اتفاق مع شركات عربية لاستغلال حقلي "باندا" و "تفت" للغاز :|: توقيف 10 منقبين على خلفية أحداث “الشكات” :|: الناطق الرسمي : تأثرت بعض الخدمات الآساسية في الحوض الشرقي بسبب تزايد أعداد اللاجئين :|: مباحثات موريتانية كونغولية :|: توقعات بارتفاع أسعارالنفط العالمية :|: مدير : الحكومة صادقت على إنشاء آلية وطنية لضمان احترام حقوق الضحايا :|: بيان صحفي حول المصادقة على خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالأشخاص :|: تعيينات في شركة سنيم :|: "الحصاد" ينشر بيان مجلس الوزراء :|: انعقاد مجلس الوزراء في دورته الأسبوعية :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

الموعد الأنسب لممارسة الرياضة في رمضان
من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
تعيينات هامة في قناة الموريتانية
الاعلان المشترك : شراكة استراتيجية تؤسس لعلاقة جديدة *
توقيف لصوص سرقوا 60 مليون أوقية من شركة بنواكشوط
الوجيه والسياسي عبد الحي ولد محمد لغظف يطالب من مقاطعة تامشكط بمأمورية ثانية لرئيس الجمهورية
ما أقصروأطول ساعات الصيام في رمضان 2024/1445؟
دولتان عربيتان بين أكبرمنتجي ومصدري الطماطم عالميا
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
 
 
 
 

قراءة في كتاب "موريتانيا المعاصرة.. شهادات ووثائق" /حبيب الله ولد احمد

mercredi 27 janvier 2010


محاولة جريئة لاستنطاق تاريخ محلي "مفخخ"

صدر عن "دار الفكر" بنواكشوط كتاب جديد من شأنه إثراء الساحة الفكرية المحلية وتزيين المكتبة الوطنية بعمل جريء وناضج تناول بالتدوين والتوثيق تاريخ الدولة الموريتانية المعاصرة.. الكتاب الذي حمل عنوان "موريتانيا المعاصرة... شهادات ووثائق" والذي صدر بجزئه الأول الذي يتحدث عن الفترة الممتدة من 1957 إلى 1984 في طبعة فاخرة قام بتأليفه الباحث والصحفي الأستاذ سيد أعمر ولد شيخنا المعروف باهتمامه بمجال البحث في التاريخ السياسي المحلي..

وقد اعتمد المؤلف في كتابه الرائع سبكا وحبكا ولغة أسلوبا سرديا اقرب إلى الأسلوب الصحفي منه إلى الأسلوب المتعارف عليه اكاديميا عندما يتعلق الأمر بتدوين وقائع وأحداث تاريخية وتوثيقها لذلك بدا العمل ومن سطره الأول رائقا سلسلا جذابا كل فقرة فيه تدفعك تشويقا أدبيا نحو التي تليها لدرجة أنك تقرأ الكتاب كله (480 صفحة من الحجم المتوسط) دون أن تشعر بالملل كما يحدث مع الكثير من الكتب والمصنفات التي يعجز القارئ أحيانا عن قراءة صفحتها الأولى كاملة.
في حقل "الألغام
\
إذا كان كتاب التاريخ الموريتاني القديم المتعلق بالقبائل والإمارات والأعراق والمشايخ وجدوا طريق البحث دائما مسورة بالأشواك والمطبات وتراجع البعض حتى عن فكرة البحث التاريخي لأسباب تتعلق بالحساسية المفرطة للخوض في التاريخ الاجتماعي والثقافي للبلاد فإن كتاب التاريخ السياسي للبلاد لم يكونوا أحسن منهم حظا فبدت أعمالهم -على قلتها- مجرد سير حذر في "حقل من الألغام" يسور ذلك التاريخ ويجعله مفخخا يجب الإمساك عن السير في بعض من دروبه ومتاهاته. هذه الحقيقة أدركها الأستاذ سيد أعمر ولد شخنا مبكرا في مقدمة كتابه حيث أوضح أنه حاول بجهد كبير تغييب الحضور الذاتي لأفكاره وآرائه الشخصية تاركا الحبل على الغارب لضيوفه ومحدثيه لصياغة الأحداث التاريخية كما عايشوها أو كما صنعوها أحيانا إذ أن بعضهم -عكسا للمؤلف- فضل الحضور الذاتي الكامل لشخصه وقناعاته لدرجة غطت أحيانا على أدوار من المحتمل أن بعض المحيطين به لعبوها في صياغة لحظات وأحداث تاريخية معينة ورغم شخصنة الكثير من المواقف والأحداث التي تضمنها الكتاب باعتبار أن الراوي هو وحده المسؤول عن شهادته ويقتصر دور المؤلف على نقلها بأمانة والربط بين الفقرات خدمة لمنهجيته في البحث فإن بعض الشهادات التي أدلى بها رواة حاورهم المؤلف حملت معلومات مهمة وإشارات يمكن التوقف عندها باعتبارها معطيات ذات قيمة تاريخية مقبولة تتجاوز قيمتها السردية التي صيغت بأسلوب أدبي رفيع

والواقع أن المؤلف تعامل بذكاء مع محدثيه وضيوفه فلم يتدخل فى رؤيتهم للأحداث فبعضهم شهد معظم إرهاصات قيام الدولة الموريتانية وبعضهم قدم نفسه عبر الشهادات المنقولة عنه كما لو كان وحده الذي صنع أحداثا سياسية أو عسكرية فارقة في تاريخ البلاد.

