أدى تحطيم مقام دفن فيه أحد علماء الإباضية كان وراء إدماج البدو العرب في مدينة غرداية الأمازيغية بالجنوب الجزائري، إلى مواجهات بين شباب المجموعتين ما يهدد بصراع طائفي قد يكون له عواقب وخيمة على البلد.
وأكد المحلل السياسي رشيد تلمساني لوكالة الأنباء الفرنسية أن « المساس باستقرار غرداية قد يؤدي إلى عدم استقرار كل المناطق المحيطة بها » لأن غرداية منطقة قريبة من آبار النفط وتعتبر بوابة الصحراء الكبرى بالجنوب الجزائري الذي يتقاسم الحدود مع دول الساحل الإفريقي.
ورغم الهدوء الحذر السائد خلال الأيام الماضية بعد مواجهات أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص، إلا أن التعايش بين طائفتي بني ميزاب الأمازيغ الإباضية والشعامبيين العرب السنة الذي يدوم منذ مئات السنين، يبقى مهددا.
وتبدو السلطات المحلية عاجزة عن إيجاد حلول دائمة للمشاكل في المنطقة ولا حتى وضع حد للمواجهات التي طالت حتى المقدسات.
وتحدث نور الدين داني نونو وهو من الإباضية بمرارة شديدة عن تحطيم مقام دفن فيه عمي موسى أحد علماء الإباضية وقال : « لن يبرأ جرحي ما حييت ».
وعمي موسى المتوفى في 1617، هو رمز للتعايش السلمي في هذه المنطقة، فهو « من تحمل مسؤولية قرار إدماج البدو (العرب) في المدينة الميزابية في 1586 »، بحسب الباحث محمد حاج السعيد.
ولم يتقبل السكان تحطيم المقام المسجل في التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) ثم نبش القبور المجاورة له في 26 ديسمبر.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو تظهر شبابا يمكن التعرف عليهم وهم يحطمون أملاك الميزابيين أمام أعين رجال الشرطة ومن دون أن يوقفوهم، كما يتم عرض هذه الأشرطة لكل الصحافيين الذين يتنقلون إلى غرداية.
وطلب أعيان المنطقة من الدرك الوطني التابع لوزارة الدفاع حماية الأحياء القديمة المعروفة في الصحراء الجزائرية بالقصور، لأنهم لا يثقون في الشرطة التابعة لوزارة الداخلية ويتهمون بعض أفرادها بالتواطؤ مع المخربين.
وكانت المديرية العامة للأمن الوطني بالجزائر، أعلنت الأحد الماضي عن توقيف ثلاثة عناصر من الشرطة وإحالتهم على القضاء بسبب « تهاونهم في أداء مهامهم ».
كما تحدث وزير الداخلية الطيب بلعيز المسؤول الأول عن جهاز الشرطة عن اتهامات بعض أعيان المنطقة لرجال الشرطة بـ « التجاوزات » معتبرا ذلك « أعمالا فردية ومعزولة » مشيراً إلى فتح تحقيقات بخصوصها.
وطالب موسى وهو تاجر في المدينة القديمة بـ « توفير الأمن (فقط) فنحن لم نطلب شيئا من الدولة منذ 1962 (تاريخ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي) ».
وبالنسبة لمحمد جلماني أحد أعيان الإباضية، فإن « هذا الوضع هو نتيجة السياسة المتبعة في المنطقة منذ الاستقلال » موضحا أن الشعامبة استولوا على الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني، بعد الاستقلال معتبرين أنفسهم ثوريين بينما الميزابيين « أثرياء رجعيون ».
ويعرف عن بني ميزاب أنهم مستقلون عن الدولة، فهم يسيرون أمورهم وفق تقاليد عريقة مبنية على التضامن الاقتصادي داخل الطائفة.
ومن بين أسباب النزاعات في المنطقة نقص الاندماج بين الطائفتين لذلك هناك فرق لكرة القدم تنشأ على أساس محض طائفي حتى الآن، ومما زاد من حدة المواجهات عدم تعرض المسؤولين عن العنف للعقاب، إضافة إلى التغير الذي حصل في المجتمع الميزابي، بحسب جلماني.
وفي الماضي كان شباب بني ميزاب ينتقلون للعمل في المدن الشمالية لكن التطور الذي عرفته المنطقة جعلتهم يستقرون فيها.
ويرى الكثير من الأعيان أنهم عاجزون عن منع الشباب عن الرد على الاستفزازات على الرغم معارضتهم لها، حيث قال محمد جلماني : إنه « لا يوجد مشكل بين الميزابيين والشعامبيين ولكن هناك مشكل بين مجرمين أيا كان انتماؤهم وميزابيين يدافعون عن ممتلكاتهم ».
ويتبادل الشباب من الطائفتين الاتهامات في جو يسوده شعور بالكراهية من الجانبين، لكن رئيس مؤسسة الشعامبة بوعمر بوحفص اعتبر أن « المشكل هذه المرة هو بين الميزابيين أنفسهم »، مؤكداً أن طائفته هي التي تعرضت للاعتداء « من طرف مجموعات من الميزابيين ».
ويرى الكثير من الملاحظين أن النزاع الحالي لا علاقة له بالانتماء الديني أو اللغوي، ويعتقد بعض السكان أن « مهربي المخدرات يؤججون الوضع » فهم يسيطرون على الحي الذي يأتي منه المخربون.
وتقع غرداية التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الحادي عشر ميلادي، على بعد 600 كيلومتر من العاصمة الجزائرية ويقطنها حوالي 400 ألف نسمة منهم 300 ألف أمازيغي.
وتشهد غرداية منذ عدة أسابيع مواجهات متكررة أدت إلى تدمير الممتلكات وغلق المحلات وحرمان الأطفال من الدراسة.