهذا المنطق بدا وكأن الغرب سيحارب الهجرة لأسباب أمنية موضوعية وفقط لهذه الأسباب.

الطريق إلى الجنة..

وعلى الرغم من ظهور مقاربات جديدة حاولت ترطيب المناخ المشحون بجدلية الأنا والآخر، وتقديم نفسها ضمن منطق الحوار الحضاري إلا أن ذلك الحوار سرعانما فقد بريقه الواهي مفسحا المجال أمام لغة المصالح ومنطق القوة الذي طالما شكل مدخلا واقعيا لقراءة وفهم مفردات العلاقة بين الشمال والجنوب، فلم يكن التقارب البرغماتي المرحلي الذي جاء لاحقا تحت عنوان الشراكة "الأورو متوسطية" أو "الأورومغاربية" ليختبئ طويلا وراء قناع التعاون كما لم يكن المهاجرون الجنوبيون ليخفوا ولعهم الهيستيري بجنان أوروبا التي بنيت وأعمرت بأيدي عمالة قدمت من محور" الآخر"، وشيدت صروحها بمعادنه وتزود أهلها بخيرات بلاده وتزينت نسائها بحلي طالما رصعت باحجار الآخر الكريمة.. إنه الآخر نفسه الذي بات الآن يتهدد حضارة الغرب ويترصد طريقها نحو التطور والبناء. أفنعجب بعد إذن حين يشد كل أولئك المهاجرون الرحال نحو أروبا تلك التي تحمل في كل شبر من أرضها وحول كل عنق من أعناق فاتناتها رائحة عرق أودم جنوبي أراقه الاستعمار خلال رحلته الدءوبة المليئة بالنهب والاستغلال والتدمير بحثا عن ما يواري سوءات الحضارة الغربية.

لقد ظلت المستعمرات القديمة الجديدة وبعد كل ذلك النهب تتحول من سيئ إلى أسوأ كما لم يستطع الغرب خلال كل تلك المراحل السابقة تحمل مسؤولياته التاريخية المادية والمعنوية تجاه مستعمراته التي بقيت تتساقط الواحدة تلو الأخرى تحت ضغط المجاعات والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية والأوبئة، الأمر الذي جعل الهجرة في المخيال الجمعي لسكان هذه المستعمرات حلما يضاهي حلم الانتقال من الجحيم إلى الجنة،.. أفلا تستحق الجنة أيضا بعض العناء؟

لهذه الأسباب ولغيرها ركب المهاجرون البحر وخاطروا بأرواحهم بحثا عن الجنان الأوروبية، وربما لذات الأسباب ولغيرها أيضا فجر الانتحاريون الإرهابيون أجسادهم في وجه الغرب بحثا عن جنان الخلد الإلهية، ففي كلى الطريقين رغم بساطة الحلم موت محدق، إن بماء.. أو برصاص، وفي كلى الجنتين نشد الجميع الخلاص. للحظات فقط سيجتمع الاثنان المهاجر والإرهابي حينما يفارقان الحياة بحثا عما هو أفضل.. بحثا عن جنان الخلد، فقد يكون الأمر بمثابة الملاذ الأخير، كما قد يبدو للوهلة الأولى على أنه الهروب نحو الأمام، غير أنه في الواقع ليس شيئا آخر غير الثورة. فأما المهاجر فقد اختار الثورة والقصاص من الغرب على طريقته ليرغمه على احتضانه وإيوائه حتى ولو بقي مجرد مهاجر أو ابن غير شرعي، وأما الإرهابي فقد آثر أن يكون الوجه الآخر للثورة.. إنه وجهها الدموي.

عودة الحرب بالوكالة

قد يكون من حق الحضارة الغربية أن تحمي هويتها وتجانسها ووحدتها وتتحصن من التهديدات الممكنة للهجرة والإرهاب، غير أن ذلك سيستدعي منها استخدام أساليب جديدة وأخرى متجددة حتى ولو اقتضى الأمر تجنيد العالم كله و نقل المعركة من حدودها الثقافية والحضارية إلى مجال سياسي يرتسم وفقا لتعرجات خارطة المصالح السياسية نفسها، الأمر الذي يجعل من المنطقي أن تتجند حكومات بلدان عربية وإسلامية وغيرها للوقوف في وجه أعداء الغرب وتحصين هويته الثقافية مقابل البقاء في دائرة الاعتدال التي حددها الغرب وفق منطق "من ليس معنا فهو ضدنا"، ذلك المنطق الذي بدأ الإرهاب يستخدمه حينما حول استراتيجياته من ضرب الأهداف والمصالح الغربية المحددة، إلى ضرب المؤسسات والبنى التحتية التي يحتمل أن تشكل دعما ميدانيا أو لوجيستيا لعمليات الغرب ضد الإرهاب، مما جعل بلدان مثل أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال وموريتانيا وغيرها مجر ساحات لمعارك لم يعد الغرب نفسه يتكبد فيها سوى عناء القيادة والإدارة، الأمر الذي دفعت وستدفع هذه البلدان استقرارها وأمن شعوبها ثمنا له، لا لشيء آخر سوى لحماية الغرب وتحييد التهديدات الموضوعية لأمنه، أو لحماية أنظمة حكم شكلت خلال كل تلك السنين قواعد أمامية للدفاع عن مصالح الغرب وأطماعه ومشاريعه وأحلامه، حتى أكثر مما دافع هو نفسه عنها. أما على مستوى التهديدات الذاتية فسيكون من السهل في ظل الاتفاقيات الجديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، أن ينكشف واقع الهجرة لا باعتبارها ظاهرة عابرة للقارات كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل لكون الملفات المتعلقة بقضية الهجرة غير الشرعية لازالت تدار في دوائر صنع القرار من وراء حجاب ومن على شرفات فنادق وقلاع غربية عالية بعيدة كل البعد عن أصوات وتأوهات الآخر الجائع والمتعب من عناء العبودية والاستعمار، بينما تتوالى الانعكاسات السلبية للهجرة على الضفاف الجنوبية. فلاشك أن ظهور بلدان العبور باعتبارها طرفا في تلك الاتفاقيات سيخلص الغرب إلى حد بعيد من أعباء ومسؤوليات لم يشأ قط تحملها، كما لاشك أن هذه البلدان ستكون عرضة لضغوطات ومآزق سياسية واقتصادية كبيرة.

وإذا كانت دول كالجزائر والمغرب وتونس قادرة على الصمود، ولو إلى حين، في وجه تلك التحديات التي تأتي مع السيل الجارف من المهاجرين المتعطشين إلى أوروبا، إلا أن موريتانيا باعتبارها الحلقة الأضعف في المنطقة ونظرا لطبيعتها الجغرافية و لخصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية سرعانما ستعجز أمام هذه الأعباء التي لن تشكل سوى أسباب أخرى لانهيار بناها الاقتصادية والاجتماعية الهشة أصلا.

وسواء تعلق الأمر بأولئك الذين ضبطوا في المياه الإقليمية أو الدولية، أو حتى بالمهاجرين الذين يستقرون بموريتانيا في انتظار العبور منها إلى أوروبا فإنه وخلال السنوات القليلة الماضية برزت مؤشرات لها علاقة كبيرة بوضع الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين، فعوامل كارتفاع نسبة البطالة وسط اليد العاملة المحلية و اضطرار هذه العمالة حتى للهجرة غير الشرعية نفسها، أضف إلى ذلك ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المخدرات وما رافق ذلك من اختلالات اجتماعية جعل من السهل انتشار داء كالسيدا على نحو واسع خاصة في المدن الأكثر استقطابا لهؤلاء المهاجرين الذين يأتون في ظل غياب تام للرقابة الصحية أو الأمنية اللازمة، ناهيك عن التهديدات القيمية والسياسية وحتى الإثنية التي يمكن أن يتم تصديرها لهذا البلد الذي يصعب التكهن بمصيره أو باستمرارية بناه المؤسساتية وبقائها في ظل العودة الواضحة لحروب الوكالة التي يبدو أنها بطريقة أو بأخرى قد جعلت هذا البلد جزءا من آليات الغرب في احتواء التهديدات الموضوعية والذاتية لأمنه والمتمثلة في الإرهاب والهجرة.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة والذي قد تتعثر الإجابة عنه أمام عقبة الإرادة السياسية لصناع قرار دول العبور عامة و الموريتانيين منهم خاصة، هو إذا كانت تصريحات وزير الداخلية الإسباني الأخيرة بخصوص تراجع نسب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا قد تعني بشكل أو بآخر أن بلدان العبور قد لعبت الدور المنوط بها على أكمل وجه، فما هي المكافآت التي ستكون بانتظار هذه البلدان التي برعت في حماية وتحصين الهوية الغربية؟ وهل سيكون عليها انتظار الشيء الكثير؟ وهل سيعتبر تحسين اتفاقيات الصيد الموريتانية مع الاتحاد الأوروبي بمثابة الشيء الكبير، إذاما قورن بخدمات هائلة كحراسة البوابات الجنوبية للحضارة الغربية؟.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا