من غير المفهوم أبدا أن تشجع الحكومة العمال على الدخول فعلا في الإضراب الذي دعت إليه مركزياتهم ونقاباتهم والذي من المفترض أن يبدأ منتصف هذا الشهر .
إن الحكومة بدت حتى الآن وكان الإضراب يخدمها وان الدخول فيه بالنسبة لها مسالة حياة أو موت، فإصرارها على تسريع صرف علاوتي النقل والسكن رغم حدة الجدل الدائر محليا بسببهما ورفضها للدخول في حوار عاجل وجدي مع ممثلى العمال، ومحاولتها لاستحداث نقابات وهمية ورقية لسحب البساط من تحت الكونفدراليات والنقابات الداعية للإضراب والتي تدرك الحكومة قطعا- وقبل غيرها- أنها هيئات نقابية قوية وذات مصداقية وانه لا سبيل للي ذراعها وسحب البساط من تحتها بجرة قلم.. كلها أمور توحي بان الحكومة الحالية غير معنية بالأزمة الراهنة مع العمال إلا إذا تعلق الأمر بالدفع بها نحو مزيد من التصعيد والاحتقان والتوتر، وتحاشى كل الطرق المفترضة لحلها ونزع فتيلها المنذر بحريق اقتصادي واجتماعي وسياسي لا يمكن التكهن بحجم نتائجه وكارثيتها محليا وعلى جميع الأصعدة.
لقد قالت المركزيات والنقابات العمالية فى مناسبات عديدة إن الإضراب القادم مجرد وسيلة للاحتجاج وليس غاية بحد ذاته، وأنها على استعداد للتخلي عنه في أية لحظة إذا قررت السلطات الاستماع لمشاكل العمال ومراجعة العلاوات الأخيرة وترسيم النظم المهنية لأسلاك الوظيفة العمومية بالنسبة للقطاعات المهنية والفئات الوظيفية التي مازالت نظمها عالقة وغير مطبقة على الأرض. غيران السلطات لم تتقدم خطوة واحدة حتى الآن باتجاه تطويق الإضراب وعلاج أسبابه لدرجة أن مستوى اللامبالاة الذي تعاملت به هذه السلطات مع تذمر العمال دفع ببعض النقابيين إلى الاعتقاد بان السلطات تريد استفزاز العمال واختبار قدرتهم على المواجهة، وهو استفزاز يعتقد النقابيون أن الرد المناسب عليه يتمثل فى المضي قدما في الإضراب القادم و الإصرار على إنجاحه خاصة وان الجهات النقابية الداعية إليه جهات قوية ونافذة عماليا، ويكفى كمثال على ذلك التذكير بان "الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا" و"الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا" و"النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي" و"النقابة المهنية للممرضين والقابلات فى موريتانيا" كلها تنشط للدعوة للإضراب، وهي المعروفة محليا بشدة المراس النقابي والقدرة الفائقة على المواجهة والتحمل عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق العمال ورفع الظلم عنهم.
إن الأمر يتطلب التحرك العاجل لتطويق هذه الأزمة ومن طرف الجميع فإذا كانت الحكومة غير مقدرة لعواقب الإضراب القادم وليست مهتمة بعلاج أسبابه فان الكرة بكل تأكيد باتت فى مرمى الرئيس محمد ولد عبد العزيز المطالب بالتدخل شخصيا وبسرعة وفاعلية لتطويق الأزمة الحالية مع العمال الذين لن يفتح لهم باب حقيقي لتطويق الإضراب إلا ودخلوا منه شريطة أن تضمن حقوقهم ويرفع عنهم كل هذا الظلم البواح الذي يتحملون بعناء تبعاته الكارثية مع شمس كل يوم جديد.