دورة تدريبية عن الذكاء الاصطناعي وإنتاج الفيديو :|: تحديد المراكز الصحية المخصصة لتلقيح الحجاج :|: مدير SNDE يزور منشآتها بنواذيبو :|: حريق بسوق الخضروات في منطقة "مسيد المغرب" :|: تواصل ارتفاع درجات الحرارة بعدد من مدن البلاد :|: مويتانيا تشارك في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق لنقد الدوليين :|: تحويل ساحة المطار إلى "جسر مواطنة" في الأعياد ب(كيهيدي) :|: خادث سير بالنعمة يؤدي لمقتل شخصين :|: محطات هامة قبل اقتراع رئاسيات 2024 :|: قريبا ... زيارة للرئيس غزواني إلى كيفه :|:
أخبار
اقتصاد
تحقيقات وتقارير
مقابلات
منوعات
الرأي
مواقع

الأكثر قراءة

من هو الرئيس السنغالي الجديد؟
مرسوم يحدد صلاحيات الشرطة البلدية
حديث عن تعديل وزاري وشيك بعد العيد
وزيرسابق يستنكر سجن ولد غده
جنرالات يحالون للتقاعد مع نهاية 2024
تصريح "مثير" لرئيس التحالف الشعبي
دولتان عربيتان بين أكبرمنتجي ومصدري الطماطم عالميا
ما الأسباب وراء تراجع أسعارالغذاء العالمية؟
ثلاث وفيات في حادث سير لسيارة تهرب ذهبا
استعادة عافية الجنوب تعززعلاقة الأشقاء/ عبد الله حرمة الله
 
 
 
 

صرخات في وجه كارثة محققة.. بقلم/ محمد الأمين بن الفاظل

mercredi 18 février 2009

هذه صرخات أصبح من الضروري جدا أن نطلقها باسم المواطن العادي وذلك بعد أن أصبح من الواضح جدا أن البلد يسير وبخطي حثيثة إلي كارثة محققة تقوده إليها نخب ـ أغلبها ـ أناني، بلا ضمير، وحياؤه قليل....

وهذه الصرخات لم أطلقها إلا بعد أن أصبحت أخاف ـ وبشكل جدي ـ من أن أستيقظ ذات صباح دون أن أجد وطنا أنتسب له أو بلدا أعيش فيه. .. وهي صرخات أرجو أن يعذرني القارئ علي حدتها ، كما أرجوه أيضا أن يسمح لي بالعودة ـ قليلا ـ إلي الوراء قبل أن أطلقها.

بين انقلابين :

لم تكن الأعوام الثلاثة الأخيرة من تاريخ هذا البلد مجرد أعوام عادية ، ولم تكن الأحداث التي عرفها خلال تلك الأعوام مجرد أحداث عادية ، ولم تكن كذلك ديمقراطيته ديمقراطية عادية ، كما لم تكن انقلاباته انقلابات عادية (علي الأقل انقلاب الأربعاء الأول من شهر أغسطس من عام 2005 وانقلاب الأربعاء الأول من شهر أغسطس من عام 2008 ).

ومع أن الأربعاء هو الأربعاء وأغسطس هو أغسطس والقادة هم القادة تقريبا إلا أن ما حدث عام 2005 قد اتفق الجميع علي الترحيب به رغم أن الجميع كان يسميه ـ بالعربي الفصيح ـ انقلابا ، عكس انقلاب 2008الذي لم تتفق النخبة ـ ولا العامة ـ علي تسميته ولا علي الترحيب به ، فهناك من عارضه وسماه انقلابا وهناك من سانده وسماه تصحيحا .

بين الانقلابين تناقضات كثيرة أكثرها سخرية إن انقلاب 2005 الذي حل البرلمان بغرفتيه لاقي ترحيبا عالميا لم يحصل عليه أي انقلاب ، بينما انقلاب 2008 الذي تعهد قائده في أول يوم بأنه لن يحل أي مؤسسة دستورية باستثناء الرئاسة تمت معاملته بــ " قسوة " عالمية لم يعامل بها أي انقلاب من الانقلابات الخمسة التي سبقته .

بين الانقلابين تناقضات كثيرة لعل من أكثرها غرابة أن انقلاب 2005 منح لوسائل الإعلام الرسمية هامشا كبيرا من الحرية لم تعرفه قبل ذلك الانقلاب ولا في العهد " المؤتمن " الذي جاء بعده ، أما انقلاب 2008 فقد أعاد وسائل الإعلام الرسمي إلي غيها القديم ووجهها البائس الذي عرفت به قبل 3 أغسطس .

ولعل من أسوأ ما تميز به انقلاب السادس من أغسطس عن انقلاب الثالث منه هو أن انقلاب السادس من أغسطس قد قسم البلد إلي فسطاطين والشرعية إلي " شرعيتين " وشهدت فيه البلاد فوضي في كل شيء ـ لم تعرفها من قبل ونسأل الله أن لا تعرفها من بعد ـ فأصبح البعض يناضل جهارا من أجل إذكاء الصراعات العرقية ، وأصبح اللص المطارد دوليا يستقبل في القصر الرئاسي علي أنه رئيس مرصد دولي ، وأصبح النائب المنتخب يتسلل خفية مع وفود الدول الأخرى للسماح له بالمشاركة في المؤتمرات والملتقيات الدولية وأصبحت أعظم انجازات دبلوماسيتنا هي أن يحصل وزير الخارجية علي دعوة من سفير دولة تافهة لحضور حفل عشاء بمناسبة العيد الوطني لتلك الدولة ، وتحولت الحكومة والبرلمان إلي "شلة متسولين " طلبا لاعتراف دولي واحد وكأننا لم نستقل بعد ، وتحول البلد إلي موضوع لنقاشات بائسة وساخرة في المحافل الدولية يشارك فيها كل من هب ودب .

حتى همومنا تغيرت كثيرا فبعد أن كنا نناضل يوميا ـ قبل السادس من أغسطس ـ من أجل الحصول علي جرعة ماء أو حقنة دواء أو تذكرة باص أو لحظة عدل أو وجبة طعام شحت كثيرا في العهد " المؤتمن " أصبحنا ـ بعد السادس ـ نفكر في مصير البلد نفسه قبل التفكير في الغذاء ، وذلك بعد أن أصبح مجرد التفكير في أي واحد من أضلاع مربع الكارثة القادمة كفيل بأن يخيف أكثر الناس تفاؤلا ( أزمة الغذاء ، الأزمة المالية ، العقوبات الدولية ، الاحتقان الداخلي ) .

و في الأخير يبقي الفارق الأكثر إثارة بين الانقلابين هو أن نهاية الأول كانت عرسا بهيجا بينما كانت بداية الثاني طلاقا كئيبا .

نهاية "عرس " :

لم يكن المواطن العادي يتوقع أن موكب "العرس " المثير الذي شارك في صنعه يوم التاسع عشر من ابريل سيحوله "العرسان " إلي موكب " جنازة " لهذا الوطن وذلك قبل أن يحتفلا ـ علي الأقل ـ بذكري عرسهما الثانية .

وقد يعتقد البعض أن " الطلاق " بين "العريسين " لم يحدث إلا في الثلث الأخير من ليلة السادس من أغسطس من عام 2008 وأن سبب "الطلاق " هو مجرد خلاف بين " العريسين " علي تحديد من هو سيد القصر ومن هي السيدة التي ستقبل بالخروج من القصر بمجرد كتابة " الطلاق " علي ظهر ورقة بيضاء قد تكون مرسوما رئاسيا وقد تكون بلاغا يلغي هذا المرسوم .

ما حدث كان أكثر تعقيدا من ذلك ، وحقيقة ما حدث لم تزل غائبة ـ علي الأقل ـ عن المواطن العادي رغم أن ما كُتِبََ عن صبيحة السادس قد يعادل مجموع ما كتب عن كل الأحداث التي عرفها هذا البلد منذ استقلاله وحتى صبيحة اليوم السادس التي يؤرخ بها البعض لبداية التاريخ ويؤرخ بها البعض الآخر لنهايته . لن أعود إلي كل ما حدث في تلك " الزفة " ولن أعود إلي تلك الطقوس الراقية التي صاحبت ليلة العرس والتي بهرت الخارج وتغني بها كل الداخل ، كما أني لن أعود إلي تلك الطقوس الخشنة والبدائية التي طغت علي مراسم الطلاق والتي أغضبت كل الخارج وأزعجت نسبة هامة من الداخل .

سأكتفي ـ هنا ـ بالعودة إلي بعض "نجوم العرس "وبعض "نجوم الطلاق " ، وسأتحدث عن كل واحد من هؤلاء "النجوم " بمفرده وبصراحة شديدة ، مما يعني ـ بالتأكيد ـ أني سأغضب بعض " القادة " كما يعني ـ أيضا ـ أني سأغضب بعض المدافعين عن هؤلاء القادة ممن عرف كثيرا بالدفاع عن " الرجال " ولم يعرف ـ ولو قليلا ـ بالدفاع عن هذا الوطن الذي أنجب أولئك الرجال . عموما ، سأتحدث دون أن تكون هناك أسوار لهذا الحديث ، ولن أكتم من الحقيقة إلا ما غاب عني وهو ـ يقينا ـ ليس بالشيء اليسير .

شيء من الحقيقة :

لقد استنتجت ـ دون عناء يذكر ـ أن من الواجب علي كل واحد من " رموزنا " أن يقدم اعتذارا صريحا لهذا الوطن الذي ينتمي له بالبطاقة ما يزيد علي ثلاثة ملايين من المواطنين ولا ينتمي له بالشعور وبالسلوك اليومي في المكتب وفي الشارع وفي المنزل إلا قلة قليلة قد لا تصل إلي عُشر من يملك البطاقة الوطنية .

وبطبيعة الحال فنحن جميعا ـ وبدرجات مختلفة طبعا ـ قد قصرنا في حق هذا الوطن ولم نزل مقصرين ونحن جميعا مطالبون بالاعتذار وبتغيير سلوكنا ، تلك حقيقة واضحة ـ كالشمس في رابعة النهار ـ لا يجادل فيها إلا أحمق مشاكس .

ومع ذلك فالأخطاء تختلف ، لذلك فنحن هنا سنقتصر علي تلك الأخطاء الكبيرة التي صدرت من " رموز " كبار وأوصلتنا ـ بالمحصلة النهائية ـ إلي هذا الوضع البائس الذي نعيشه منذ فجر السادس الذي جاء بالانقلاب السادس والذي قد يُختم يوم السادس من الشهر السادس من العام الجاري بانتخابات لن تكون ـ في أحسن الأحوال ـ أقل سخافة من الانتخابات التي أوصلت "معاوية " ثلاث مرات إلي القصرـ دون أن يخرج منه ـ علي ظهر صناديق الاقتراع بعد أن وصله ذات يوم علي ظهر دبابة وخرج منه ذات يوم عندما امتطي اقرب الناس إليه ـ أقول أقرب الناس إليه ـ دبابة ، ذلك شيء من التاريخ لن يشغلني عن الصراخ ـ الذي لا أملك غيره ـ في وجه من يسير بنا اليوم إلي كارثة محققة .

الصرخة الأولي : وهي موجهة إلي الرئيس المنتخب الذي سألخص هنا ما حدث في أشهره الستة عشر ، تلك الأشهر التي كنت قد تحدثت عنها بما فيه الكفاية ، بدءا بمقال " عجوز أمبود " الذي نُشر بعد يومين من تنصيب الرئيس المنتخب وانتهاءً بمقال " العجوز وسلة البيض " المنشور ـ أربعة أيام فقط ـ قبل انقلاب السادس من أغسطس ( يمكن العودة إليه في العديد من اليوميات وفي موقع وكالة أخبار نواكشوط) .

وما كتبته بين " العجوزين " عن العهد " المؤتمن " يمكن تلخيصه في النقاط التالية : 1ـ لقد كان الرئيس المنتخب طيبا ، يحب الخير لهذا البلد ، ولكنه في الوقت نفسه عجز تماما عن أن يحول طيبته إلي واقع ميداني يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية.

2ـ لقد ورث الرئيس المنتخب " تركة " ثقيلة صاحبتها أزمة عالمية وكوارث طبيعية قاسية زادت من صعوبة الواقع المعيشي للمواطن ، تلك حقائق لا يمكن إنكارها ، ولكن هناك حقيقة أخري لا يمكن كذلك إنكارها وهي أن هناك أخطاءً بشرية جسيمة حدثت في الأشهر الستة عشر زادت وعمقت من معاناة المواطن العادي .

3ـ لم يحدث أن حصل رئيس علي مباركة داخلية وتزكية خارجية كما حصل عليها الرئيس المنتخب يوم تنصيبه، ولم يحدث كذلك أن فرط رئيس في الرئاسة كما فرط فيها الرئيس المنتخب الذي انشغل بإسفاره وظل يتفرج علي الصراع الدائر من حوله وكأنه يتفرج علي صراع ثيران يدور في "كولومبيا " .

وعندما حسم العسكر و"كتيبتهم " الصراع وهزموا كتيبة " الزوجة " وكتيبة الأصدقاء تذكر الرئيس المنتخب ـ وقتها ـ أنه هو الرئيس الشرعي للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

4ـ قال الرئيس بعد الانقلاب عليه بأن " الجنرال " كان علي استعداد لإراقة الدماء من أجل الدفاع عن منصبه، ومع ذلك فقد أقال الرئيس كل " الجنرالات " في الوقت الذي لم تعد لديه القدرة ـ و لا الإمكانات ـ لتضميد أبسط جرح إذا نزف .

ما أريد أن أقوله هنا هو أن الرئيس المنتخب فشل تماما في إدارة البلد في ظروف ليست بالصعبة إذا ما قورنت بالظروف الحالية والقادمة، لذلك فهو سيفشل ـ قطعا ـ إذا ما عاد لرئاسة البلد .