لقد ترك المؤلف لمحدثيه –الكثر- من سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين وأكاديميين حرية السير في حقل ألغام التاريخ السياسي المحلي المعاصر مفضلا النجاة بنفسه وأفكاره الشخصية من خطورة السيرفى ذلك الحقل المفخخ.
بين السطور

حاول الأستاذ سيد أعمر بشجاعة نادرة أن يستصدر من محاوريه إطارا تاريخيا عاما للبلاد منذ ميلاد الكيان الموريتاني المعاصر وحتى هذه الأيام التي ربما يصل الجزء الثاني من كتابه إلى الحديث عنها خاصة وأنه من المفترض أن يبدأ من عام 1984 أي بداية حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع غير أن أهواء محدثيه وتباين قراءاتهم ورؤاهم وفهمهم للأحداث التاريخية التي قدموا شهادات بشأنها أعادت العمل كله إلى مربع غياب منطلق دقيق ومتفق عليه منهجيا أو علميا لكتابة تاريخ محلي بكل الحساسيات التي يمثلها إذ ليس من المنطقي أن يعترف أحد الشهود مثلا بأن تياره السياسي أو جناحه المدني أو العسكري قد ارتكب أخطاء تاريخية أثرت على مجريات تاريخ البلاد السياسي كله وإن وردت اعترافات نادرة فهي غالبا عابرة وخجولة ويراد لها أحيانا أن تحيل إلى انجازات أكثر منها أهمية تاريخية لذلك التيار السياسي أو الجناح المدني أو العسكري.. و لك أيضا أن تجد لذلك مثالا حيا في حديث بعض العسكريين عن معارك خاضوها فهم غالبا "أبطال" صنعوا تلك المعارك بحنكة وغطى غبار شهاداتهم غبار المعركة الذي لو انقشع بموضوعية تحت شمس تاريخ حقيقي ساطعة لبانت خلفه اسماء لامعة ورائعة لعشرات الضباط وضباط الصف والجنود الذين أريد لهم أن يكونوا مجهولين دائما لحاجة في نفس "يعقوب" مجهول الأهداف والمقاصد والطموح ولقد رأينا بين سطور الكتاب خصوصا تلك المتعلقة بحرب الصحراء عزوفا غامضا لدى بعض الشهود عن الحديث عن معارك حقيقية خاضها الجيش الموريتاني الناشئ آنذاك بروح وطنية قتالية غير مسبوقة وربما أيضا غابت بمجرد انتهاء حرب الصحراء التي ذهب البعض بمن فيهم كبار القادة العسكريين إلى الاعتقاد بأنها كانت خطأ فادحا وهذا رأي مقبول فالحرب عموما لا يمكن تسويغها ولا يمكن التنويه بها مادامت تحصد أرواح الناس وتوقف عجلة التنمية وتعصف بأجواء الاستقرار غير أن حرب الصحراء نجحت- رغم مأساويتها على شعوب المنطقة برمتها- في خلق إحساس وطني فريد من نوعه جعل الموريتانيين رغم البداوة والجفاف والبؤس يهبون بعفوية للدفاع عن حوزتهم الترابية موحدين خلف قيادة سياسية فذة مثلها الأستاذ المختار ولد داداه الذي اعترف لاحقا بأن حرب الصحراء كانت من ابرز أخطائه في الحكم لكنه قال مرات عديدة إنه دخلها بقناعة لاسترداد أراض يراها موريتانية ولإقناع البدو الموريتانيين - وهذا هو الأهم - بالخروج من قواقع التشرذم و"التبدي" إلى أفق وطني جديد يقتنع فيه هؤلاء أن لهم وطنا له رموز تجب حمايتها بالأرواح وعلم يستحق أن يرتفع بشموخ على الحوزة الترابية السيادية للجمهورية الإسلامية الموريتانية الناشئة يومها وقد غابت هذه الحقيقة عن أذهان معظم المتحدثين في الكتاب الذين فضلوا الحديث فقط عن الجوانب الخاطئة للحرب وكأن الشعور الوطني الذي خلقته وتوحد دماء كل الموريتانيين بيضا وسودا عربا وزنوجا في جبهات القتال تحت علم واحد وقيادة موحدة والملاحم العسكرية الخالدة التي سطرها الرعيل لأول من العسكريين الموريتانيين في "اتميميشات" و"إنال" و"آوسرد" و"لقويره" و"تورين" و"عين بن تيلي" رغم شراسة الأعداء يومها والدعم اللامحدودعسكريا ومادياومعنويا الذي يلقونه من اغلب مناطق العالم لم تكن مكاسب ينبغي ذكرها للأمانة التاريخية كما تم تعداد الأخطاء ونفخها وتضخيمها أحيانا.

عن التدوين

لا يمكن إغفال الجهد الاستثنائي الذي بذله الأستاذ سيد أعمر لجمع معلومات كتابه بداية بانتقاء أصحاب الشهادات المدونة مرورا بالبحث عنهم والالتقاء بهم وصولا إلى صياغة شهاداتهم بشكل نهائي. هذا الجهد نجح في ضخ معلومات لا بأس بها عن جوانب كانت معتمة من التاريخ الموريتاني المعاصر خصوصا الجوانب السياسية والعسكرية لكنه بقي مقيدا بضرورة التحفظ على أغلب تلك المعلومات بحسب مصادرها الشفوية فقد قلنا سابقا أن الروايات الشخصية للأحداث ينبغي التعامل معها بحذر شديد نتيجة لغياب الآراء الأخرى لأشخاص كانوا قطعا جزء من صناعة تلك المعلومات ولم يتسن للمؤلف نقل شهاداتهم إما لأنهم رحلوا عن هذا العالم بأسرارهم الخاصة بهم وإما لأنهم فضلوا عدم النبش الشفوي في تاريخ محلي غير مجمع على طريقة التعامل الموضوعي معه لأسباب عديدة ومعقدة.

إن طريقة التدوين الشفوي التي اعتمدها المؤلف تنقص من القيمة التاريخية للأحداث باعتمادها فقط لوجهة نظر من يقدم شهادته بالطريقة التي يراها مناسبة وقل أن تجد شهادة تخرج عن إطار الرؤية الشخصية لصاحبها وفهمه للأحداث التي عاشها أو "صنعها" بنفسه أحيانا فأنت تخرج من كل تاريخ حرب الصحراء كما رواها الشهود في الكتاب بخلاصة مبسطة هي كالتالي :"انهزام الجيش الموريتاني في حرب الصحراء هزيمة كبرى لكن الصحراويين أوقفوا تقدمهم لأن فرنسا دخلت على الخط بطيرانها الحربي المتطور"

هذه الخلاصة تبدو ساذجة تماما لأنه وفي الكتاب ووفقا لشهادة أحد الضباط "كانت إحدى المعارك قاسية على الجيش الموريتاني ولكن من الأكيد أن الأعداء لم يحاربوه وحدهم بل إن أطرافا أخرى خاضت المعركة ميدانيا إلى جانبهم".
إن تضارب هذه الآراء لم يوفق في الوصول إلى قراءة موضوعية حقيقية لتاريخ تلك الحرب التي فضلناها نموذجا يمكن إسقاطه على بقية فقرات الكتاب لأنها النموذج الأكثر حساسية في الكتاب كله ونرى أن تدوينها بشكل موضوعي مهم أكثر من تدوين التاريخ السياسي للبلاد على اعتبار أنها حرب لها ما بعدها وربما ما قبلها أيضا في التاريخ الموريتاني كله ولها سر غامض لم يتم حتى الآن كشفه بطريقة موضوعية منصفة خاصة على صعيد جانبها السياسي البحت ودورها البارز في نشأة شعور الموريتانيين اتجاه وطنهم الجديد وإحساسهم به وبضرورة بنائه أولا ثم الدفاع عنه ثانيا.

ملاحظات أخيرة

يمكن القول دون مجاملة أو مبالغة أن الأستاذ سيد أعمر قدم للمكتبة الموريتانية عملا يستحق القراءة وجهدا بحثيا قد يساعد مستقبلا على صياغة رؤية جديدة للتعاطي مع التاريخ الموريتاني المعاصر غير أنه ينبغي القول إن الوثائق التي تحدث عنها المؤلف في كتابه لم تظهر على الصفحات مصورة أو مستنسخة وإنما بقيت "لدى فلان" أو "بحوزة فلان" وهذا غير مقبول في البحث العلمي المنهجي الذي يقتضي استنساخ الوثائق وتصويرها دعما للنصوص التي يرادان تخدمها أو على الأقل القول بأنها بحوزة المؤلف فالوثائق أهم بحثيا وعلميا من الروايات العابرة للأحداث من طرف أشخاص قد يروون فقط ما يخدم توجهاتهم أو آرائهم الشخصية أو يتعمد تجاهل خصومهم أو الأشخاص الذين ليسو راضين عنهم لأسباب أو لأخرى.

ولعل المؤلف ينتظر الجزء الثاني من كتابه لنشر ملحق بالوثائق أو تضمينها مصورة أو مستنسخة في فقرات ذلك الجزء بعد خلو الجزء الأول منها وإن حوى صورا نادرة لشخصيات سياسية مدنية وعسكرية تركت بصمات من نوع ما على التاريخ الموريتاني المعاصر والذي يبقى بحاجة لمزيد من البحث والتأمل خدمة للأجيال الموريتانية القادمة التي من حقها أن ترتبط بذالك التاريخ وتستخلص منه الدروس والعبر ونقاط القوة والضعف.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا