تصريح ولد داداه بعد لقاء الرئيس غزواني :|: رئاسيات يونيو : غزواني أول المترشحين رسميا :|: دراسة ملف مؤسسة "قمم" لنيل ترخيص قناة تلفزيونية خاصة :|: لقاء بين الرئيس غزواني وولد داداه :|: موريتانيا تشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي :|: الأغلبية : شروط منح التزكية للمترشحين للانتخابات الرئاسية :|: "فترة عصيبة".. البنك الدولي يحذّر من تفاقم التضخم العالمي :|: الرئيس يبحث "استغلال مناخ الاستثمار" في موريتانيا مع وفد أوربي :|: إجازة خطة حكومية لعصرة الادارة :|: "دومين" : تسجيل العقود عن طريق منصة رقمية :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
 
 
 
 

ثورة الماء/حبيب الله ولد أحمد

samedi 19 février 2011


كان من المتواتر بشريا أن الماء يستخدم لإطفاء الحرائق، أما أن يستخدم كمادة لإشعال النار فتلك موهبة موريتانية بامتياز، واختراع ستبقى براءته - يقينا- بحوزة سكان فصالة في أقصى الشرق الموريتاني..

"فصالة" خرج سكانها عن النص فجأة وبدأوا بتهجي عبارات مسحتها "مماحى" الأنظمة المتعاقبة من قاموسهم المحلي، من قبيل "الثورة" و"الرفض" و"العصيان المدني" و"الاحتجاج"...

"فصالة" بعيدة جغرافيا عن العاصمة، لكنها أكثر بعدا عن العالم الصاخب من حولها، فهي تعيش عزلة عمرها عشرات السنين.. هي بوابة من بوابات "الخزان الانتخابي" الشرقي الذي يتم نسيانه تماما، إلا عندما يتعلق الأمر بالحملات الانتخابية !! حينها يتذكر الكبار -من سياسيين وعسكريين ورجال أعمال ووجهاء وشيوخ ومشايخ- أن لديهم "قطعانا" هناك يمكن ركوبها واعتلاء ظهورها المحنية - جوعا وجهلا ومرضا وعزلة- لتحقيق مكاسب انتخابية عابرة، عن طريق الترغيب والترهيب والتزوير..

هذه المرة - وعلى غير العادة- سقطت الكمامات قسرا عن أفواه سكان "فصالة"، قد لا يكون ذلك - بالضرورة - ناتجا عن "ولادة وعي" أو "عودة روح"- فالمدينة ليست كبيرة ولا مهمة ولا تتواجد فيها النخب ولا توجد بها طبقة عمالية ولا سياسية وإنما مجموعة رجال ونساء وعجزة أقعدهم الجهد عن الالتحاق بالمدن الكبيرة في البلاد أو الهجرة إلى الخارج بحثا عن حياة كريمة، لكنه بفعل عطش لم يترك للسكان حتى فرصة للإبقاء على مظاهر التكميم والتدجين، التي كانوا ضحية لها عبر عدة أنظمة متعاقبة..

العطش أخرج السكان من منازلهم.. صرخوا طويلا للتحسيس بمعاناتهم والتذكير بها لكن أحدا - هناك في أعلى الهرم- لم يلتفت إلى مطالبهم العادلة، فالماء هو أعز مفقود، لا سبيل للحياة والتنمية والبقاء بدونه.. ماطلتهم السلطات طويلا وتلكأت في الاستجابة لمطالبهم.. يبست الشفاه، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يبق أمام أطفال ونساء المدينة سوى "خبطت فصالة" مع نظام متصامم عن معاناتهم، فاحتلوا الشوارع، ورشقوا البنايات الحكومية بحجارة صغيرة في حجمها، كبيرة بالدلالات والرسائل التي تحملها.. وتاريخ الحجارة يقول إنها قضت على أبرهة قديما، وأخافت حديثا – حد الهزيمة- الجيش الإسرائيلي ذات انتفاضة شعبية فلسطينية مباركة.!!

خرج السكان إلى السلطات المحلية بغتة، وأتوها من حيث لم تكن تحتسب، وقذفوا في قلوبها الرعب.. كانت ثورة نبيلة حقا، فهؤلاء الذين فجروها لا يفهمون في السياسة، ولا يتعاطونها إلا في إطار مناسباتي ترسم الولاءات التقليدية ملامحه، أما التنظير والتخطيط و"الأدلجة" فلا مكان لها بينهم..

خرجوا من رحم معاناة حقيقية، قوامها العطش والسخرة والتهميش.. آبارهم أصبحت معطلة.. سيارة إسعافهم الوحيدة أصبحت مجرد "سيارة أجرة" لا تحمل إلا مريضا قادرا على دفع فاتورة باهظة مجحفة لدرجة الاستفزاز !!

كان على السلطات أن تتحرك، فحصونها لم تعد تمنعها من سكان غاضبين، يبحثون عن قطرة ماء لاستعادة الحياة لشفاه مطبقة بآلام سنوات عجاف من الإقصاء والمعاناة.. وكالعادة لجأت السلطات - وكما يحدث في العالم من حولنا- إلى قوة السلاح لإرواء ظمأ العطشى قمعا ومسيلات للدموع ورصاصا حيا !!

صحيح أن المؤسسة العسكرية في الوطن العربي كله - وليس في موريتانيا وحدها- يعول عليها كثيرا لملء المساحة الفاصلة بين الفوضى والثورات النبيلة، خاصة وأن الثورة في كل مكان تختلط بنبات الأرض، لتصبح موجة يركبها السياسيون والإرهابيون واللصوص والأجانب وحتى قطاع الطرق !! .. وما تونس ومصرعنا ببعيد.. فقد قيض الله للثورتين الشعبيتين فيهما من حاول - جاهدا - السطو على عذريتهما وعفويتهما، والاعتداء عليهما عن طريق "الجنس السياسي"..

ألم تر إلى الذين عبروا محيطات وبحارا وخرائط تحت يافطات الوهم، لتأميم الثورة المصرية، التي لم يشاركوا فيها بأكثر من "دموع تماسيحية" لا تزيل طاغية، ولا تمسح دموع أم ثكلى، عن طريق شعارات كاذبة زائفة، واغتصابها بالقوة وإفراغها من محتواها الذي صاغه - أصلا- شباب غير مسيس ولا منحاز لفئة، حركه الظلم بعد أن ضاق عليه وطنهم بما رحب قمعا وديكتاتورية وبطشا وفسادا أظهره الحاكم بأمر نفسه في البر والبحر؟ !..

غير أن ثورة الماء - التي بدأت –عمليا- في "فصالة" بعد أن بدأت - نظريا- على "الفيس بوك" من طرف شباب "مكطع لحجار" الذين ساءهم أن يروا شبح العطش معششا فوق مدينتهم الجميلة، متوعدا بتحويلها إلى خراب يسكنه الفناء، ويضج بالعدمية والاندثار، وهاهي تمتد إلى "باسكنو" وربما تتشعب وتتفرع لتصل إلى مدن وقرى وحواضر موريتانية عديدة تعاني نقصا في الماء والأموال والأنفس والثمرات- هي ثورة طاهرة، لم تحمل من "السفاح السياسي"..

ورغم عدم قبولنا لأسلوب حرق البنايات وتدمير المراكز الصحية، وتخريب المباني العمومية، وإعدام سيارات إسعاف بريئة لا ذنب لها، فإنه علينا أن ندرك أن لحظات الغضب لا يمكن التحكم فيها، وفى تقدير حجم تبعاتها، خاصة إذا كان غضبا مصدره عطش يصبح الإنسان- في لحظته- شيئا آخر، مخلوقا عدوانيا خارجا عن النص والمنطق والفطرة، مستعدا لحرق العالم كله من أجل الحصول على قطرة ماء..!!

لقد بدأت ثورة الماء، وعلى السلطات العليا التحرك بسرعة لتطويقها، ليس بنشر الجنود وإرهاب الناس وترويع الآمنين، فذلك قد يقود لاستبدال "شرب الماء" ب"شرب الدماء" في مظهر سيكون مخجلا وقبيحا، وسيتحول إلى "قرح متقيح" يحجب - بقذارته- الوجه الجميل لوطن يستحق عليه مواطنوه قطرة ماء، ومن العار أن يستبدلها لهم - تحت أي ظرف- بمسيلات الدموع، والرصاص الحي، والسيارات المغبرة، والألوان العسكرية الغامقة، والأحذية الثقيلة، ولكن بتوفير الماء بأية طريقة متاحة، والاعتراف للإنسان بحقه في الحياة الكريمة على أرضه، وإبعاد السياسيين حتى لا يركبوا الموجة- بالاعتداء على شرف ونقاوة الثورة العفوية- لتحقيق مآرب سافلة لا تسقى مواطنا ولا تنقذ وطنا..

وستظل الثورات الشعبية عفوية طاهرة محتفظة بعذريتها جديرة بالاحترام ما لم تترك في متناول السياسيين أيا كانت شعاراتهم وعباءاتهم.. فالشعب هنا في موريتانيا - وبداية من "فصاله"- يريد أولا إسقاط العطش، وبعد حل أزمة الماء فسيكون له حق اختيار المرحلة الموالية في نضالا ته وتضحياته.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا