يشن أحد المواقع الإلكترونية هذه الأيام حربا طاحنة على كل ما يمت بصلة لثوابت ورموز السيادة الوطنية الموريتانية في حملة إعلامية شرسة تستهدف مسح ذاكرتنا الجمعية وشطب تاريخنا المرابطي من جبين التاريخ ووصم أبي بكر بن عامر بجرم الخيانة العظمى وإدانته بالعمالة للفرنجة وخطيئة بيع منارة شنقيط في المزاد العلني وقبض ثمنها بالدرهم.
ما أغربه من زمن عندما تصبح المعايير معكوسة ويصبح الأب المؤسس مجرد عميل للفرنجة ، أليس من حقنا وحق هذه البلاد الطيبة والأجيال القادمة علينا أن نقف وقفة تأمل مع ذواتنا ونتساءل؟
– أحقا أبانا المؤسس ، الذي نترحم على روحه الطاهرة كل مرة نستمع فيها لعزف النشيد الوطني ونضع أيادينا اليمنى على قلوبنا ، كان عميلا للفرنجة؟
– أحقا تاريخنا الذي درسناه في مناهجنا التربوية كان كله مزيف؟ زيفه العميل !
– من هو العميل ؟
– من هو المزور ؟
أبغض شئ إلى نفسي هو نبش القبور وإلصاق تهمة العمالة بهذا الشخص أو ذاك لكنني لم أستطع الإستمرار في دفن رأسي في الرمال وأنا أرى هذا الكم الهائل من السباب والشتائم يوجه نحو الأب المؤسس فقررت الذب عن حياض المرؤة بقلمي رغم أنني إمرأة ثم إني لا أمتهن الكتابة لكن لابأس مادام الكتاب لم يؤدوا فرض الكفاية.
يصف الكاتب المغوار أبانا المؤسس بأنه عميل فرنسي تم تنصيبه على هرم السلطة في بلاد المنارة والرباط في غفلة من التاريخ وبناء عليه فإن عيد الإستقلال الذي نحتفل به كل سنة مجرد مسرحية ساخرة لأننا مازلنا خاضعين للإستعمار الفرنسي ، وهنا يقودني هذا الطرح لأتساءل :
– هل كانت هنالك قيادات وطنية منافسة للعميل كانت ستنتزع استقلالنا الضائع أم أن الجميع كانوا عملاء وأن عميلنا كان أفضلهم؟
يبذل كاتبنا قصارى جهده لإقناعنا أنه كان هنالك سياسي وطني ومجاهد عظيم عمل المستعمر على إقصائه بسبب وطنيته ولأن المستعمر رأى في مشروعه تهديدا جديا لمصالحه فعمل على استبداله بأحد عملائه الطيعين وهنا أختلف مع كاتبنا فالتحليل المنطقي والمحايد هو أن المجاهد كان يرأس حزبا سياسيا وكان لديه خصوما سياسيين من مختلف الأحزاب والإديوليجيات والزعامات التقليدية وهذا هو سر خسارته في الإنتخابات فهو لم يكن محل إجماع لبلد ناشئ خاضع لرحمة زعماء القبائل فكان اختيار شخصية تكنوقراطية غير متسيسة محل إجماع وعندما تبين للمجاهد أن حلمه في بناء دولة على مقاسه أصبح مستحيلا عمل على مناصبة هذه الدولة العداء وارتمى في أحضان أعدائها التاريخيين الذين شكلوا له جيشا وسلحوه وأعطوه رتبة جنرال وأمروه أن يجهض مشروع الدولة الموريتانية في مهده والمكافئة هي تعيينه واليا على إقليم موريتانيا بعد استرجاعه ، وعندما تبخر حلم أسياده في ضم موريتانيا وأصبح هذا البلد حقيقة لارجعة فيها وبدأ أسياد المجاهد يغازلون موريتانيا لمباركة وتشريع أطماعهم التوسعية في تراب البيظان انتهى دور المجاهد في المسلسل التراجيدي واستدعت الضرورة غيابه عن المشهد (الحمد لله أنه لم يقتل) فاستحدثت له وظيفة في السعودية وهاجر إليها لتجنيب أسياده حرج إقامته على أراضيهم .. يا للخسارة فهذا مصير كل من يتآمر على أمن واستقلال بلده ويؤثر نفسه على شعبه ، ومهما سقطت أظافر كاتبنا في الكتابة ومهما سود من صحائف فإن عميل عميل المستعمر سيبقى عميل عميل المستعمر وأبانا سيظل أبانا حتى لو استدرجه عميل المستعمر ليشاركه مشروعه التوسعي ضد بني جلدتنا فسيظل أبانا لأننا مقتنعين أنه يحبنا ومقتنعين أن نواياه حسنة ولانلومه إن اجتهد فأخطأ واعترافه بذلك الخطأ لم يزد حبنا له لأنه بلغ منتهاه ، فهل اعترف المجاهد بخطيئته في حقنا يا سيادة الكاتب؟ !!
مريم بنت سيدي
mariemmintsidi@gmail.com