رئاسيات يونيو : غزواني أول المترشحين رسميا :|: دراسة ملف مؤسسة "قمم" لنيل ترخيص قناة تلفزيونية خاصة :|: لقاء بين الرئيس غزواني وولد داداه :|: موريتانيا تشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي :|: الأغلبية : شروط منح التزكية للمترشحين للانتخابات الرئاسية :|: "فترة عصيبة".. البنك الدولي يحذّر من تفاقم التضخم العالمي :|: الرئيس يبحث "استغلال مناخ الاستثمار" في موريتانيا مع وفد أوربي :|: إجازة خطة حكومية لعصرة الادارة :|: "دومين" : تسجيل العقود عن طريق منصة رقمية :|: متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !! :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
من يوميات طالب في الغربة(5) : أول يوم بالسفارة الموريتانية في تونس العاصمة
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
طائرة أميركية تقطع رحلتها .. والسبب غريب !!
تعدين الجبس وتجارته الدولية/ اسلك ولد احمد ازيد بيه
متى يكون أكل البطيخ مميتا.. ؟ !!
تصريح "مثير" للنائب بيرام اعبيدي
 
 
 
 

مساهمة في نقاش فكرة المجالس الجهوية للتنمية

د. سليمان ولد حامدن ولد حرمة ـ باحث في مجال اللامركزية والتنمية المحلية

dimanche 15 mai 2016


دون أحكام مسبقة أو اصطفاف ديماغوجي، وبحكم اهتماماتي البحثية بالعلاقة الإشكالية بين اللامركزية والتنمية المحلية بشكل عام، وفي موريتانيا بصورة أخص، تحاول الأسطر التالية تقديم قراءة أولية لمغزى إعلان الرئيس الموريتاني خلال خطابه في مدينة النعمة عن النية لإلغاء مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس جهوية للتنمية في الولايات.

سأتناول إذن فكرة إطلاق مسار الأقلمة، واستشراف نتائج مثل هذه الخطوة، من زاوية علمية مجردة، لا تبتغي سوى الموضوعية هدفا. وهي فكرة أرى أنها يمكن أن تمثل سياقا لامركزيا متقدما بعد ثلاثة عقود على بداية مسلسل البلدنة في البلاد.

لقد شهدت موريتانيا منذ بضع سنوات؛ حراكا إداريا يحاول أن يواكب التحولات المجالية والاقتصادية والسكانية والأمنية التي عرفها ويعرفها الحيز الترابي الوطني، ولأن التقسيم الإداري لا يجب أن يظل جامدا في محيط يموج بالتغير، عمدت الدولة إلى إحداث مقاطعتين جديدتين هما مقاطعة الظهر بولاية الحوض الشرقي، والشامي بداخلة نواذيبو، كما قامت الحكومة في يونيو 2013 بإجراء عدة تعديلات على الحدود الإدارية لولايات الواجهة الأطلسية. وكان تقسيم العاصمة نواكشوط في نوفمبر 2014؛ إلى ثلاث ولايات (شمالية وجنوبية وغربية)، آخر حلقات الحراك الإداري الترابي. قبل الإعلان عن النية لإجراء استفتاء دستوري يشمل -من بين أمور أخرى- إنشاء المجالس الجهوية للتنمية.

وكملاحظة أولية يمكن القول إنه من الناحية الشكلية فإن إعلان إنشاء مجالس جهوية للتنمية، على النحو الذي شهدناه للتو، يختلف عن سياق إطلاق مسلسل البلدنة سنة 1986. ذلك أن تبني سياسة اللامركزية لم يكن يومئذ نابعا من حوارات أو انتظارات محلية بقدر ما كان استجابة لإملاءات خارجية. فكانت البلديات تمثل لدى معظم السكان، كيانا على درجة من الآخرية لم تسمح للفرد بأن يتعلق بها مثل تعلقه بانتمائه الترابي أو النسبي. في حين أن إرساء المجالس الولائية ذا جاء ثمرة لحوار -أو تفاهم- وطني، سيكون نابعا من إرادة داخلية تمنحه مشروعية وثقلا أقوى.

وقبل الخوض في النتائج والتحديات المحتملة لهذا الإجراء يحسن بنا في عجالة التذكير ببعض المفاهيم المتصلة به، فاللامركزية تعرف بأنها ((أي فعل تقوم الحكومة عبره بنقل السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين ومؤسسات على مستوى أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية))، فهذا النقل للصلاحيات الإدارية يمكن الأقاليم من مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وتسيير الاستثمارات العمومية، وينبغي أن يكون تحويل السلطات إلى الأقاليم مصاحبا بتوفير الوسائل المالية الضرورية للتنمية الإقليمية اللامركزية.

كما تعني اللامركزية أيضا ((أن تعترف الدولة للأشخاص المعنوية الدنيا -بلديات، مجالس جهوية، مؤسسات عمومية- بنوع من الاستقلالية في تسيير شؤونها الداخلية، لكن دائما تحت إشراف ومراقبة السلطة المركزية)).

يشير مفهوم اللامركزية إذن؛ إلى العملية العامة التي تنقل بموجبها السلطة السياسية والعمليات التنفيذية إلى هيئات ترابية على المستوى المحلي، وقد قسم المنظرون اللامركزية حسب درجتها وعمقها إلى أنماط أربعة تبعًا لمستوى نقل السلطة، ولنوع "الوحدة" التي يجري تقاسم السلطة معها، وهذه الأنماط هي :

 التنازل : ويعني نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو شبه مستقلة ذاتيا.

 التفويض : وهو نقل مسؤوليات الخدمات والإدارة إلى أجهزة الحكم والمؤسسات المحلية.

 إبطال المركزية (أو عدم التركُز) : ويعني توكيل تنفيذ البرامج الوطنية لفروع أدنى من الحكومة.

 التجريد : وهو نقل الخدمات والمؤسسات العامة (الحكومية) إلى شركات ومؤسسات خاصة.

ولكل نمط من هذه الأنماط مقومات سياسية ومالية وإدارية، فكلما كان حجم ونوع الصلاحيات الإدارية، الممنوحة للوحدات المحلية والإقليمية في مختلف جوانب الإدارة العامة ذات الصلة بتطبيق اللامركزية، كبيراً وهاماً، كلما كانت اللامركزية قوية.

فأي هذه الأنماط ستتخذه اللامركزية الموريتانية بعد إنشاء المجالس الجهوية للتنمية ؟

بالنظر إلى تجارب الأقلمة السابقة التي عرفتها البلاد نهاية الستينيات وخلال السبعينيات، وإلى حصيلة ثلاثة عقود من البلدنة، لا نتوقع أن يتجاوز الإصلاح المرتقب نمط إبطال المركزية (أو عدم التركز). فالتركيب العرقي والقبلي والتوزيع المناطقي الجهوي للبلاد، لا يشجعان على إنفاذ نمطي التنازل أو التفويض في الحالة اللامركزية الموريتانية، كما أن الدولة تتهم بعدم الجدية في نقل الصلاحيات للبلديات أحرى للأقاليم.

إن "الإصلاح" المرتقب تواجهه تحديات كبيرة فاللامركزية بحد ذاتها لا تضمن إدارة أفضل للحكم. وفي الواقع تخلق اللامركزية غير الفاعلة أو غير الملائمة من المشكلات أكثر مما تحل، ولذا يتحتم تطبيق اللامركزية بعناية من أجل ضمان فاعلية المؤسسات المحلية.

قد تكون اللامركزية غير ملائمة أحيانا، وبالتالي تقود إلى تدني نوعية إدارة الحكم، ففي الدول الصغيرة جدا يحقق الحكم المركزي فاعلية أكبر عبر تنسيق عمل الحكومة المركزية، بدلا من إيجاد كيانات محلية مستقلة ذاتيا، وقد تقود اللامركزية إلى خسائر في وفورات الحجم وإلى عدم الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي. كما يمكن للامركزية الضريبية أن تستنزف الإيرادات المركزية حين تعجز الحكومة الوطنية عن ضبط الإنفاق العام. وقد تفتقر الحكومات المحلية إلى القدرة والخبرة الموجودتين لدى المؤسسات الوطنية.

لكن في المقابل قد يؤدي تطبيق اللامركزية دون الانتباه الدقيق للبعد الضريبي إلى انتكاس جهود الإصلاح فمن دون سيطرة أجهزة الحكم المحلي على إيراداتها وميزانياتها لن تتمكن من العمل باستقلال ذاتي، وتخلق الإيرادات المحلية قدرة رأسمالية يمكن إعادة توزيعها على البنية التحتية العامة وعلى الاقتصاد العام. إن تنفيذ خطط جبائية وخطط فاعلة للإيرادات تفترض مسبقا عملية تاريخية طويلة في مجال بناء الدولة، مما يعزز أهمية وفاعلية التخطيط والتصميم عند تطبيق اللامركزية.

من جهة أخرى توجد حجج متعارضة حيال تأثير اللامركزية على وحدة الدولة؛ إذ يذهب البعض إلى أن اللامركزية الموسعة تشكل خطرًا على الوحدة الوطنية لأنها تضعف الولاء للدولة، وتشجع ظهور حركات انفصالية. بينما يرى آخرون أن اللامركزية تزيد الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية عبر السماح للمواطنين بالتحكم في البرامج السياسية بشكل أفضل على المستوى المحلي.

وكثيرا ما أدى تطبيق اللامركزية إلى إثارة التساؤلات حول دور وطبيعة أجهزة الحكم المحلي، وما إذا كانت مجرد امتداد للحكم المركزي في المحليات يستهدف إحكام قبضته على عموم الناس، أم أن السلطة المحلية ليست مجرد وكالة للدولة المركزية ولا هي أداة من أدوات المعارضة لسلطة العاصمة، وإنما هي هذان البعدان معا. وهي إشكاليات لا تنفصل عن آلية انتخاب أعضاء المجالس المحلية والجهوية، والتي يجب أن تصاغ بحيث لا تعيد إنتاج النخب المخزنية والقيادات القبلية والفئوية غير المؤهلة لإدارة التنمية.

إن مستقبل المجالس الجهوية والمحلية (البلديات) في الهندسة الترابية لموريتانيا، وحسن أدائها لأدوارها التنموية على الصعيدين الإقليمي والمحلي. كل ذلك رهين بمدى حصول حد أدنى من الإجماع الوطني حول الإصلاحات المرتقبة، مع تلافي الاختلالات التي طبعت المحاولات اللامركزية السابقة، والاستفادة من تجارب البلدان المجاورة (خاصة المغرب والسنغال). فالأمر يتجاوز مجرد قرار سياسي أو تشريع قانوني، إلى مشاركة موسعة لكل الفاعلين المعنيين بحقلي اللامركزية والتنمية المحلية.

وفي الختام فإن هذه الانطباعات الشخصية التي قد يفهم منها تثمين حذر لفكرة إرساء المجالس الجهوية، لا تنسحب على كامل مضامين خطاب النعمة وقضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وخاصة الديمغرافية، وهي مضامين وقضايا أثارت وستثير جدلا واسعا في الساحة الوطنية.

د. سليمان ولد حامدن ولد حرمة

باحث في مجال اللامركزية والتنمية المحلية

عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا