افتتاح معرض "أكسبو 2024" بموريتانيا :|: وزيرالخارجية يلتقي نظيره الأمريكي :|: ولد بوعماتو يدعم ترشح الرئيس غزواني لمأمورية ثانية :|: رئيس السنعال : محادثاتي مع نظيري الموريتاني “مشبعة بالود” :|: اتفاقيات تمويل مع البنك الدولي بـ 26.6 مليارأوقية :|: الرئيس السنيغالي يختتم زيارته الأولى لموريتانيا :|: موريتانيا تشارك في اجتماع G7 :|: الأمم المتحدة : نلتزم بدعم التنمية في موريتانيا :|: اعتماد 56 بحثا للتنافس على جوائز شنقيط :|: لص يعيد المسروقات لأصحابها بعد 30 عاما !! :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
 
 
 
 

"فتيات واغا".. اختراق السائد !

قيس قاسم/ نقد سينمائي

vendredi 4 mai 2018


"فتيات واغا" فلم وثائقي يحكي عن تجربة شابات من بوركينا فاسو قررن تعلم مهنة تصليح السيارات، المهنة الذكورية بامْتياز.

بعيداً عن الصورة النمطية لبلدان القارة الأفريقية في السينما الوثائقية الغربية، حيث تسود مَشاهدها؛ الحروب الأهلية، الفقر والمرض، وكوارثها الطبيعية تحاول المخرجة السويدية "تيريزا دالبيرغ" التقاط أخرى غيرها ولو من زوايا ضيقة تبعث الأمل وتعكس رغبة أهلها في عيش حياة سوية. هي لا تفتعلها بل تبحث عنها وتهتم بما تجده حتى لو كان بسيطاً وشخصياً كما في "شقيقة التاكسي"، فيلمها الوثائقي الجميل عن امرأة شجاعة نزلت إلى شوارع العاصمة السنغالية داكار وعملت وسطها كسائقة سيارة أجرة، وفي آخر أعمالها "فتيات واغا" نقلت فيه تجربة شابات من بوركينا فاسو قررن تعلم مهنة تصليح السيارات، المهنة الذكورية بامْتياز.

في معظم أعمالها تبدو "دالبيرغ" مكتفية برسم الخطوط العريضة لشخصياتها. لا تغور عميقاً في جوانياتها، لكن الغريب في اشتغالها هو توفرها دوماً على ما يكفي لنقل حالتهم النفسية والأجواء الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم بوضوح يفوق أحياناً وضوح من يراهن على تحليلها وتفكيكها. هل هذا إذن هو أسلوبها الخاص في الربط بين أبطالها والمناخات التي تحيطهم وتؤثر فيهم؟ السؤال معني به وثائقيها الأخير Ouaga Girls كثيراً لتطابقه مع التوصيف العام لاشتغالاتها أولاً وثانياً لإشكالية موضوعه كونه يلامس حالة المرأة الفقيرة في بلد لم يتخلص من موروثه السياسي المؤلم إلا بالكاد، والذي انعكس على حالة أبنائه لدرجة جعلت منهم رمزاً للمواطن الأفريقي المغلوب على أمره.

زامنت "دالبيرغ" وصولها إلى "واغادوغو" عاصمة البلاد وبدء تصوير فيلمها عن الصبايا الدارسات ميكانيك السيارات، مع استعداد أحزابها وسياسيّيها عام ٢٠١٥ لخوض تجربة الانتخابات العامة. هل كان التوقيت عفوياً؟ لا.. فعبر نقلها النقاشات الحادة والحملات الدعائية للمرشحين، بطريقة غير مباشرة، غالباً عبر تسجيل مَشاهد، بعيدة عنها، تبدو غير معنية بها، يكون التلفاز ونشرات أخبار محطات الإذاعة حاضرة فيها، تعطي تفاصيلها فكرة عن حالة البلاد السياسية ووعود قادتها بإقامة الديمقراطية فيها وتخليصها من الفساد وتوفير فرص عمل لشبابها، بعد أن ارتفعت نسبة البطالة بين القادرين منهم على العمل إلى المرتبات الأعلى في العالم، وهي نفسها من دفع الشابات للدخول إلى مدرسة الميكانيك أملاً في حصولهن على عمل في حقل جد خاص، المنافسة فيه قليلة مقارنة مع بعض القطاعات العامة. الانتخابات الحرة لاختيار قادة البلاد هي الأولى من نوعها منذ انقلاب عام ١٩٨٧، ومع شدة التنافس على الفوز بها والظاهرة عبر انتشار صور المتنافسين في شوارعها وتحرك القادة بين الناس لكسب أصواتهم، أظهرت الصبايا قلة اهتمام بها لافتة، كأنها تجري في بلد آخر غير بلدهن !.

لم يعر الوثائقي ذلك الجانب الكثير من اهتمامه بل انصب تركيزه على حياتهن وتجربتهن المثيرة، التي غطت المساحة الأكبر من زمنه الموزع بين نقل المشاهد الخارجية للمدينة وبين الداخلية، المحصورة غالباً في بيوتهن لتعكس الجوانب الأكثر حميمية وشخصانية، فيما تظل المدرسة مكاناً حيوياً تتفاعل داخله أكثر العناصر عكساً لحالة البلاد المتنازعة بين ميل إلى التغيير المرهون بتحولات بعيدة المدى وبين حاجة ملحة لإيجاد حلول سريعة للمشكلات الاقتصادية والضائقة المالية التي يعاني منها أغلب سكانها. كل واحدة منهن لها قصتها ووضعها الخاص ومع ذلك كان ثمة قاسم مشترك بينهن يجمهن ويقدمهن كحالة عامة تعكس أوضاع المرأة البوركينافية وخصوصيتها.

في المدرسة يتلقين دروساً في علوم الميكانيك والتاريخ والأدب الفرنسي ويجابهن استغراباً دائماً من وجودهن في مكان لم يألف وجود فتيات فيه، حتى المدرسين كانوا يتعاملون معهن بشيء من الحذر. حماستهن للتعلم لم تكن عالية لكن غاياتهن كانت واضحة. لم تدع أي واحدة منهن أنها اختارت المهنة بدافع المنافسة مع الرجل ولا لإحداث ثورة مجتمعية. كُن راغبات في تحسين ظروف عوائلهن والتخلص من تبعات ثقيلة وجدن أنفسهن محاصرات بها، مثل؛ الأطفال من غير آباء شرعيين أو الوحدة والحرمان من الحماية الأُسرية بسبب ترك أمهاتهن لهن يوم حملن من رجال هجروهن ليواجهن مصيرهن وحدهن. العمل كان هو الوسيلة الوحيدة القادرة على إيقاف عجلة دائرة المعاناة وكُن لذلك الجانب مدركات، ولأن أعمارهن لم تتجاوز سن المراهقة إلا بقليل سقط بعضهن أثناء الانتقال إلى سن النضج بنفس الأخطاء التي سقطت أمهاتهن فيها من قبل.

يدخل الوثائقي إلى مشاكلهن والتعرف على طريقة تفكيرهن عبر المُعالِجة النفسية التي استعانت المدرسة بها. الاستماع إلى مصارحتهن لها والبوح أمامها بأدق مشاعرهن، مهد لمعرفة جانب من المشاكل النفسية التي يُعانين منها وأيضاً أجلت جانباً من طريقة تفكير كل واحدة منهن. أسلوب نقل الخاص وتعميم نتائجه جعل من نص المخرجة السويدية عملاً ممتعاً ومتفرداً مس الجوانب المعقدة بأسلوب ابتعد عن المجابهة لكنه رفض في الوقت نفسه التسطيح والسهولة. روحه ظلت متفائلة تعبر المَشاهد الناقلة لحركة الشوارع وحركة الصبايا وسطها والمصحوبة دوماً بموسيقى فرحة عنها، لتخفف الحزن الكامن في دواخلهن وتبرز المشرق المتفائل، الذي دفعهن للذهاب إلى الدراسة والأمل في الحصول على عمل، صعب جسمانياً لا يعرفن مقدار انسجامه مع قدراتهم الجسدية بدقة، لهذا كان مستوى التردد يظهر عندهن بقوة عند كل منعطف بسيط يواجه مسيرتهن، يعلن بعده ندماً، سرعان ما كان يتبدد بقوة التضامن والتآزر بينهن !.

