إن الإنتقال من مسلسلات مدبلجة إلى قنوات مدبلجة بهذا الكم والحجم الضخم من التمويلات لا يدل إلا على شيء واحد هو أن مجتمعنا للأسف إبتلع الطعم و صار تحت تأثير المخدر هي إذن ويلات مدبلجة على أرض خصبة.
ومع وضوح هدفها و مخططاتها و نتائجها على المجتمع إلا أننا لم نبدي أي استعداد لمحاربتها لا من حيث التحصين الأخلاقي و الديني من خلال الأسرة و المجتمع, من باب أحرى إيجاد سينما بديلة بهذا الحجم الدرامي و الفني, هذه المعطيات عادت بمؤشر الزمن إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي حيث الإزدهار الهائل لهذه الأعمال أو هذه "الويلات المدبلجة" و حيث أوج إهتمام المجتمع بهذه الظاهرة و التي بدأت مكسيكية و وصلت إلى الهند مرورا بتركيا و لا يعلم نهايتها إلا الله, هي إذا فيروس إنتشر و أستشرى في مجتمعنا الأسباب كثيرة منها :
1 – ضعف المنظومة الأخلاقية و هشاشة البنية الإجتماعية.
2 – ذكاء الدول المنتجة لهذه الأعمال فقد و صلوا بها إلى درجة التميز من حيث الحبكة الدرامية و تعقيد الأحداث و التدفق المشوق.
3 – إستدعاء المشترك التاريخي و الديني إلى حد ما "في المسلسلات التركية" و إثارة القضايا الإجتماعية القريبة من الوجدان الموريتاني و العربي عمومًا.
4 – الصراع الطبقي و نضال الطبقة المسحوقة بوصفها الأكثر دائما ضد الطبقة الثرية الرأسمالية التي تزداد ثراء و التي تتمحور صراعاتها فيما بينها على الشهرة و السلطة.
5 – إعطاء الصورة الناصعة للتوازن في العلاقات الأسرية من خلال المعاملة الحسنة بين الأزواج أو ما يسمى الدفء الرومانسي.
6 – التركيز على الجاذبية و الوسامة و الجمال من خلال إختيار الممثلين و المناظر الخلابة و السيارات الفارهة و القصور الجميلة و الأماكن السياحية و كذلك الإغراء عن طريق الملابس الشفافة و ملابس النوم و البحر... و حتي المكياج.
7 – إستحضار المسكوت عنه و التابوهات الإجتماعية .. كالإغتصاب و التحرش و زنا المحارم و الخيانة الزوجية .. إلى غيرها من القضايا الجريئة و التي لا يخلو منها أي مجتمع و لا يسمح بمناقشتها في مجتمعاتنا وكثيرا ما يستخدمون في تبريرها ما يطلقون عليه "الحب".
على كل هي إذن أسباب كثيرة تجذب المواطن إلى درك من المخاطر و السلبيات لا نهاية له, فلا خلاف أن لهذا الكم الهائل من الثقافات المتدفقة من خلال هذه المسلسلات أضرار كثيرة و مخاطر جسيمة على مجتمعاتنا المسلمة خصوصا إذا ما علمنا أن قصصها منتقاة بعناية شديدة و أن ورائها إيديولوجيات عميقة و ليس من أهدافها إختراق المجتمع فحسب بل تحمل في طياتها الكثير من الرسائل و لها في ذلك مآرب أخرى .
من هذه الأضرار :
1 – تصدير بعض القيم الأخلاقية و الغزو الثقافي من خلال نقل السلوكيات المشبوهة و المنافية الإسلام بل هدم القيم الإنسانية الكبرى عن طريق إشباع الغرائز.
2 – تسريب رسائل تحت شعار الحرية الشخصية, منها إمكانية الإنجاب خارج مؤسسة الزواج, و تتصاعد هذه الرسائل إلى درجة تكون فيها التربية التي نمارس هي نوع من الكبت الإجتماعي و عدم تقبل الآخر.
3 – إستنزاف المُشاهد نتيجة للساعات التي يقضيها في متابعة هذه المسلسلات زمنيا و عاطفيا و فكريا بل و حتى شخصيا في الأمور العاطفية و العقلانية لأنه سيشعر بالإنفصام بين الواقع المعاش و الواقع الإفتراضي و قد يؤدي ذلك إلى الإحساس بالجفاف العاطفي و ربما بضياع العمر أمام التلفزيون مما ينشأ عنه الكثير من العقد النفسية.
4 – تكسر الروابط الأسرية من خلال تلك المشاهد التي تتصاعد إلى درجة الإحراج حينما تبدأ خلسة تلك المشاهد الإباحية أو قل الغرامية الساخنة و الأسرة تشاهد بكبيرها و صغيرها.
5 – إقناع المشاهد بإتخاذ هؤلاء الممثلين قدوة من خلال البساطة و الجمال الروحي و الجسدي و إظهار جانب الخير فيهم إلى درجة كبيرة فيعتبرهم الموضة من حيث للبس و المكياج و المقتنيات .. لذلك لم يكتف المجتمع بمتابعتهم على التلفزيون بل تجد صورهم على شاشة الهاتف و في صفحات التواصل وحتى في الغرف الشخصية.
6 – من اجندات هذه المسلسلات الترويج للسياحة و لذلك يكسبون منها أرباح طائلة و بالطبع يكون هذا على حساب بلداننا.
7 – المسخ الحضاري و التبعية الفكرية حيث فشل المجتمع في كيفية التبادل الإيجابي بين أفراده و تقوية الروابط الأسرية فكانت هذه المسلسلات سببا في زيادة حالات الطلاق و أبناء الشوارع بل حتى أن مجتمعنا الوادع الآمن المسلم من خلال هذه "الويلات المدبلجة" عرف الإنتحار.
صحيح أن هذه المسلسلات و الأفلام تستهدف الحلقة الأضعف في النسيج الإجتماعي و هي الشريحة المتذبذبة أو الميالة إلى غرائزها و هي شريحة الشباب و النساء وهي الأكثر طبعا و هذا هو مكمن الخطر .
إذن فبداية الحل هو تحديد المستهدف و من ثم الرجوع به إلى المنبع الأصلي و المأوى الحصين و هو التعاليم الإسلامية السمحة ومن المعروف أن هاتين الشريحتين أوصانا بهم الله و رسوله ومن ذلك قوله تعالى : و الخطاب في الآية واضح لذلك فالمسؤولية تقع علينا جميعا و إن لم نقم بواجبنا حيالها فنحن مشتركون في جريمة كبرى تمارس ضد جيل بأكمله.
علينا أيضا أن نبين للقائمين على هذه الأعمال و الناشرين لها عن قصد أو عن غير قصد أنها سموم خطيرة و أن يحذروا من قوله تعالى : فإذا كان الله جل جلاله يتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فما بالكم بالذين يشيعونها ؟ !
من الحلول المقترحة أيضا أن نعيد صياغة المنظومة الأخلاقية عندنا, فاتخاذ الزوجة زوجة فقط يفقد الإحساس بالجوانب العاطفية فهي حبيبة و صديقة .. و إنسانة قبل هذا و ذاك, لذلك فالإستقرار العائلى و الراحة النفسية و العاطفية هي مع إعادة الدفء الأسري و التواصل و بناء الروابط العائلية على أسس سليمة .
و قد يحتاج هذا إلى إجراءات من قبيل تشفير بعض القنوات و تقنين وقت مشاهدة التلفزيون من أجل قضاء وقت مع الأسرة و التواصل معها و تعزيز للحمة بينها, و كذلك التوجيه من خلال إختيار القدوة الحسنة فمن لا قدوة له لا اتجاه له.