يتبادر لمن يلقي نظرة على يومية مكتبه أو يومية الحائط في منزله أن الفصل فصل الخريف وقد استبشرت الأنفس بأولى زخات المطر، وأشتد الحر بالعاصمة نواكشوط كما هو مألوف كل سنة، كما يتبادر لمن يعرف الشهور القمرية العربية –وقليل ما هم-أن الشهر شهر شعبان وان شهر الصيام قد أظلنا، فاستبشرت النفوس لما فيه من خير وبركة وأجر وفضل.
ولكن الملفت للانتباه أن مقدم شهرنا هذا في فصلنا هذا في بلدنا هذا يجعل الموسم موسم فك الحزام بامتياز ففي هذه الأيام يتسابق الناس للخروج من المدينة مع أولى ساعات المساء، فتزدحم مخارج المدينة حتى تحسبها (كرفور مدريد) وقت الزحمة الصباحية، فإذا خرجت المدينة باحثا عن نسيم ينسيك حر المدينة ومتاعبها تجد على جنبات الطريق أناسا مستلقين على الكثبان كأنهم سكارى وما هم بسكارى-أو هكذا نحسبهم - وأغلبهم من ذوي المناصب الكبيرة و السيارات الفارهة الذين لا تطالهم يد المادة 306 من القانون الجنائي –لمن يعرفها- فتدار أكأس الشاي على نغمات الموسيقى الهادئة وتفك الأحزمة .
أما داخل المدينة فقد أعلنتها الفضائيات العربية-هذا فصل الصيف فكوا الحزام فقد بدأ البث الإباحي- مسلسلات و أفلام و أغاني ....وبعد أيام سيظلنا شهر رمضان المبارك شهر العبادة و الطاعة و قد جهزت له الفضائيات ما شاء لها الله ، فشهر الصيام هذا رغم ما يحمل لنا من خير و بركة و اجر، نجهز له دائما ما لا يناسب مع ما حمل إلينا من بركة وأجر، فهو شهر تفك فيه الأحزمة نهارا لإطالة النوم و التقلب على الوسائد المريحة ، وتفك فيه الأحزمة ليلا لتناول ما لذ وطاب من مختلف الوجبات و الأكلات على طول لياليه فلا يكاد ينقضي حتى تزداد أوزان أجسامنا –معاملة له بنقيض قصده-.
نحن إذا أمام موسم فك الحزام بامتياز، نفكه على كثبان الرمل خارج المدينة، ونفكه أمام الفضائيات العربية، ونفكه لنستلقي على الأرائك في نهار شهر الصيام، ونفكه لتناول الوجبات المختلفة في ليله، فطوبى لمن شد المئزر وأيقظ أهله وتعسا لمن فك الحزام.