قوة التضامن النسوي لا يخفيها سلوكهن بل هو من ساعد بعضهن على تجاوز حالات الإحباط وخيبات الأمل. كان هاجس الحصول على رجل مناسب يأخذ وقتاً كثيراً من أحاديثهن عن الحياة والمستقبل. من بين ما تجليه المتابعة الطويلة للدراسات الميكانيك طبيعة المرأة البوركينافية واهتمامها بأناقتها رغم الفقر. عدوى اهتمامها انتقل إلى نيجيريا الجارة الغنية الحاسدة لها على جمالها وأناقتها البسيطة. ابتعادها عن الصراع الإثني والمذهبي سلوكاً فردياً عندها. تضامنها مع بنات جنسها في جوهره تحيّزاً طبقياً وتفهماً مجتمعياً أكثر منه ميلاً لجوانب أخرى مُفرِقة تعرف بالفطرة خطورتها عليها. علاقاتها بالرجل تفرضها قوانين اقتصادية مائلة لمصلحته ومع ذلك ثمة وعي بمشاركته قوة الاقتصاد دون تصادم.

كل واحدة منهن لها قصتها ووضعها الخاص ومع ذلك كان ثمة قاسم مشترك بينهن يجمهن ويقدمهن كحالة عامة تعكس أوضاع المرأة البوركينافية وخصوصيتها

الحصول على عمل هدف يفرضه الواقع. مصاحبة "فتيات واغا" لعدد منهن ودخوله بيوتهن يُبيّن حجم الفقر المدقع بسبب عدم الحصول عليه. ثمة أغنية ينشدها مطرب راب في احدى الحانات، عنوانها "كلهم كذابون" تفسر ربما جانباً من عدم اهتمامها بالسياسة، لأن فقرها متأت منها لا من شح الموارد الطبيعية والبشرية وبسبب سلوك الساسة وفسادهم المريع، الذي أشاع بين الناس حالة من عدم الثقة بهم وبوعودهم وخطاباتهم الرنانة التي طغت على سواها من الأصوات منذ يوم وصول الوثائقي إلى العاصمة وقيام فريقه بالتسجيل لمدة عامين تقريباً، لم يدخل الوثائقي خلالها في سجالات ولا أقام محاكمات للنظام ولم يذهب لتحليل فتور حضور المرأة في المشهد السياسي العام، لكنه حرص على تثبيته، فيما أولي حكاية الصبايا وحماستهن للحصول على الشهادة المهنية اهتماماً أكبر من كل جانب.

فاض مشهد تخرجهن فرحاً وتعبيراً عن نجاحات، لها كبير معنى عند شابات راهن على العمل وفي حقل جديد قد يفتح لهن بوابات "السعادة" المرتجاة حتى لو جاءت على حساب إنهاك أجسامهن، فللحياة قوانينها، تفرضها على الجميع، لكنها لا تشترط بالضرورة ترك الجانب الجميل فينا، لهذا ظهرت الصبايا يومها متأنقات وفرحات رغم أن أكثر من واحدة منهن كانت تحمل على ذراعيها رضيعاً تأمل أمه بأن يبتسم الحظ له يوم حصولها على فرصة عمل حقيقية في بلد فقير عز العمل فيه، بسبب فساد قادته، فيما تحاول شابات فقيرات إصلاحه بخطوات بعيدة عن الادعاء والتضخيم. أليس اشتغال السويدية "تيرزا دالبيرغ" فيه بعض من ذلك التوصيف؟.

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا