على الرغم من وجود العديد من النماذج الديمقراطية في العالم وعلى الرغم من وجود تعريفات كثيرة للنظام الديمقراطي نفسه فإن أي منها لا ينطبق على الحالة الموريتانية ؛ بل إن تعريف موريتانيا بأنها بلد ديمقراطي أشبه بتعريف الماء بأنه حليب منزوع منه الدسم والسكر والبروتينات والأملاح والفيتامينات و المعادن ........إلخ .
ففي موريتانيا الديمقراطية ! ما زالت المساواة حلماً بعيد المنال وما زال التمييز بين الرجال والنساء هو القاعدة وعلاقات الهيمنة والتراتبية هي السائدة بين الناس .
وفي موريتانيا الديمقراطية ! لم يحدث تبادل سلمي على السلطة ولم تكن لانتخابات نزيهة و لا شفافة ولا محل إجماع في يوم من الأيام ومازالت الانقلابات العسكرية هي وسيلة التغيير الوحيدة التي أثبتت نجاعتها.
وفي موريتانيا الديمقراطية ! لا توجد سلطات أصلاً حتى نتحدث عن فصلها وكل ما هناك هو أشباه مؤسسات ولدت مشوهة وملتصقة وستكون عملية فصلها أشبه بعملية فصل التوائم السيامية , فالرئيس يعين الحكومة ويرأسها ويرأس المجلس الأعلى للقضاء وبيده حل البرلمان متى شاء .
وفي موريتانيا الديمقراطية ! لا وجود لحرية التعبير ولا لحرية الضمير ووسائل الاعلام العمومية موصدة في وجه المعارضين كما أنه يتحتم على من تسول له نفسه التعبير عن موقف معارض للنظام أن يكون مستعداً لدفع الثمن من كرامته وقوت عياله و مستقبله الوظيفي.
وفي موريتانيا الديمقراطية ! يسود قانون الغاب حيث القوي يأكل الضعيف والغني يسحق الفقير وحيث القضاء مسيس ومنحاز و رموز السلطة فوق المحاسبة و المسائلة وحيث الناس يعاملون لا كمواطنين بل كأتباع أو رعايا لا حقوق لهم .
هذه هي الديمقراطية على الطريقة الموريتانية التي تتميز عن باقي الديمقراطيات بأنها ديمقراطية بدون مساواة كديمقراطية (أثينا) القديمة كما أنها بدون تداول سلمي على السلطة وبدون فصل للسلطات وبدون رقابة أو محاسبة وبدون انتخابات شفافة وبدون حقوق إنسان وطبعاً بدون حرية ؛ إنها ديمقراطية بدون ديمقراطية , ديمقراطية لايت خفيفة جداً ومنزوعة الدسم .
مثل هذه الديمقراطية المائية التي لا طعم ولا لون ولا رائحة لها, هي التي قتلت يعقوب ولد دحود في موريتانيا, وهي التي سقطت في تونس قبل أيام, وهي الآيلة للسقوط في دول أخرى من العالم لأنها ببساطة خدعة لم تعد تنطلي على أحد ولأن المبادئ السامية التي قامت عليها الديمقراطية الحديثة غير قابلة للتجزئة فلا وجود لربع مساواة أو ثلث حرية أو نصف عدالة ولا وجود لمنطقة وسطى بين الديمقراطية والديكتاتورية, وليست هناك ديمقراطية كلية و أخرى جزئية إنها ليست بضاعة تباع بالتقسيط و لا دواء يعطى بالقطارة , فإما الكل أو اللا شيء