وما أريد أن أقوله للرئيس المنتخب بأنه هو ـ لا غيره ـ من ضيع الملك الذي جاءه علي طبق من ذهب لذلك فعليه أن لا يتعلق كثيرا بهذا الملك بعد أن أصبح بعيدا جدا .

وما أريد أن أختم به للرئيس المنتخب هو القول بأن دوره الآن يكمن في البحث عن صيغة عملية ودستورية للخروج من هذه الأزمة التي لا يمكن الخروج منها دون مشاركته ، هذا هو ما نطلبه ـ الآن ـ من الرئيس المنتخب ، لا أكثر، ولا أقل .

الصرخة الثانية : خاصة بالجنرال : نحن لسنا " فئران مخابر" وليس من اللائق أن تجربوا علينا في ـ كل مرة ـ ما ترونه مناسبا لكم لا للبلد ، نحن لم نكن نعرف الرئيس المنتخب الذي انقلبتم عليه ، فأنتم ـ كما قلتم ـ هم من جاء به وفرضه علينا ، لذلك فكل أخطائه التي تتحدثون عنها الآن تحسب أيضا عليكم ، كما أن كل أخطائكم التي يتحدث عنها هو تحسب عليه هو أيضا .

فلتبالغوا في ذكر أخطائه وليبالغ هو في ذكر أخطائكم ، أما نحن فسنُحمل كل تلك الأخطاء لكم وله معا ، لأنكم شركاء في كل ما حدث قبل السادس من أغسطس وشركاء فيما حدث يوم السادس وشركاء أيضا في ما حدث بعد السادس وفي كل ما يتهدد البلد الآن من مخاطر .

عليكم أن تتركوا السلطة وتتيحوا للشعب أن يختار هذه المرة رئيسه دون وصاية ، أما ترشحكم أو ترشح من تدعمونه فذلك لن يجر للبلد إلا مزيدا من المصائب والقلاقل ، وعليكم أن تعتذروا للشعب الموريتاني عن تدخلكم لتوجيه إرادته ، وعليكم أن تعلموا أنه لا وصاية في الديمقراطية وهذا الشعب من حقه أن يختار بلا وصاية حتى ولو اختار " أكبر المفسدين " في البلد ، وعليكم أن تعلموا بأنه ليس من المنطقي أن لا يكون في هذا البلد الذي يقطنه ما يزيد علي ثلاثة ملايين أكثر من رجل صالح واحد .

كما أنه عليكم أن تعلموا بأن كلمة التضحية التي ترددونها كثيرا لا تعني البقاء في السلطة وتوزيع المناصب والامتيازات علي المناصرين في الوقت الذي يسير فيه البلد نحو كارثة محققة ، هذه ليست تضحية ، التضحية ـ يا جنرال ـ تعني أن يتنازل الشخص عن حقه الذي يتفق الناس أنه حقه من أجل غاية عظيمة ، وهي بالنسبة للجنرال ـ أي التضحية ـ يجب أن لا تكون أقل من التنازل عن الرئاسة التي لا يتفق كل الموريتانيين أنها من حق "الجنرال " وذلك من أجل إنقاذ وطنكم الذي لم يبخل عليكم ـ في أي يوم ـ بأي شيء .

الصرخة الثالثة : وهي خاصة برئيس التكتل الذي كنت قد كتبت له رسالة مفتوحة بأسابيع قليلة قبل انقلاب السادس من أغسطس وقلت له في هذه الرسالة بأنه قد يستطيع ـ بتحالفه مع " الجنرال " ـ أن يتخلص من خصومه واحدا بعد واحد ، كما قلت له ـ في تلك الرسالة ـ إنه سيأتي وقت يتفكك فيه هذا التحالف ويبدأ فيه صراع جديد بينه وبين " الجنرال " ، أعتقد أن تلك اللحظة بدأت ، كما أعتقد ـ أيضا ـ أنه من المناسب هنا أن أُذََكِّر بعض " التكتليين " ـ ممن يتهمني بأني قسوت كثيرا علي زعيم المعارضة ـ بتلك الرسالة التي كنت قد عددت فيها خصال رئيس التكتل بطريقة لا أعتقد بأني تحدثت بها عن أي شخصية سياسية أخري .

وعلي هؤلاء "التكتليين " أن يعلموا جيدا بأني ـ حتى وإن كنت لا أنتسب لحزبهم ـ أهتم كثيرا بالتكتل لأني أهتم كثيرا بالديمقراطية التي لا يمكن أن تنجح بدون وجود أحزاب قوية ، لذلك فبقاء التكتل واستمراره بوصفه أكبر الأحزاب الوطنية وأعرقها ليست قضية خاصة بالمنتسبين لهذا الحزب ، وهنا يجب أن نشير إلي أن هذا الحزب تعرض للحظات صعبة جدا بسبب موقفه من الانقلاب وبسبب محاولة السلطات الحالية لتفكيكه ، وهي محاولات لم يتعرض لها في عهد الرئيس المنتخب ولو للحظة واحدة .

وهذا بالضبط هو ما جعلني أستهجن وأستنكر وأصدم وأستغرب .. و.. من موقف التكتل من انقلاب السادس من أغسطس ، وأنا لم أزل أعتقد بأنه علي زعيم التكتل أن يعتذر للشعب الموريتاني من موقفه الداعم للانقلاب .

وإذا كان التلوث البيئي ـ في أبسط تعريفاته ـ يعني وجود مادة ما في مكانها أو زمانها غير الطبيعي فإن أخطر درجات " التلوث " في الديمقراطية هي أن يلهث أكبر وأعرق حزب يترأسه زعيم معارضة دستورية خلف دبابة يقودها " جنرال " انقلب علي رئيس شرعي !!!

الصرخة الرابعة : خاصة برئيس الجمعية الوطنية : لا أحد يستطيع أن يشكك في التاريخ النضالي لهذا المناضل الكبير الذي كافح مع رئيس التكتل ومع قلة قليلة جدا من أجل إرساء الديمقراطية في هذا البلد .

ولا أحد في هذا البلد إلا ويقدر لهذا المناضل بساطته وجرأته وصراحته وشجاعته في التعامل مع قضايا هذا البلد.

ولا أحد تهمه الديمقراطية إلا ويقدر لهذا المناضل جهده الكبير الذي يبذله ـ منذ السادس من أغسطس ـ من أجل إفشال الانقلاب.

وفي المقابل ـ وهنا تكمن المشكلة ـ فلا أحد يستطيع أن ينكر ـ كذلك ـ بأن هذا المناضل الذي يقود شعبية " متماسكة " كان بإمكانه لو غلب المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية والحزبية أن يجنبنا كل هذه الأزمات التي نتخبط فيها اليوم .

فمن حق من يبذل جهدا أن يتم تقدير جهده ، هذه ثقافة يجب أن نتعلمها ونعلمها ونمارسها أيضا ، فكان رئيس التكتل أولي بالرئاسة لأنه بذل جهدا كبيرا من أجلها عكس منافسه ، وكان أولي بها لأنه كان ـ علي الأقل ـ أبعد من السلطة الانتقالية من منافسه ( وديمقراطيتنا كانت بحاجة شديدة لنجاح المرشح الأكثر بعدا من السلطة ) وكان أولي بها لأننا كنا بحاجة لتماسك المعارضة التقليدية التي ناضلت بشكل جماعي من أجل الديمقراطية ، وكان أولي بها لأن المعارضة التقليدية كانت أولي بقطف ثمار الديمقراطية ، وكان أولي بها لأن منح الرئاسة ـ لأسباب شخصية ـ للمرشح الذي لم يبذل جهدا من أجلها لا يختلف ـ في أي شيء ـ عن توظيف من لم يبذل جهدا في البحث عن الشهادة علي حساب صاحب الشهادة ، وكان أولي بها لأنه ـ وببساطة شديدة ـ لم يكن منافسه يتميز عنه في أي شيء من حيث التخصص والخبرة والكفاءة والاستقامة .

لقد سن رئيس التحالف سنة سيئة لتفكك المعارضة التقليدية التي كنا بحاجة شديدة لتماسكها ، وهي سنة تبعه فيها حزب اتحاد قوي التقدم و " تواصل " الذي كان يناضل من أجل قطع العلاقات المشينة ومحاربة الفساد فإذا به يشارك بوزيرين في حكومة تجمع " الكبيرتين " ( لا آكل الجيفة ولكن أستخدم مرقها ) ، ثم جاء الدور أخيرا علي التكتل الذي اختار أسوأ الأوقات وأغربها ليتخذ موقفه الداعم للانقلاب والذي لم نجد له تفسيرا خارج الدوافع الشخصية ، تماما مثلما اختار " التحالف " أكثر الأوقات حرجا ليتخذ موقفا لا يمكن كذلك أن نفسره خارج الدوافع الشخصية والمصالح الحزبية الضيقة جدا .

وقبل أن أترك " نجوم " الصف الأول إلي "نجوم " الصف الثاني لا بد من أن أقول هنا بأنه لو تجاوز هؤلاء القادة الأربعة المصالح الضيقة والخلافات الشخصية وضحوا فعلا من أجل المصلحة العامة لحُُُلت الأزمة في وقت قياسي.

لم يكن " نجوم " الصف الثاني أقل خطرا علي ديمقراطيتنا الفتية ، ولم يكن هناك عمل أكثر عداءًً لهذه الديمقراطية الفتية من كثرة " الجنان " التي وعد بها المتنافسون والتي تبعها عمل ميداني رديئ جعل المواطن العادي في نهاية العام الديمقراطي الأول يشتاق إلي جحيم "معاوية " أو جحيم الدكتاتورية الذي كان أفضل بالنسبة للكثيرين من " جنان "الديمقراطية .

"قوة الخمول " :

فاجأ المرشح ـ الأكثر تدليلا ـ الجميع بشعبيته الواسعة التي التفت حوله في ظرف قياسي ، وتوقع البعض أن أداء هذا المرشح سيكون رائعا ، وعود سخية أطلقها في حملته ، شعار قوي لحملته " قوة التغيير " ، شهادات عالية ، مال كثير( قيل أنه صرح بمليارين ) ، لم يعد في نظر الكثيرين يطمح لشيء غير الرئاسة ، ولقد كنت ممن توقع أن أداء حكومته سيكون جيدا لأني كنت أعتقد أنه سيبدأ حملته الرئاسية بعد أول يوم من تنصيبه وزيرا أولا .

ولكن الذي حدث هو العكس فقد كان الأداء سيئا جدا ولقد انشغل الوزير الأول بأموره الخاصة وأدار ظهره لكل أنصاره ثم أخذ ينفي بأرقامه " الصادقة " جوع أولئك الذين صوتوا له ولم يكونوا يتوقعون أن يخرجهم الجوع من ديارهم بعدما نُصِّب مرشحهم وزيرا أولا .

كانت تلك هي الصدمة الديمقراطية الأولي في أول عام لها ، أما الصدمة الثانية فقد جاءت من عند النواب المستقلين .

لم يكن من المستغرب أن يُظْهِر بعض المنتخبين حنينا إلي الماضي ، ولم يكن من المستغرب كذلك أن يتشابه أداء بعض هؤلاء المنتخبين مع أداء المنتخبين في عهد ديمقراطية " معاوية " ، خاصة إذا تعلق الأمر بمن تربي في جيش " معاوية " أو في ديوانه أو في داخليته و عدله أو من كان " منشدا " في حملاته ، لكن الغريب حقا هو أن يتصرف بعض النواب الشباب الأكفاء بنفس تلك العقلية وبنفس ذاك السلوك . والمحزن حقا هو أن لا يقتنع النائب بأنه نائبا رغم أنه قد تم انتخابه شعبيا ورغم أن الكل يعتبره نائبا .

والمقزز حقا أن يعتبر النائب نفسه مجرد جندي عادي لا يمكن له أن يتحدث إلا بعد أن تأتيه الأوامر من قائده العسكري بالتحدث ، والمشين حقا أن بعض النواب ممن يتحدث الآن كثيرا عن فساد الرئيس السابق لم يكن يتحدث عن هذا الفساد في قبة البرلمان بل كان يخاصم زملاءه إذا ما تحدثوا عن فساد الرئيس لأنه يومها لم تكن الأوامر قد صدرت له بضرورة التحدث .

حقيقة صُُُدمنا كثيرا في بعض النواب الشباب الذين قُدمت لهم أوامر عسكرية بأن ينسحبوا من أحزابهم و يترشحوا مستقلين ففعلوا، وأعطيت لهم الأوامر بأن يصمتوا فصمتوا ، ثم أعطيت لهم الأوامر بأن يثرثروا فثرثروا ، فليتهم أُرسلوا لحدودنا الشمالية لأنهم قمة في الانضباط وفي تنفيذ أوامر القائد ، إنهم جنود منضبطين وبامتياز .

وسواء بالنسبة لنا أن يكون النواب الداعمون للانقلاب قد علموا بهذا الانقلاب قبل وقوعه أم أنهم لم يعلموا به إلا بعد حدوثه كما هو حال العديد من أعضاء المجلس الأعلى ، ففي كلا الحالتين قد أخطأوا ، أن يشارك نائب منتخب في انقلاب عسكري فذلك خطأ فادح ، وأن لا يندد ـ علي الأقل ـ نائب بانقلاب عسكري رغم أنه وَقَّع باسمنا علي الاتفاقيات الدولية الرافضة للانقلابات والتي تشرع للحصار الذي نهدد به اليوم فذلك أيضا خطأ فادح .

وقبل أن نترك الجيل الشاب من رجال السياسة في هذا البلد لا بد هنا ـ وأرجو المعذرة ـ من طرح أسئلة عابرة علي رئيس حزب " حاتم " .

لقد صدمت كثيرا ـ بعد الانقلاب السادس ـ في حزب " حاتم " وصدمت أكثر باللغة " الحاتمية " الجديدة التي أصبح يتحدث بها رئيس هذا الحزب ، وهي لغة وإن كنت لم أعد أفهما جيدا ـ عكس السابق ـ إلا أنها أثارت لدي العديد من التساؤلات من قبيل : ما المقصود بأن موريتانيا أهم من الديمقراطية ؟ ولماذا كل هذا الاندفاع والحماس لهذا الانقلاب ؟ هل هو نوع من الحنين إلي الانقلابات ؟ أو هو نوع من التعويض لسنوات الجفاء مع السلاطين ؟ ومن أين جاء " حاتم " بهذه "الخبرة " المتميزة في التقرب إلي السلطان ؟ وكيف استطاع حزب حاتم أن يحتفظ بالصدارة لستة أشهر كاملة في السباق إلي قلب الجنرال ؟ وكيف حقق الفوز علي الأحزاب " العريقة " التي تدرب قادتها لعشرات السنين علي هذا النوع من السباقات ؟ وهل طموح من علمنا الطموح لم يعد يتجاوز منزلا وسيارة فاخرة وحفنة قليلة من الوظائف يوزعها ذات اليمين وذات اليمين !!!؟ أسئلة قد أعود للإجابة عليها في مقام آخر، ولكن قبل ذلك لا بد أن أسجل هنا شيئا ـ للتاريخ ـ يمارس ضد الفقراء ويشارك حزب " حاتم " في صنعه .

شيء للتاريخ :

هناك كارثة جديدة تحاك الآن ضد فقراء البلد ولا أحد يكترث بها ، ولأني بحكم التخصص وبحكم بعض الدراسات النظرية والميدانية التي كنت قد أعددتها عن الأمية والفقر في هذا البلد ، فقد وجدت من الضروري أن أنبه هنا ـ مرة أخري ـ وزير حزب " حاتم " المكلف بالتشغيل بالحقائق التالية :

1ـ من أسباب تفشي الفقر في هذا البلد هو أننا مجتمع يريد أن يعيش علي مهنة واحدة فنصفنا تجار ونصفنا الآخر مشاريع تجار، ومن الصعب أن يبني موريتاني منزلا إلا و شيد فيه محلا للتجارة ، في دراسة ميدانية عن الفقر في " كوركول "، كنت أوجه علي سكان القري بعض الأسئلة من بينها : إذا حصلت علي بعض المال فماذا ستفعل ؟ كان الجواب الشائع : أفتح محلا تجاريا .

2ـ تُستنزف خيرات هذا البلد من خلال آلاف المهن والحرف الصغيرة جدا التي يحتكرها الأجانب رغم أنها لا تحتاج إلي مؤهلات تذكر.

3ـ عند وضع برامج لمحاربة الفقر لا بد من أن نتذكر ـ دوما ـ أن أغلب هؤلاء الفقراء لا يكتب ولا يقرأ .

لذلك فزيادة فترة التكوين المهني وزيادة كلفة التكوين مع نقص المتكونين ليست هي الخطة الأمثل لمحاربة الفقر في هذا البلد وليست هي الإنجاز الذي يحق لنا أن تتغني به .

نحن ما نحتاج إليه فعلا في هذا المجال هو برامج واسعة ومكثفة للتثقيف الحرفي كلفتها قليلة ومدتها محدودة جدا لكي يستفيد منها أكثر عدد من الفقراء ، والذين قد يكون من بينهم من لا يقرأ ولا يكتب لأنه أكثر فقرا ، فحرفة " إصلاح النعل" أو "بيع ساندويش " أو غير ذلك من المهن الصغيرة جدا لا يحتاج إلا لتثقيف وتوعية وتغيير عقليات ومسلكيات ، لقد وضعت تصورا ميدانيا لمراكز متخصصة في ذلك وكتبت بتفصيل أكثر عن هذا الموضوع للجنرال في ثاني رسالة مفتوحة أكتبها له وللرئيس المنتخب في رسالة مطولة ـ بمناسبة " ثورة الجياع " ـ تحت عنوان " حتى لا نزداد فقرا " .

لا أحد يعترض علي التكوين المهني المتخصص الطويل المدة والعالي الكلفة والموجه لفئة قليلة جدا، ولكن عندما تكون الموارد محدودة فيجب وقتها أن تكون هناك أولويات ، فمثلا عندما تكون لدينا موارد محدودة جدا قد تمكننا من تخريج عشرات الممرضين في سنتين يتم إرسالهم لأحدي الولايات الداخلية ، لعلاج " الملا ريا " وبعض الأمراض المنتشرة هناك ، وعندما يكون أهل تلك الولاية بحاجة عاجلة لأولئك الممرضين ويلحون علي المطالبة بقدومهم فسيكون ساعتها من الحماقة الرد علي هؤلاء بأن الموارد المخصصة لتكوين الممرضين قد تم تخصصيها لتكوين طبيب متخصص في أمراض القلب سيتخرج بعد عشر سنوات وسيتم بعد ذلك إرساله إلي الولاية المذكورة والتي قد لا يزوره فيها إلا قلة قليلة جدا لديها مشاكل في القلب .

المشكلة ـ وهذا هو ما يحدث دائما وبصور مختلفة ـ أننا لن نعترف بخطئنا إلا بعد عشر سنوات عندما يتخرج الطبيب !!

صرخة أخيرة : " تفاديا للكارثة " :

تمنيت حقا أن أقرأ مقالا تحت عنوان " تفاديا للكارثة " بعد أن قرأت قبل السادس من أغسطس مقالا تحت عنوان " تفاديا للعار " ، تمنيت ذلك لأن وضعيتنا السيئة أيام كتابة " تفاديا للعار " قد أصبحت أكثر سوءا وأبعث للقلق في أيامنا هذه ، ومع أن الكارثة أصبحت قريبة جدا ولم نعد نحتاج إلي كاتب كبير ليشعرنا بقربها إلا أننا مع ذلك كنا ننتظر ممن كتب صفحات لتفادي العار أن يكتب كلمات ـ علي الأقل ـ لتفادي الكارثة .

لقد أثبت لنا كاتبنا الكبير أنه يقدم نموذجا رائعا لغالبية نخبنا ، فالمبرر الوحيد لإطلاق صفارات الإنذار هو الوضعية الشخصية ، فإذا كانت الظروف الشخصية غير مريحة فالوطن ليس علي خير أما إذا كانت الوضعية الشخصية مريحة فالوطن بألف خير حتى في تلك الأوقات التي يكون فيها علي أسوأ حال كما هو حاله اليوم .

وهنا أغلق القوس الذي كنت قد فتحته ـ بسبب عنوان الفقرة ـ دون أن أشعر القارئ بفتحه وذلك لأطرح السؤال الأهم في هذا المقال : كيف نتفادى الكارثة ؟ الجواب ببساطة شديدة هو : لا نحتاج إلا لشيء يسير جدا من الوطنية !!

فنحن جميعا مطالبون ـ نخبا وعامة ـ بشيء من الوطنية لمواجهة الكوارث التي تحيط بنا ، وهذه الأزمة التي نعيشها اليوم يمكن أن يحلها قادة أطراف الصراع بشيء قليل من التضحية في سبيل الوطن ، هناك حلول واضحة لحل الأزمة ، هذا في ما يخص قادة الصراع ، أما بالنسبة للمواطن العادي فهو أيضا تقع عليه مسؤوليات وليس من اللائق أن يظل متفرجا وسلبيا لا يعنيه ما يحدث في هذا البلد ، وربما يكون من المناسب هنا أن نعرض قصة أمريكي عادي هو " مارتن تربتو"، الذي ترك محل الحلاقة الذي كان يعمل به ليحارب من أجل بلده عام 1917، وحينما قتل في أرض المعركة وجدوا معه ورقة كتب فيها : "العهد الذي أخذته على نفسي : يجب أن تنتصر" أمريكا " في هذه الحرب، سأعمل، وسأدخر، وسأضحي، وسأتحمل، سأحارب وأفعل كل ما بوسعي، كما لو أن الأمر برمته متوقف على أنا وحدي" .

نحن أيضا يجب علي كل واحد منا أن يتخذ عهد ا مع نفسه بأن يكون مواطنا صالحا بشعوره وسلوكه ، فهذا البلد ـ وبعد مرور نصف قرن من استقلاله ـ أصبح من اللازم أن يكون فيه مواطنون كغيره من البلدان .

علي كل واحد منا أن يتصرف في حرب إثبات المواطنة ( سلوكا لا بطاقة ) وكأن المعركة تتعلق به لوحده ، أما إذا بقي كل واحد منا ينتظر صلاح الملايين الثالثة ـ بكاملها ـ من أجل أن يصبح هو مواطنا صالحا فذلك يعني أننا لن نخرج من أزمة إلا إذا ابتلعتها أزمة أكبر ولن نتجاوز مصيبة إلا إذا وقعت عليها مصيبة أكبر قادرة علي أن تنسينا المصيبة التي سبقتها .

همسة أخيرة : تصبحون علي وطن !!!


عودة للصفحة الرئيسية

الصفحة الرئيسية   |   أضفنا إلى مفضلتك   |   من نحن؟    |   اتصل بتا