فبراير 1999، المملكة المتحدة، نورفيش، مدينة ثيتفورد، انا الآن طالبة في معهد اللغة الانكليزية حتى أتمكن من الدخول للجامعة لاستكمال دراساتي العليا في شعبة الموارد البشرية، لقد دخلت عالم التجارة منذ سن الثامنة عشرة، وتجربتي في مجال التجارة ناجحة بكل المقاييس حتى الآن، ولكني عانيت صعوبات في اللغة الانكليزية منذ مجيئي الى المملكة المتحدة.
وحيث ان السفارة الاسبانية لا تقدم اي نوع من المساعدة المالية للطلبة وجدتني مضطرة للعمل خارج اوقات الدراسة في مطبخ المعهد في انتظار ما سيأتي الله به في مستقبل الايام.
من دون مقدمات، وجدتني ارفض لحم الخنزير والزيوت المستخلصة منه، كنت اكره حتى رائحته، ولكنني لم أبد اي رأي بهذا الخصوص، لم أنبس ببنت شفة.
عند النوم، بدأت أشاهد رؤيا عجيبة، رأيت اناسا كثيرين بملابس بيضاء نقية يلتفون حول بناء عال اسود، رأيتني معهم ! كان المكان ممتلئا بالاجواء الروحانية، لم اعرف ما هو المكان ولا اين يوجد، هل هو مكان للمسلمين او لغيرهم، عندما استيقظت كانت رغبتي الوحيدة هي ان اغتسل واشرب حليبا طريا، كانت رغبة في تطهير نفسي من دون معرفة السبب.
لم اذكر رؤيتي لاي كان، تتبعت احاسيسي الجديدة من دون معرفة الى اين تقودني، ظلت هذه الرؤيا تراودني مرة وثانية وثالثة، فبدأت اجزع للامر، لم ادر الى من اتوجه، ما هو ذلك المكان؟ لماذا انا معهم؟ كل ما كان يشير اليه اولئك الناس في ذلك المكان كان يتمحور حول الرقم ثلاثة ! لماذا كل تلك الاحداث تدور حول الرقم ثلاثة؟
هرعت الى مكتبة الجامعة للبحث في الموضوع، ولكنني لم اجد ما يشير الى ذلك المكان، كانت نورفيش منطقة مسيحية محافظة جدا، ولم يكن من السهل العثور على كتب دينية، بدأت افقد السيطرة على الاحاسيس الجديدة التي حباني الله بها، وبدأت ادخل في دوامة من الشك المقلق.
وذات يوم، ذكرت رؤيتي لاحدهم فنصحني ان استقل القطار للتوجه الى المسجد في لندن حيث يمكنني معرفة المزيد عن الكعبة، كانت دهشتي عظيمة مما وجدته من حقائق، ووجدتني اعود ادراجي متوجة بشهادة، « لا إله إلا الله ».
بداية المعاناة
هنا بدأت معاناتي وآلامي القلبية، لم اغير شيئا في عملي في المطبخ، ولكن رئيس المطبخ علم بإسلامي، فلم يأل جهدا في الافصاح عن مكنون قلبه، كان يقلي لحم الخنزير ويغلق نوافذ المعهد ويضعه امامي لاستنشق رائحته، كان الشرر يتطاير من عينيه، وهو يتحدث عن العرب والمسلمين، كنت اراقب تصرفاته ولا ازيد على أن الزم الصمت.
كنت في ما قبل اشعر باحترام الناس واحظى بمركز اجتماعي مرموق، حيث كانت لدي خادمة في المنزل، ولكنني الآن احس انني اعامل كحثالة، كنت كلما اتممت تنظيف ارضية المطبخ يتعمد سكب الماء في كل مكان حتى اعيد التنظيف من جديد.
كنت احس بالانهاك.. كان يستفز مشاعري بالتحدث عن الجنس بعد ان علم ان الفتاة المسلمة تظل بكرا حتى يوم زفافها، كانت كل تصرفاته واحاديثه تنم عن كراهيته وبغضه للمسلمين، كان دائما يتعمد جرح مشاعري، وكنت اتحمل واصبر وارتمي في احضان صمتي المطبق. لم اتفوه بكلمة للرد عليه يوما، وربما اراد الله ان يعلمني الهدوء والصبر على البلاء.
عند عودتي الى بلادي بحثت عن عمل وانا ارتدي الحجاب في وسط مجتمعي الغربي. كنت متلهفة ايضا لتنمية معرفتي بالدين الاسلامي. غير انه تعذر علي الوصول الى موارد تمدني بهذه المعرفة، فذهبت الى موريتانيا.. اصبحت احلامي حقيقة.
ومرضت وانا في الريف واقتضى علاجي السفر الى نواكشوط حتى اتعافى من المرض. كنت اتردد على سفارات العديد من الدول الاسلامية للحصول على تأشيرة لدراسة العلوم الاسلامية، ولكنني لم اجد عونا يذكر. كذلك كان الشأن بالنسبة لبلدي، جزر الكناري، عندما تقدم مجموعة من المسلمين بطلب الحصول على ارض لبناء مسجد. الرفض والتجاهل كانا القاسم المشترك بين بناء المسجد والدراسات الاسلامية. لقد كان تحمل ذلك صعبا جدا علي. طلبت من الشيخ المشرف على تحفيظي القرآن ارسالي الى مكة للحج، الا انه اشترط علي الزواج مقابل مساعدتي !
عدت ادراجي الى وطني مكسورة الخاطر اجر اذيال الاسى والحسرة. وارتميت في احضان اعمالي من جديد في محاولة للتأقلم مع مجتمعي الذي ولدت فيه. سافرت كثيرا وتاجرت في العبايات والعطور والبخور وكنت احب ذلك كثيرا.
رغم كل تلك الآلام والمعاناة الرهيبة حصلت على الكتب الاسلامية، التي كنت ابحث عنها ورزقني الله من فضله.. لم يكن ذلك عبر زوج كما هو الامر عادة مع باقي النساء، وانما كان ذلك كله من عند الله. « فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ».
للتواصل مع المسلمة مريم : mdaleman@hotmail.com
شهادة اسلام مريم
تقلا عن القبس الكويتية